بعد الفوز المفاجئ لحزب المحافظين، بزعامة بوريس جونسون، بالانتخابات العامة في بريطانيا، أصبحت مغادرة الاتحاد الأوروبي، بنهاية يناير/كانون الثاني المقبل، أمراً شبه محسوم، لكن تداعيات ذلك على التاج البريطاني لا تبدو مبشرة، فما القصة؟
هل تصوّت أسكتلندا على الانفصال؟
عندما تم إجراء الاستفتاء بشأن اتفاقية مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي والمعروفة باسم بريكست عام 2016، جاءت نتيجة الاستفتاء بـ "نعم" بأغلبية بسيطة (52%)، لكن في أسكتلندا تحديداً كانت النتيجة مختلفة، حيث صوت 62% بـ "لا"، أي إن غالبية الأسكتلنديين يرفضون بريكست.
وفي استطلاع للرأي، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، حول استقلال أسكتلندا في حال تنفيذ بريكست، صوَّت 51% لصالح الاستقلال إذا ما غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أن جونسون سيواجه تحديات داخلية ربما تكون أصعب من تلك التي يواجهها مع الاتحاد الأوروبي لترتيب مسألة الخروج بشكل سلس.
وأظهر الاستطلاع الذي أُجري لحساب صحيفة "صنداي تايمز"، في الفترة من 3 إلى 6 ديسمبر/كانون الأول، أن أغلبية من الأسكتلنديين (51%) سيؤيدون الاستقلال إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، في حين سيرفضه 49%.
وفي الوقت نفسه، قالت أغلبية تبلغ 58% إنه إذا بقيت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، فسيصوتون ضد استقلال أسكتلندا عن المملكة المتحدة، في حين قال 42% ممن شملهم الاستطلاع، إنهم سوف يؤيدون الاستقلال في هذه الحالة.
ما الذي تغيَّر وأعاد الاستقلال إلى الواجهة الآن؟
أجرت أسكتلندا استفتاء على استقلالها في سبتمبر/أيلول عام 2014 ، وصوَّت 55 في المئة بـ "لا"، أي أن الأغلبية رفضت الاستقلال عن المملكة المتحدة.
ولكن بعد ذلك، في عام 2016، عند إجراء استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صوَّت الأسكتلنديون على البقاء في الاتحاد الأوربي بنسبة 62 في المئة، لكن نسبة الناخبين المؤيدين للخروج في جميع أنحاء المملكة المتحدة ككل كانت 52 بالمئة.
وعدَّ الحزب الوطني الأسكتلندي هذا "تغييراً ملموساً في الظروف"، من شأنه أن يبرر الاقتراع الثاني للاستقلال، لأن أسكتلندا تواجه إخراجها من الاتحاد الأوروبي، وهذا "ضد إرادتها".
ومنذ ذلك الحين، أصبح أداء الحزب أكثر قوة في الانتخابات، وفاز بـ48 مقعداً من أصل 59 مقعداً في شمال المملكة بالانتخابات العامة التي أُجريت الأسبوع الماضي، في حين كان الحزب يقوم بحملة لـ "وضع مستقبل أسكتلندا بين يد الأسكتلنديين".
هل توجد أرضية قانونية لإجراء استفتاء ثانٍ؟
تعتقد نيكولا ستيرجيون، الوزيرة الأولى في أسكتلندا، أنه يجب إجراء استفتاء ثانٍ؛ من أجل استقلال أسكتلندا في العام المقبل، ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا؟
كان هناك نقاش قانوني منذ فترة طويلة، حول ما إذا كان البرلمان الأسكتلندي، يمكنه إقرار القوانين اللازمة لإجراء تصويت جديد على الاستقلال بدلاً من النواب في وستمنستر، لكن لم يجرِ اختبار المسألة مطلقاً في المحكمة.
لذلك تريد ستيرجيون من حكومة المملكة المتحدة الموافقة على نقل الصلاحيات التي تسمح بإجراء استفتاء، كما حدث في عام 2014، وتقول زعيمة الحزب الوطني، إن هذا سيضمن أن تكون نتيجة الاستفتاء قانونية وشرعية تماماً، خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي.
لكن جونسون يرفض الاستفتاء الثاني
لكن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، لا يزال يعارض الاستفتاء الثاني، برغم النجاح الذي حققه الحزب الوطني في الانتخابات، إذ قال كبار المسؤولين الحكوميين، ومن ضمنهم وزير البيئة مايكل غوف، إنه لن يكون هناك تصويت على الاستقلال خلال السنوات الخمس المقبلة، على الأقل.
وتقول ستيرجيون إن جونسون ومعه أعضاء حزب المحافظين قد "يستشيطون غضباً ضد الواقع" فترة من الوقت، لكن سيتعين عليهم في نهاية المطاف الاستسلام للديمقراطية، وحذرت من أنه "لا يمكن إيقاف عضوية أسكتلندا في الاتحاد الأوروبي والذي يعتبر ضد إرادة شعبها".
إن لم تغير هذه الحجج السياسية رأي جونسون، فلن تستبعد ستيرجيون رفع دعوى قضائية ضده، وإن تم سلوك هذا الطريق، فسيتعين على الأسكتلنديين مواجهة مخاطره، إذ إن النجاح غير مضمون، وقد تستغرق العملية وقتاً طويلاً يكلفهم الكثير، لكن البعض في الحزب الوطني يحرصون على المضي قدماً.
وهناك شيء واحد استبعدته ستيرجيون، ألا وهو التصويت غير القانوني. وتقول إن إقليم كاتالونيا في إسبانيا خير مثال على أن مثل هذا الإجراء "لن يؤدي إلى الاستقلال".
وقد يكون خيارها الآخر هو السعي نحو تحقيق فوز كبير في انتخابات البرلمان الأسكتلندي لعام 2021، وطرح برنامج واضح للمطالبة بإجراء استفتاء، لزيادة الضغط على حكومة المملكة المتحدة.
ما المطلوب لانضمام أسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبي؟
سيتعين على أسكتلندا اجتياز المراحل كافةً التي تتطلبها أي دولة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أنه ستكون لديها ميزة عضويتها المسبقة في الاتحاد.
وهناك سلسلة من المعايير المطلوبة للانضمام، مثل العملة المستخدمة ومستويات العجز في ميزانية الدولة وحدود البلاد، وقد أثارت ستيرجيون عديداً من هذه الموضوعات مسبقاً ، قائلة إن أسكتلندا يمكن أن تستمر بالبداية في استخدام الجنيه الإسترليني دون الحاجة لاستخدام عملة اليورو، مشيرة إلى أن الوضع المالي للبلاد يمكن إدخاله ضمن قواعد الاتحاد الأوروبي من خلال تنمية الاقتصاد.
ومع ذلك، فإن بيان حزبها نفسه يشير إلى أن هذه العملية قد تستغرق عدة سنوات، في حين تريد ستيرجيون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأسرع وقت ممكن، لكنها في الوقت نفسه ترغب في تجنُّب رسم حدود مادية بين أسكتلندا وإنجلترا.