عندما شاهد صمويل فوكس، محامٍ من لوس أنجلوس، أزمة اللاجئين السوريين، شعر بأنَّه يتعيّن عليه فعل شيء لتخفيف معاناتهم. تحدَّث فوكس إلى صحيفة The Guardian البريطانية عن الصور المؤلمة للأطفال النازحين قائلاً: "كان الوضع مأساوياً، يجب فعل شيء ما، أي شيء، لمساعدتهم".
بالنسبة لفوكس، هذا الشيء كان كرة القدم. إذ بدأ ما سمّاه "حركة" لتوفير قمصان أندية كرة القدم –وإعطاء الأمل- لآلاف الشباب النازحين الفقراء الذين يعيشون في مخيمات دون أي شيء سوى قمصان بالية. ومن هنا، وُلدت فكرة حركة "JerseyEX".
إنَّها فكرة رائعة لمساعدة اللاجئين، شارك في دعمها أفراد من الأسرة الملكية، ومشاهير عالميون في مجال صناعة الترفيه، ونجوم رياضون، فضلاً عن مشاعر خير صادقة نابعة من داخل فوكس، الذي حاول جاهداً -وعلى نفقته الخاصة- مساعدة هؤلاء اللاجئين (بمعاونة صديقه وشريكه، إريك أنغيلسون، أحد المنتجين في نيويورك).
تبدأ القصة في عام 1990 مع علاقة عمل ربطت بين فوكس والفنان الكوميدي جيف فوكسورثي، أحد أشهر مقدمي عروض الكوميديا الارتجالية (ستاند أب كوميدي)، حيث كان الأول يُقدّم المساعدة القانونية للأخير طوال مسيرته الفنية. وقد تسبَّبت شهرة فوكسورثي في فتح أبواب غير متوقعة لفوكس.
الأسرة الملكية الأردنية
أحد تلك الأبواب كان مكالمة هاتفية مفاجئة من الأسرة الملكية الأردنية، عندما قال المتصل لفوكس: "أنا أتحدث إليك نيابةً عن ملك الأردن". أغلق فوكس الهاتف اعتقاداً منه أنَّها بالتأكيد معاكسة هاتفية. رنَّ الهاتف مرة أخرى، واتّضح أن المتّصل هو اللواء غاري إل هاريل، أحد قدامى المحاربين رفيعي المستوى في الجيش الأمريكي والمقيم في الأردن، حيث كان يساعد الملك الأردني، عبدالله الثاني، في إنشاء مركز للتدريب على مكافحة الإرهاب.
وتبيَّن أنَّ الملك الأردني معجب بعرض واقعي قدَّمه اثنان من موكّلي فوكس، كان قد تعرَّف عليهما من خلال فوكسورثي، وأراد الملك عبدالله مقابلتهما. وبمجرد أن تيقّن فوكس من صحة المكالمة، ذهب إلى الشرق الأوسط مع موكليه والتقى بأحد أصدقاء الملك في رحلة العودة إلى نيويورك، حيث أُتيحت أمامه فرصة تقديم خدمات استشارية بشأن وضع استراتيجية رقمية للأردن. وقال فوكس: "كان الهدف يتمثَّل في الربط بين المجتمعات الرقمية في عمان ولوس أنجلوس".
وعندما زار الملك عبدالله كاليفورنيا، حضر الصديقان معه حفل استقبال مع أندرو هاربر، ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن. قدَّم عبدالله وهاربر عروضاً تقديمية توضح محنة السوريين الذين يعبرون الصحراء إلى الأردن هرباً من العنف والاضطهاد في بلدهم.
يقول فوكس: "كانت الصور مؤلمة ومؤرّقة، لكن صورة واحدة على وجه الخصوص جذبت انتباهي. كانت لثلاثة أطفال يركضون حفاة القدمين على الصخور، ويبتسمون ويركلون كرة قدم. أثارت هذه الصورة رغبتي في الذهاب إلى مخيم لاجئين ونشر بعض السعادة، ومن هنا بدأت الخطة".
إلى مخيم الأزرق
عثر فوكس على متجر في لوس أنجلوس يبيع القمصان الرياضية القديمة، واستطاع شراء 180 قميصاً. توجَّه فوكس وأنغيلسون بعد ذلك إلى الأردن، وتحديداً إلى مخيم "الأزرق" الذي افتُتح مؤخراً. كانت الأوضاع هناك مزرية حقاً. لا توجد كهرباء، وثمّة مياه قليلة يعيش عليها حوالي 10 آلاف نسمة. ومع ذلك تحسَّنت الأجواء سريعاً عندما وصل فوكس إلى المخيم لتوزيع القمصان الرياضية. اصطفّ الأطفال من جميع الأعمار لتسلم القمصان، ووجّهوا التحية له ولصديقه أنغيلسون من خلال المصافحة بالأيدي والأحضان الدافئة. يقول فوكس: "لقد تأثرنا جداً بهذا الموقف".
كان هذا مجرَّد بداية. أُلغي عقد بناء جسر رقمي بين الولايات المتحدة والأردن مع تنامي قبضة تنظيم الدولة الإسلامية الوحشي (داعش) على المنطقة، لكن برز الارتباط بكرة القدم وأراد الصديقان بذل المزيد من الجهد لمساعدة اللاجئين في الأردن.
15 ألف قميص
سرعان ما تكرَّرت الفرصة بفضل جلسة في مؤتمر في لوس أنجلوس تديره منظمة "جسور"، التي تساعد الشباب السوري على مواصلة تعليمهم. يقول فوكس: "كانت استراتيجيتنا بسيطة، ألا وهي التحدث مع كل الناس. لقد أوضحنا لبعض الحاضرين أنَّنا ذهبنا إلى مخيم "الأزرق" لتوزيع قمصان رياضية، ونحاول حالياً إيجاد وسيلة لإرسال المزيد. وشعرت بذهول وسعادة غامرة عندما نظر إلينا رجل وقال: "سأشحنهم لك مجاناً".
هذا الرجل كان فادي غندور، مؤسس شركة "أرامكس"، إحدى أكبر شركات الشحن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أُرسل إلى المخيم حتى الآن 15 ألف قميص.
استمرت براعة فوكس وأنغيلسون في التواصل مع الأشخاص المناسبين. عندما كانا في الأردن، تعرّفا -من خلال الهيئة الملكية الأردنية للأفلام- على الأمير علي بن الحسين، شقيق الملك الأردني، الذي ترأس الاتحاد الأردني لكرة القدم وترشح أيضاً لرئاسة "الفيفا" في عام 2015. قرَّر الأمير علي بن الحسين إلغاء الرسوم الجمركية لأي شحنات قمصان. شعر فوكس حينها بفرحة لا توصف، فهو كان يموّل برنامج "JerseyEX" لمساعدة اللاجئين من جيبه الخاص. يقول فوكس: "لم أكن أستطيع فعل ذلك من دون مساعدة الأمير علي وفادي غندور".
التقى فوكس بعد ذلك بريتشارد والدن، مؤسس منظمة Operation USA الإنسانية غير الربحية، التي تجمع المساعدات المقرر أن تذهب إلى مناطق الكوارث والأزمات. كانت النجمة البريطانية الشهيرة، جولي أندروز، متحدثة رسمية باسم هذه المنظمة. استطاع فوكس الحصول على آلاف القمصان الرياضية الإضافية، التي كانت في مخزن المنظمة. وجاء التطور التالي من خلال مصدر آخر غير متوقع.
الاستعانة بالمشاهير
يقول فوكس: "تلقّيت مكالمةً هاتفية من منظمة إنسانية تُدعى World Vision، تريد التبرع بـ400 قميص لمكافأة الأطفال على برنامج التثقيف الصحي بالشراكة مع برنامج الأطفال التلفزيوني الشهير "Sesame Street"، الذي يهدف إلى تعليم الأطفال أشياء مفيدة بطريقة ممتعة. وأضاف: "وافقت بالتأكيد، لكنهم لم يتواصلوا معي مُجدَّداً، لذا قرّرت فعل ذلك بنفسي".
وتابع: "فجأة أدركت شيئاً ما. إذا استطاعت قمصان النوادي الرياضية إدخال الفرحة على قلوب هؤلاء الأطفال فمن الممكن الاستفادة من كرة القدم لتحفيزهم على تغيير حياتهم، والتحكم في مسار مستقبلهم".
كان فوكس ملهماً، لكنَّه في حاجة ماسة لمباركة شخصيات مشهورة لتسريع جهوده من خلال حملة دعاية باستخدام مقاطع الفيديو. لحسن الحظ، وصل فريق نادي بوروسيا دورتموند ومانشستر يونايتد إلى لوس أنجلوس خلال صيف عام 2018.
يتذكر فوكس: "كان نادي بوروسيا دورتموند يتدرب في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، وكان التدريب مغلقاً على الجماهير ووسائل الإعلام. لكنني رأيت النجم السابق للرابطة الوطنية لكرة السلة (الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين NBA)، ستيف ناش، الذي كنت الممثل القانوني عنه في أول عقد له مع شركة "Nike" الأمريكية قبل حوالي 20 عاماً. كان ناش يجلس مع لاعب نادي بوروسيا دورتموند، كريستيان بوليسيتش، وعندما صحت باسمي، لم يصدق ناش أنَّني موجود واصطحبني عبر الحاجز، وتمكًنت من تصوير مقطع فيديو لكريستيان بوليسيتش.
تناول مقطع الفيديو، الذي مدته سبع ثوان فقط، وكذلك المقاطع اللاحقة التي صُوّرت مع نجمي فريق مانشستر يونايتد، سكوت ماكتوميني وأكسيل توانزيبي، موضوعاً بسيطاً: "أشار اللاعبون إلى أهمية غسل الأيدي قبل تناول الطعام".
وصوَّرت المخرجة الرائعة، وداد شفاقوج، المزيد من مقاطع الفيديو التي تتناول نفس الموضوع. كانت وداد موجودة في عمان تصوّر فيلماً وثائقياً يتابع رحلة منتخب كرة القدم الأردني للناشئات أثناء استعدادهن لبطولة كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة. وأشار فوكس أنَّ تلك المقاطع أدَّت إلى عقد شراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويقول: "هذا أعطاني بعض المصداقية الجدّية".
كانت الخطوة المنطقية التالية هي توفير قطع الصابون للاجئين. لذا، أُبرم اتفاق لشراء قطع صابون من مركز الحياة بمدينة الزرقاء (the Zarqa Life Center)، وهو ملاذ مجتمعي آمن للنساء والأطفال المتضررين من الحرب السورية، ويقومون بتصنيع منتجات وبيعها لدعم أنفسهم مالياً. اتفق فوكس على إبرام عقد ثانٍ مع مصنّعي الصابون في مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين في الأردن. وجاء تبرع آخر من شركة الصابون الأردنية الكبيرة "Trinitae". وزَّع فوكس وأنغيلسون أكثر من 2000 قطعة صابون على سكان مخيمي الزعتري والأزرق، خلال زيارتهما الأخيرة في أغسطس/آب.
ماذا يحمل المستقبل؟
يحلم فوكس بالعمل مع المزيد من أندية كرة القدم واللاعبين، لإنشاء حملة إعلامية تتركَّز على رياضة كرة القدم، وتبعث رسائل تؤكد على أهمية الحياة. يريد فوكس أيضاً عقد شراكة مع شركة صابون لتوليد إيرادات مالية لمواصلة دعم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، ومساعدة برنامجه من خلال التبرّع بقطعة صابون لعائلة لاجئة مقابل كل قطعة صابون تباع.
ويختتم فوكس قائلاً إنَّ "الإمكانات الحقيقية لهذه الرياضة لا توجد على أرض الملعب فحسب، بل في حياة ملايين الأطفال الذين يشاهدونها ويلعبونها يومياً. يمكن توجيه بعض الرسائل المهمة من خلال هذه اللعبة الجميلة، حتى لو لم تتجاوز مدة تلك الرسائل سبع ثوانٍ فقط".