"العسكري المُحنّك والصارم، والرجل الذي لا يبتسم"، هكذا يصف مواطنون جزائريون الجنرال سعيد شنقريحة الذي عيَّنه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، رئيساً لأركان الجيش بالنيابة خلفاً لقايد صالح، الذي وافته المنية إثر سكتة قلبية.
أما المغاربة، فيعتبرونه صديق جبهة "البوليساريو" المطالِبة باستقلال الصحراء، والداعم الدائم لها.
منذ الإعلان عن اسم سعيد شنقريحة قبل أيام قليلة، اختلفت التوقعات بين المغرب والجزائر حول السياسة التي سيتبعها خليفة الراحل قايد صالح، بالنظر إلى مساره العسكري الطويل والحافل وإلى تصريحاته الداعمة لـ "البوليساريو" والمعادية لوحدة المغرب الترابية.
من هو الجنرال شنقريحة؟
يعد اللواء سعيد شنقريحة من أبرز قادة الجيش الجزائري، وتولى قيادة القوات البرية في سبتمبر/أيلول 2018، وهو من العسكريين الجزائريين الذين شاركوا في الحرب العربية-الإسرائيلية.
وُلد القائد الجديد للجيش الجزائري بالنيابة عام 1945 بمنطقة "القنطرة" التابعة لمحافظة بسكرة (الجنوب الشرقي)، والتحق بصفوف الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في سن مبكرة.
وشارك شنقريحة في حرب المغرب سنة 1963 والمعروفة بـ "حرب الرمال"، والحرب ضد إسرائيل سنتَي 1967 و1973، وكان عضواً في سلاح المشاة خلالهما، قبل أن يتدرج في مختلف الرتب العسكرية، بداية بـ "عميد" سنة 1998، و "لواء" سنة 2003، كما نال وسام الشرف.
صديق "البوليساريو" الدائم
الجنرال القوي، البالغ من العمر 75 سنة، لطالما خرج بتصريحات اعتبرها المغرب "مستفزة"، لعل آخرها يعود إلى منتصف شهر مارس/آذار 2016، خلال مناورات عسكرية كان مشرفاً عليها، حيث أكد "دعم الشعب الصحراوي في كفاحه واسترجاع أراضيه"، وفق تعبيره.
شنقريحة، الذي كان يشغل آنذاك قائد القوات البرية بالجيش الجزائري، أكد علانيةً أن أراضي الصحراء "مغتصبةٌ من دون وجه حق من قِبل المغرب المحتل"، على حد قوله.
وأوضح البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة "البوليساريو" والمنشق عنها، لـ "عربي بوست"، أن جنرالات الجيش الجزائري داعمون أساسيون لـ "البوليساريو" منذ نشأتها، حسب وصفه.
وأبرز المتحدث أن قوات "البوليساريو" خضعت لتدريبات عسكرية تحت إشراف اللواء شنقريحة إلى جانب عدد من جنرالات الجزائر ممن تبنَّوا ملف الصحراء.
واعتبر الدخيل أن جبهة "البوليساريو"، المطالِبة باستقلال منطقة الصحراء، تنفست الصعداء بعد انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للجزائر، فضلاً عن تعيين شنقريحة على رأس الجيش.
وعزا الدخيل الأمر إلى عقد "البوليساريو" مؤتمرها الـ15 وإعادة انتخاب إبراهيم غالي، مباشرة عقب الانتخابات الجزائرية، التي كانت نتائجها إيجابية جداً وتصبُّ في مصلحة الجبهة.
شنقريحة والمغرب.. قصة عداء قديم
لطالما قُدِّم الجنرال سعيد شنقريحة على أنه من "العسكريين الأكثر عدوانية تجاه المغرب"، لاعتبارات عديدة، عدَّدها المحلل السياسي المغربي عبدالرحيم منار السليمي، في "انتمائه إلى جيل الحرس القديم بالجزائر الذي أسهم في بناء عقيدة العداء للمغرب".
بالإضافة إلى علاقته بـ "البوليساريو"، إذ كان المشرف على "تدريب وتحريض ميليشيات البوليساريو على الحرب ضد المغرب"، على حد تعبيره.
ويرى رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، أن الجنرال شنقريحة يوجد اليوم في مرحلة ضعف، بسبب فقدانه أحد داعميه الرئيسيين بوفاة قايد صالح.
وأبرز المتحدث لـ "عربي بوست"، أن الجنرال يوجد في وضعية شرعية عسكرية ضعيفة؛ لكون المؤسسة العسكرية لم تكن مُجمِعة على تعيينه قائداً للأركان بالنيابة، حتى إن عبدالمجيد تبون، الداعم الوحيد له اليوم، ضعيف بدوره، من حيث شرعيته في مواجهة الجيش أو الحراك.
ضعف شنقريحة هذا، وفق الأستاذ الجامعي، يجعله مُقبلاً على كل الاحتمالات الممكنة، إذ لن يكون بمقدوره استخدام ورقة الشرعية التاريخية للجيش. كما أنه يشعر بالتهديد من طرف جنرالات آخرين؛ وهو ما قد يدفعه إلى تغيير التحالفات في أي لحظة.
الحرب.. خيار صعب
أمام نقاط الضعف التي عددها المحلل السياسي المغربي عبدالرحيم منار السليمي، قد يعمد شنقريحة إلى "مغامرة انتحارية خطيرة، بدفع البوليساريو إلى شن حرب على المغرب"، وفق تعبيره، حتى يتمكن شنقريحة وتبون من صرف أنظار الجزائريين نحو الخارج ما دامت مشروعية الحراك صارت أقوى من الجميع.
إلا أن البشير الدخيل، أحد مؤسسي البوليساريو السابقين والقاطن حالياً بالمغرب، يرى أنه على الرغم من كل ما يقال عن شنقريحة، فإنه لا يحمل عداء شخصياً للمغرب حتى يقرر شن حرب عليه.
الدخيل، وهو رئيس منتدى "بدائل" لحقوق الإنسان، يرى أن الأمر يتعلق بخطة محبوكة من طرف الجيش دفاعاً عن المصالح الاستراتيجية للجزائر، المبنيَّة على ملف الصحراء وإيجاد منفذ نحو المحيط الأطلسي.
يختم القائد السابق بجبهة "البوليساريو" كلامه بتأكيد أن الجزائر لن تتنازل عن موقفها؛ بل ستنتصر لمصالحها، إذ لا يُعقل أن تستثمر في "البوليساريو" 45 عاماً وتنسحب بخفي حنين.
لا حل يلوح في الأفق
التوجس الذي أبداه محللون مغاربة من تعيين شنقريحة وقراراته المستقبلية، قوبل باستغراب من طرف المحلل السياسي الجزائري عادل أورابح، الذي تساءل في حديثه مع "عربي بوست"، عن الأساس الذي بُنيت عليه هذه التخوفات، "حتى نحن في الجزائر لا نعرف الشيء الكثير عن شخصية الرجل وطريقة تفكيره"، على حد تعبيره.
الشيء المؤكد، وفق أورابح، هو أن بنية النظام الجزائري ككل لم تتغير، وأن النخبة الحاكمة -سواء المدنية أو العسكرية منها- محسوبة على الحرس القديم للنظام؛ ومن ثم فمن المرجح أن تستمر في تبنِّي المواقف نفسها فيما يخص قضية الصحراء الغربية باعتبارها قضية "تصفية استعمار تُحلّ ضمن مسار أممي".
ويرجح المحلل السياسي الجزائري، أن العلاقات مع المغرب ستبقى في مستواها الحالي ما دامت الخلافات نفسها قائمة.
وأعرب أورابح عن أسفه لغياب أي تصورات جدية من كلا البلدين الجارين لتذليل عقبة القضية الصحراوية من خلال تحقيق اختراق من نوع آخر بالعلاقات، متمثلاً في الاختراق الاقتصادي، الذي كان عاملاً حاسماً في تجاوز الخلافات السياسية في تجمعات جهوية أخرى، أبرزها الاتحاد الأوروبي.