سيناريوهات مدمّرة.. كيف يمكن أن تقتل حرب نووية 335 مليون شخص في 3 أيام؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/28 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/28 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
تعبيرية/ Creative Commons

قد تكون مخاطر اشتباك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في حرب نووية انتهت، لكن تُثار حالياً احتمالاتٌ باندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا أو الصين، لكنّ النقطة الأهم هنا هي أنَّ الوضع الآن أسوأ مما كان عليه خلال الحرب الباردة. 

تقول مجلة The National Interest الأمريكية: لن نبالغ إذا قلنا إنَّه بالنسبة للذين نشأوا خلال الحرب الباردة كان اندلاع حرب باردة "الكابوس الأسوأ" الذي يقضّ مضجعهم. إذ مثّل انطلاق صافرات التحذير من الغارات الجوية وأجهزة الإنذار، وانتشار حرارة الانفجار النووي الحارقة، احتمالاً واقعياً، وإن كان بعيداً، يؤرق أيامهم. 

وعرضت الأفلام التلفزيونية، مثل The Day After وThreads صورةً واقعية لوقوع هجوم نووي، والتفكك التدريجي للمجتمع في أعقابه. وفي حال وقوع هجوم نووي شامل فسيتراجع أغلب العالم الصناعي إلى العصر الحجري، ويُقتَل مئات الملايين على الفور، وربما يموت مليار شخص أو أكثر بسبب الإشعاع أو المرض أو المجاعة خلال الفترة التالية للحرب.          

سيناريوهات الكارثة

خلال أغلب سنوات الحرب الباردة عُرِفَت اسم خطة الولايات المتحدة للقتال النووي باسم "SIOP"، أو الخطة التشغيلية الواحدة المتكاملة. واستُحدِثَت أول خطة أمريكية في عام 1962، وسُميَت بخطة SIOP-62. ووثقت تبعاتها على الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو والصين ورقة إحاطة موجهة لرؤساء أركان القوات الأمريكية، وأفردت عنها وكالة الأمن القومي الأمريكية في 2011. وافترضت الورقة وقوع كارثة ألمانية جديدة، على غرار "كارثة برلين" في عام 1961، لكن كان الأمر سيتصاعد لحرب شاملة تجتاح دول غرب أوروبا بأكملها.

وعلى الرغم من أنَّ السيناريو الذي وضعته الورقة كان محض خيال، كانت حسابات ما بعد الهجوم صحيحة تماماً. فوفقاً للورقة، التوقعات حول وضع دول الكتلة الشيوعية بعد استهدافها بالكامل بأسلحة ذرية أمريكية قاتمة. إذ وضعت الورقة سيناريوهين محتملين لآثار الهجوم: الأول يشهد قصف قوات الإنذار النووية الأمريكية -وهي جزء من قوات نووية متكاملة في حالة تأهب دائمة- للاتحاد السوفيتي وحلفائه؛ أما السيناريو الثاني فيقوم على استخدام الولايات المتحدة لكامل قوتها النووية المعروفة باسم "The Full Force".          

ووفقاً للخطة التشغيلية الواحدة المتكاملة (SIOP)، ستتعرض "نحو 1000 منشأة" ذات صلة "بتوصيل القوة النووية" للقصف. ويتضمن السيناريو، الذي افترض تحذيراً مسبقاً من هجوم سوفييتي وضربة وقائية أمريكية، مهاجمة قوات الإنذار 75% من هذه الأهداف. وستكون طبيعة الهجوم في مجمله "مضادة"، وسيشهد استهداف القوات النووية الأمريكية للقوات السوفيتية وحلف وارسو والقوات النووية وقوات القيادة والسيطرة التابعة للصين. وتشير ورقة الإحاطة إلى تدمير 83 إلى 88% من جميع هذه الأهداف بنسبة تأكيد 70%.

وفي هجوم لقوة الإنذار الأمريكية، ستتعرض 199 مدينة سوفيتية للقصف، مما يعني أنَّ 56% من سكان الحضر و37% من مجموع السكان سيُصبحون ضحايا، مع مقتل معظمهم في نهاية المطاف، بسبب انهيار المجتمع بعد الهجوم. أما في الصين، فستُقصَف 49 مدينة، ما سيُحَول 41% من سكان المدن و10% من إجمالي السكان إلى ضحايا. وفي أوروبا الشرقية، لن تُقصَف إلا أهداف عسكرية بحتة؛ وهو ما سيُسفر عن مقتل 1.378 مليون شخص بسبب الهجمات النووية الأمريكية.

سيناريو الهجوم الشامل

ومع ذلك، فسيناريو شنّ هجوم كامل القوة ستكون نتائجه أسوأ بكثير. إذ سيؤدي هجوم "القوة الكاملة" إلى تدمير 295 مدينة، ولن ينجو منه سوى 5 مدن فقط، يبلغ عدد سكانها خمسين ألف نسمة أو أكثر؛ مما يعني أنَّ 72% من سكان الحضر و54% من إجمالي السكان سيُصبحون ضحايا، ومثلما يشير أرشيف الأمن القومي الأمريكي، تُقدَّر هذه النسبة بـ108 ملايين شخص من مجموع 217 مليون نسمة. وفي الصين، ستُضرَب 78 مدينة، وهو ما سيؤثر على 53% من سكان المدن، و16% من إجمالي السكان. في حين أنَّ الخسائر في شرق أوروبا ستتضاعف لتصل إلى 4 ملايين و4 آلاف شخص. 

وإجمالاً، كان سيُحصد هجوم نووي أمريكي شامل على الصين والاتحاد السوفيتي والدول التابعة في عام 1962، أرواح 335 مليون شخص خلال الساعات الـ72 التالية للهجوم.

ولا يحاول تقرير (SIOP-62) تقدير الخسائر الأمريكية في الحرب النووية. ومع ذلك، أُعِدّ تقرير في عام 1978 لصالح مكتب تقييم التكنولوجيا في وزارة الدفاع الأمريكية، بعنوان The Effects of Nuclear War -أو "آثار الحرب النووية"- الذي يسرد بتفصيل قاتم ما سيحدث إذا فتح الاتحاد السوفيتي نيرانه النووية على الولايات المتحدة.

سيناريوهات الهجوم السوفيتي

إذ يوضح تقرير مكتب تقييم التكنولوجيا أنه في حالة الهجوم السوفيتي على القوات النووية الأمريكية وأهداف عسكرية أخرى وأهداف اقتصادية وسكانية، قد يُسفر ذلك عن مقتل ما بين 60 و88 مليون أمريكي. وإذا تلقّت الولايات المتحدة تحذيراً من هذا الهجوم في الوقت المناسب يمكن إخلاء المدن الكبرى والمناطق الصناعية، لكن لن يؤدي ذلك إلا لانخفاض عدد القتلى إلى ما بين 51 إلى 47 مليون شخص. ولا شك أنَّ هجوم الاتحاد السوفيتي سيشمل أيضاً الحلفاء الأمريكيين، بما في ذلك دول الناتو واليابان وكوريا الجنوبية، لكن لم تشمله الدراسة.

وافترض تقرير آخر، بعنوان "الإصابات الناجمة عن الانفجار والحرارة والسقوط الإشعاعي الناجم عن هجمات نووية افتراضية مختلفة على الولايات المتحدة" شنَّ الاتحاد السوفيتي هجوماً ضد "1215 هدفاً أمريكياً استراتيجياً نووياً". ويشمل الهجوم ما يقرب من 3000 رأس حربي بإجمالي قوة تفجير نحو 1340 ميغا طن. 

ويتوقع التقرير أن يُستخدَم للهجوم صواريخ "الشيطان" الروسية من طراز SS-18، التي يحمل كل منها 10 رؤوس نووية زنة 550 إلى 750 كيلوطناً، وذلك لأنَّ الهجمات ستُشَن ضد منشآت صلبة، ولاسيما مخازن الصواريخ البالستية العابرة للقارات MX وMinuteman III. وسيستهدف الاتحاد السوفيتي قاذفات القنابل الأمريكية وقوات إعادة التزود بالطاقة باستخدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية المحمولة على الغواصات تُطلَق من الساحل.

وتوقع التقرير أن يُسفر هذا الهجوم المتواضع، الذي لن يمس المدن الأمريكية في وسط غرب الولايات المتحدة، عن مقتل ما بين 13 إلى 43 مليون قتيل، وإجمالي ضحايا 25 إلى 46 مليون شخص. ومع ذلك، فإنَّ استهداف 1215 سلاحاً نووياً أمريكياً، سيُكبِّد الولايات المتحدة خسائر أقل بكثير من تلك التي قدَّرت القيادة الجوية الاستراتيجية الأمريكية بأنَّ الاتحاد السوفيتي سيتكبّدها في عام 1962.

تكهّنات مدمرة

ربما يرجع هذا التفاوت إلى حصاد الولايات المتحدة الكبير من الأسلحة النووية في فترة الستينات مقابل ترسانة الأسلحة النووية السوفيتية في الثمانينات، لكن يُضاف إلى ذلك أيضاً أنه في وقت إعداد تقرير القيادة الجوية الاستراتيجية الأمريكية بشأن الهجوم السوفيتي، كانت القوات النووية السوفيتية تعتمد بالأساس على قاذفات القنابل. وبلغت الترسانة النووية للاتحاد السوفيتي في عام 962، ما بين 300 و320 سلاحاً نووياً، تعتمد جميعها على قاذفات القنابل، باستثناء 40 منها. 

وربما كانت قواعد قاذفات القنابل أقرب للمناطق السكانية الكبرى، لكن وجود مطارات محلية في المدن السوفيتية كان يمثل نقطة قوة لصالح الأسلحة النووية الأمريكية؛ إذ كانت هذه المطارات لتُستخدَم بمثابة مجال جوي لتشتيت قاذفات القنابل النووية. لكن على الجانب الآخر، كان الهجوم السوفيتي سيركز على استهداف قواعد قاذفات القنابل والصواريخ البالستية العابرة للقارات في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، في وسط غرب الولايات المتحدة، بالإضافة إلى حفنة من قواعد الغواصات على الساحلين.

تجنّب الحرب النووية

رغم أنَّ هذه التكهنات مدمرة فإن الجميع يُقرّون بسهولة أنهم لا يروون القصة بأكملها. وفي حين أنَّ هذه الدراسات الثلاث تصوغ الآثار المباشرة للهجوم النووي، قد تحصد العواقب طويلة المدى أرواح أعداد أكبر بكثير من ضحايا الهجوم نفسه. إذ سيحرم تدمير المدن ملايين المصابين، بمن فيهم أولئك الذين نجوا بإصابات طفيفة، حتى من أبسط أشكال الرعاية الصحية. وما تبقى من الحكومة -في أي بلد- ستواجه صعوبات للحفاظ على النظام في وجه تضاؤل ​​إمدادات الغذاء والطاقة، والطبيعة الملوثة، وانتشار الأمراض وحشود اللاجئين. وخلال فترة 12 شهراً، اعتماداً على شدة الهجوم، قد يتضاعف إجمالي الوفيات الناتجة عنه.

قد يكون تهديد اشتباك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في حرب نووية انتهى، إلا أنَّ الولايات المتحدة تواجه الآن احتمال اندلاع حرب مماثلة مع روسيا أو الصين. ولن تكون آثار مثل هذه الحرب في القرن الحادي والعشرين أقل جسامة. ومع ذلك، فإنَّ خطوات تجنب الحرب النووية هي نفسها التي كانت موجودة خلال الحرب الباردة: الحد من التسلح النووي، وتدابير بناء الثقة التي اتخذها الجانبان، وتهدئة التوترات.

تحميل المزيد