يبدو أن العام الجديد قد يشهد إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اتخاذ قرار توجيه ضربة عسكرية "استباقية" -كما يسميها الإعلام الإسرائيلي- على البنية التحتية لحزب الله في لبنان، فلماذا يتحدثون في تل أبيب عن هذا السيناريو، وما هي احتمالاته فعلياً، وماذا قد تكون تبعاته؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً حول هذا السيناريو بعنوان: "هل يخطط نتنياهو لهجوم استباقي على حزب الله؟"، تطرق فيه للأبعاد المختلفة لهكذا انفجار.
تقرير خبراء أم معلومات استخباراتية؟
يبدو أن لدى نتنياهو فرصاً أمنية ذهبية في الوقت الحالي، أتاحها التوقيت والظروف، خاصة بالنسبة لمن في مثل موقفه المعقد. وهو ليس لديه ما يخسره وإنما الكثير ليفوز به، لكن هل سيستغل هذه الفرصة لشن ضربة استباقية على البنية التحتية التي طوّرها حزب الله لإنتاج الصواريخ والقذائف الصاروخية دقيقة التوجيه والتي يزداد رسوخها في لبنان؟
تتضمن التوقعات السنوية للعام المقبل التي أصدرها معهد القدس للاستراتيجية والأمن في 15 ديسمبر/كانون الثاني التصريح الخطير التالي: "الاستعدادات ضرورية للسيناريوهات الخطيرة، مثل قرار إسرائيلي محتمل بشن ضربة استباقية على حزب الله". وألهبت هذه الجملة حماس المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية وأطلقت أيضاً سيلاً من التكهنات حول احتمال اندلاع مواجهة على الجبهة الشمالية لإسرائيل.
يضم معهد القدس خبراء على أعلى المستويات، وما يزال العديد منهم على صلة بمؤسستي الدفاع والاستخبارات الإسرائيليتين. وأبرز هؤلاء هو اللواء (احتياط) يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو. ويُعرف يعقوب بانتمائه للتيار اليميني، إلا أنه لم يكن مطلقاً من النوع المغامر الذي يريد تنفيذ الحلول بالقوة. بل على العكس من ذلك، خلال سنوات عمله مع نتنياهو، كان يُعرف بأنه الشخص الناضج المسؤول في مكتب رئيس الوزراء وكان يُنظر إليه على أنه على علاقة استراتيجية وثيقة مع نظيره الأمريكي توم دونيلون. باختصار، كان ينظر إليه باعتباره أحد الأشخاص المقربين لرئيس الوزراء من القادرين على إقناع الحكومة بإظهار القليل من ضبط النفس.
يقول عميدرور لموقع المونيتور: "أعتقد أننا بحاجة إلى التفكير بجدية في توجيه ضربة استباقية إلى لبنان. لقد ارتكبنا خطأين استراتيجيين فادحين في الماضي في تعاملنا مع حزب الله. وأي خطأ آخر سنندم عليه لأجيال قادمة. يجب ألا ندع حزب الله يتعدى هذا الخط الأحمر".
أي خطأين ارتكبت إسرائيل؟
عند سؤاله عن الخطأين اللذين يتحدث عنهما، أجاب عميدرور: "الخطأ الأول هو أننا تركنا الحزب يزداد قوة بشكل خطير حين انسحبنا من لبنان بعد حرب لبنان الأولى. والخطأ الثاني هو أننا لم نصر على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 بعد حرب لبنان الثانية. والآن نمت قوة حزب الله بدرجة غاية في الخطورة. سندفع ثمناً باهظاً للغاية إذا سمحنا له بامتلاك هذا العدد الكبير من الصواريخ والقذائف دقيقة التوجيه. فإسرائيل بلد صغير. ولدينا مزايا قليلة للغاية، لذلك لا يمكننا ارتكاب هذا الخطأ. نحن الآن في لحظة فاصلة. ويجب أن نكون مستعدين لتحمل تكلفة الهجوم الاستباقي إذا اتضح أن حزب الله لديه، في الواقع، قدرات جديدة لم تكن لديه في الماضي من شأنها أن تحدث تحولاً جذرياً في ميزان القوى. وحالما يمتلك وحش حزب الله قدرات استثنائية، فسنصبح في مواجهة حاسمة. ولا ينبغي أن نسمح بحدوث ذلك تحت أي ظرف".
هل هناك معلومات مؤكدة؟
هل تضم توقعات معهد القدس أفكار وآراء عميدرور وزملائه في المعهد فقط أم أنها تعكس أيضاً احتمال أن ضربة إسرائيلية استباقية بدأت بالفعل في التشكل؟ ينفي عميدرور أن هذا التقييم يستند إلى تقارير استخبارية.
وقال: "لم أعد جزءاً من النظام، ولا أعرف ما إذا كان هذا الهجوم ممكناً خلال فترة الحملة الانتخابية. ما أعرفه هو أن نتنياهو قادر على تنفيذ هذه الخطوة من حيث المبدأ، لكنني لا أعرف ما إذا كان قادراً عليها من الناحية العملية. إذا كان كذلك، فسيتعين عليه أولاً تنسيق التحرك مع زعيم حزب أزرق أبيض، بيني غانتس، وهذا يجب أن يحدث أثناء ترشحهما ضد بعضهما في الانتخابات. فإذا دعا غانتس لاجتماع، وأطلعه على الأمر ونال موافقته على مثل هذه الخطوة، فسيجرّد أي هجوم من أي معارضة سياسية. هل سيحدث ذلك؟ لا أعرف. ما يمكنني قوله هو أنه ما يجب أن يحدث".
ورغم كل هذا، تتفق الغالبية العظمى من المصادر الأمنية في إسرائيل، الذين من بينهم كبار المعلقين في مجال الدفاع، على أن احتمالات شن إسرائيل ضربة استباقية شاملة على البنية التحتية لصواريخ وقذائف حزب الله ليست مرتفعة.
إذ قال مسؤول بارز في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لموقع Al Monitor: "لم تشن إسرائيل ضربة استباقية منذ تأسيسها. ولم تخالف هذه القاعدة إلا في حالة حدوث تطورات نووية، ولهذا السبب دمرت مفاعلات نووية في مناسبتين منفصلتين: الأولى في العراق والثانية في سوريا. ولم تهاجم إسرائيل بطاريات صواريخ أرض-أرض في مصر قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، ولم تشن هجمات كهذه في ظروف مماثلة. وهذه معضلة دائمة تواجه مؤسسة الدفاع". ثم أضاف المصدر: "ومع ذلك لم يحدث أي تقدم في هذا الأمر حتى الآن، رغم التهديد المتزايد الذي يشكله أعداؤنا".
موقف نتنياهو الانتخابي
من المهم أن نأخذ في الاعتبار اثنين من المتغيرات عند تحليل الوضع الحالي. الأول هو وضع نتنياهو. فالانتخابات المزمع إجراؤها في الثاني من مارس/آذار قد تكون آخر انتخابات له. ووقته في السياسة ينفد. وإذا لم تحدث معجزة، فسيترك الساحة السياسية العام المقبل. وفرصته الأخيرة لترك إرث من الأعمال وليس فقط من الخطابات والكلمات، ستكون قبل التصويت المقبل.
وحتى الاضطرار إلى دفع ثمن سياسي، وهو أمر لطالما كان يخشاه نتنياهو طوال حياته المهنية، لم يعد مهماً. إذ إن شن إسرائيل ضربة استباقية على حزب الله سيعني اندلاع حرب شاملة في الشمال ستعاني فيها إسرائيل أضراراً جسيمة غير مسبوقة. ولكن حتى هذا لن يقلق نتنياهو كثيراً. فهو في طريقه بالفعل للخروج بسبب اتهامات الفساد الموجهة له، ولذا لا يمكنه الاستفادة إلا من خلال إجراء عسكري بدلاً من تضرره سياسياً.
وزير الدفاع الجديد
المتغير الثاني هو وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، نفتالي بنت. إذ إنه شاب يمتلئ حيوية ونشاطاً ويتلهف للاشتباك مع العدو بأي ثمن تقريباً. وقد بدأ شعوره بالإحباط إزاء كل القيود المفروضة عليه في التعامل مع الوضع في غزة في التنامي بالفعل. فبرغم تصريحاته العدائية خلال السنوات القليلة الماضية، لم يسفر تعيينه عن تحول في الاستراتيجية التي تحتوي بها إسرائيل نزوات حماس وحلفائها في غزة. ومع ذلك، يبدو أن التعامل مع الجبهة الشمالية يحمل توقيع بنت. إذ أدلى بتصريحات عدوانية حول هذا الأمر على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وفي 18 ديسمبر/كانون الأول أعلن أن "سوريا أصبحت فيتنام إيران". إلا أنه قد يجد نفسه في لبنان، الذي سيصبح فيتنام إسرائيل مرة أخرى.
على أن ثمة نظاماً من الضوابط والتوازنات داخل مؤسسة الدفاع الإسرائيلية يُفترض به أن يضبط ويخفف الضغط السياسي لتنفيذ عمل عسكري. إذ قال أحد كبار مسؤولي الدفاع لموقع Al-Monitor شريطة عدم الكشف عن هويته: "من الصعب تصديق أن رئيس الأركان أفيف كوتشافي سيقدم دعمه لضربة استباقية شاملة يريدها نتنياهو وبنت".
ويشعر جابي أشكنازي (من حزب أزرق أبيض)، الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست ورئيس الأركان العسكري السابق، بقلق عميق إزاء هذا التقييم. إذ أفاد أشخاص مقربون من أشكنازي بأنه منذ تعيينه رئيساً للجنة ومنحه حق الاطلاع على أحدث التقارير الاستخباراتية، أصبح أكثر قلقاً مما كان عليه في الماضي. هل يمكن أن يكون هذا هو السبب في أنه كان الشخص الوحيد في قيادة حزب أبيض أزرق الذي أيد الدخول في اتفاق تناوب على منصب رئيس الوزراء يتولى فيه نتنياهو المنصب أولاً؟
التقييم الأحدث لمعظم المصادر الأمنية الإسرائيلية هو أن احتمالات شن إسرائيل ضربة استباقية شاملة على منشآت الصواريخ والقذائف التابعة لحزب الله ضعيفة. فلاتخاذ مثل هذا القرار سيحتاج نتنياهو إلى نفوذ سياسي لا يملكه، فيما ستحتاج مؤسسة الدفاع إلى كميات هائلة من المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي قد لا تكون متوافرة لديها. ومن ناحية أخرى، فرص الصدام الشامل أو حتى الحرب الشاملة على طول الحدود الشمالية قائمة وتتنامى مع الوقت. وقد تحدث هذه المواجهة نتيجة لما يسمى عادة "سوء التقدير"، ربما عملية إسرائيلية يتبعها رد انتقامي من حزب الله ثم تصعيد متبادل. هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً لحرب شاملة على طول الجبهة الشمالية، حرب لا يريدها أيٌّ من الطرفين الآن، لكنها يمكن أن تندلع على أي حال من تلقاء نفسها.