بعد مرور نحو شهرين منذ إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، لا يزال موعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب في علم الغيب، كل هذا ولبنان يشهد ثورة شعبية دخلت شهرها الثالث، فكم من الوقت يستغرق تشكيل الحكومة في لبنان في الظروف الطبيعية، وكيف يؤثر الحراك الشعبي في تشكيل الحكومة الحالية؟
أين وصل تشكيل الحكومة؟
بعد أن انتهى الرئيس اللبناني من المشاورات النيابية الملزمة، أعلن يوم الخميس الماضي 19 ديسمبر/كانون الأول تكليف الوزير السابق والأكاديمي حسان دياب، نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت، بتشكيل الحكومة. بعدها أعلن دياب أنه بحاجة لأربعة أو ستة أسابيع كي يشكل الوزارة والتي ستكون "انتقالية ومصغرة" وتتكون من اختصاصيين، وهذا التصريح موجه للداخل والخارج في وقت واحد.
دياب وجه تصريحاته للداخل وتحديداً الحراك في الشارع، حيث إن أحد أبرز مطالب ذلك الحراك هو تشكيل حكومة من المختصين بعيداً عن الطبقة السياسية انعكاساً لشعار الثورة "كلن يعني كلن"، لكن الحراك أعلن على الفور رفض دياب نفسه لسببين: الأول أنه ينتمي للطبقة السياسية، والثاني أنه لا يحظى بدعم الكتلة النيابية السنية في البرلمان، بعد أن دعمه 6 نواب فقط من الـ27 نائباً سنياً.
أما خارجياً فتصريحات دياب أنه "مستقل" المقصود به أن يبتعد عن كونه "مرشح حزب الله" كما يتردد، حتى تحظى حكومته بالدعم الدولي الحتمي لإنقاذ لبنان من الانهيار المالي ومواجهة شبح الإفلاس.
ما آلية تشكيل الحكومة في لبنان؟
حتى يمكننا قراءة ما يجري على الأرض، من المهم النظر في كيفية عمل النظام السياسي اللبناني وآلية تشكيل الحكومة، حيث يقوم نظام الحكم في لبنان على المحاصصة الطائفية، فنسيج الشعب اللبناني يتكون من 18 طائفة، ويقوم نظام الحكم على أساس توزيع السلطات بناء على الطوائف، فرئاسة الجمهورية للمسيحيين الموارنة، ورئاسة الحكومة للمسلمين السنة، ورئاسة البرلمان للشيعة.
ومجلس النواب يتألف من 128 نائباً مقسمين بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، لكن في نفس الوقت موزعين بحسب نسبة المذاهب في كل طائفة وبحسب المناطق الجغرافية، وكان عدد النواب المسيحيين قبل الحرب الأهلية ما بين عامي 1975 و1990 أكثر من عدد النواب المسلمين، لكن اتفاق الطائف الذي وضع حداً للحرب الأهلية أقر النظام الحالي.
في ضوء نظام المحاصصة، ينتخب مجلس النواب رئيساً للجمهورية لفترة واحدة مدتها ست سنوات ولابد بالطبع أن يكون مارونياً، ورئيس الجمهورية بدوره يعين رئيساً لمجلس الوزراء بناء على الاستشارات النيابية الملزمة على أن يكون سنياً، وهو يقوم بدوره باختيار الوزراء على أساس التوزيع الطائفي.
لكن الثورة قامت ضد الطائفية التي تمثلها الطبقة السياسية
شعار "كلن يعني كلن" والشعب يريد إسقاط النظام الذي برز منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يبدو أنه لا يزال بعيداً عن تفكير الطبقة السياسية في لبنان، فالشارع الثائر تخطى الطائفية ورفع علم لبنان فقط، لكن طريقة عمل القائمين على الأمور لا تزال تعمل بنفس الآلية القائمة على المحاصصة الطائفية والمصالح الحزبية، فحسان دياب ينتمي للطائفة السنية وإن كانت تربطه علاقات قوية مع حزب الله، والأمر نفسه ينطبق على النواب الستة الذين أعطوه ثقتهم.
ما تاريخ تشكيل الحكومة في لبنان؟
إذا نظرنا لتاريخ الحكومات اللبنانية منذ إنشاء منصب رئيس الوزراء عام 1926 ووقتها كانت البلاد تحت الانتداب الفرنسي، نجد أن لبنان شهد تشكيل 87 وزارة، ووزارة دياب -حال تم تشكيلها فعلياً- هي الحكومة رقم 88، وتراوحت المدة الزمنية لتشكيل الحكومة بين نحو أسبوع واحد وأكثر من 10 أشهر.
ولأن تشكيل الحكومة في لبنان يخضع لاعتبارات طائفية وحزبية تنعكس على مفاوضات توزيع الحقائب الوزارية، فإن مسألة التشكيل تستغرق وقتاً طويلاً، لذلك فإن إعلان حسان دياب أنه يحتاج من أربعة لستة أسابيع كي يشكل حكومته المصغرة "قال إنها ستضم 20 وزيراً" -علماً بأن الحكومة المستقيلة برئاسة الحريري كانت تضم 30 وزيراً- سيكون أمراً جيداً إن حدث بالفعل في هذا الإطار الزمني.
حكومة سلام تمام التي سبقت حكومة المستقيل سعد الحريري، على سبيل المثال، استغرق تشكيلها نحو 11 شهراً والرئيس وقتها ميشال سليمان ورئيس البرلمان نبيه بري وتولى رئيس التيار الوطني الحر الحالي وصهر الرئيس عون منصب وزارة الخارجية والمغتربين.
وبعد أن استغرق سلام نحو 11 شهراً منذ تكليفه وحتى إعلان تشكيل الوزارة، انتهت مهمة الحكومة بعد أقل من 3 سنوات بسبب انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو ميشال عون، وبعدها تم تكليف الحريري بتشكيل الحكومة.
حكومة الحريري المستقيلة نفسها ظلت في السلطة تقريباً أقل من 10 أشهر وهي نفس الفترة التي استغرقتها مشاورات التشكيل، فقد كلف عون الحريري تشكيل الوزارة (الثالثة التي رأسها الحريري) في 24 مايو/أيار 2018، وانتهى الحريري من المشاورات وأعلن تشكيل الحكومة في 31 يناير/كانون الثاني الماضي (252 يوماً استغرقتها مشاورات التشكيل)، وأعلن الحريري استقالة الوزارة في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحت ضغط الاحتجاجات (أي أنه عمر الوزارة بلغ 271 يوماً).
هل هناك مؤشرات على تغيير ما؟
قد نتصور أنه وفي ظل الأوضاع المضطربة في البلاد من احتجاجات شعبية لا تتوقف ولا يبدو أنها ستتراجع وظروف اقتصادية تنذر بالخطر، كل هذا قد يؤدي إلى تغيير الطبقة السياسية في لبنان لاستراتيجية التعامل مع مسألة تشكيل الحكومة على سبيل المثال قبل أن تنفجر الأوضاع، لكن المؤشرات لا تدل على ذلك.
إذ استغرق الأمر نحو شهرين لتسمية حسان دياب -الذي لا يحظى أصلاً بموافقة المحتجين- وأعلن دياب أنه بحاجة لشهر أو شهر ونصف حتى يعلن تشكيل الوزارة، وهو ما يعني انقضاء نحو 100 يوم تقريباً للتوصل لتشكيل وزارة، فهل تتحمل الأوضاع في لبنان المزيد من إضاعة الوقت في مناورات حزبية وتجاذبات طائفية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.