رغم دعم قوى عظمى له.. سر فشل حفتر المتكرر في اقتحام طرابلس، وهل تستطيع قوات الوفاق هزيمته نهائياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/22 الساعة 16:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/22 الساعة 20:11 بتوقيت غرينتش
Undated file photo of Libyan Army Chief General Khalifa Haftar in Tripoli, Libya. Photo by Balkis Press/Sipa USA(Sipa via AP Images)

بعد ساعات الصفر التي لا تنتهي أرجع أحمد المسماري المتحدث باسم قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر هذه المرة سبب فشل قوات حفتر في اقتحام طرابلس إلى وجود مدفع تركي واحد يستهدف مسلحي قواتهم بشكل متواصل.

 المسماري قال في تصريح لقناة العربية السعودية: إن "جنوداً أتراكاً يستهدفون الجيش من داخل قاعدة معيتيقة الجوية عبر تشغيلهم مدفعاً ميدانياً" الأمر الذي آثار سخرية الكثيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

دعم من أربعة بلدان من بينها قوتان عظميان

اللافت أن حفتر الذي أعلن قبل تسعة أشهر عملية عسكرية للسيطرة على طرابلس قال إنها لن تستغرق أكثر من 48 ساعة تلقى خلالها دعماً غير محدود من دول إقليمية على رأسها مصر والإمارات والسعودية بحسب تقارير دولية.

 ويشمل الدعم الخارجي لقوات حفتر تمثل بتزويده بالأموال والأسلحة المتطورة والعتاد العسكري إضافة إلى عدد من الخبراء من دول فرنسا وروسيا والإمارات مع الاستعانة بمرتزقة روس وأفارقة، بحسب مصادر أمنية.

الملك سلمان خلال استقباله للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر/رويترز

كما أنه نظراً للنقص العددي الذي تعاني منه قوات حفتر، لجأ الجنرال الليبي المتقاعد إلى الاستعانة بآلاف المرتزقة من المعارضة السودانية والتشادية، بالإضافة إلى مرتزقة شركة فاغنر الروسية، والجنجويد (قوات الدعم السريع السودانية)، ناهيك عن مشاركة الطيران الإماراتي المسير، والدعم العسكري واللوجيستي المصري والفرنسي.

ورغم الدعم المالي والعسكري الكبير المقدم له من السعودية والإمارات وآلاف المرتزقة، وغيرها من الدول، لم يحقق حفتر ما أعلن عنه في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، "تحرير طرابلس خلال ساعات" الأمر الذي عجز عنه خلال كل هذه الأشهر.

سبب فشل قوات حفتر في اقتحام طرابلس رغم كل الإمكانيات التي توفرت لها، وتفرق خصومها

سبب فشل قوات حفتر في اقتحام طرابلس عدة مرات يرجع لعوامل عديدة.

أحد الأسباب هو المعلومات غير الدقيقة التي كانت لدى حفتر، بشأن حجم القوات الموجودة في طرابلس، حسبما قال مراقبون لـ"عربي بوست".

في المقابل فإن التقديرات تفيد بأن عدد قوات حفتر بجميع أشكالها ليس كبيراً، إذ يتراوح ما بين 25 و30 ألفاً، منهم فقط 7 آلاف عسكريين مدربين يمثلون نواة قوات حفتر، وهؤلاء موزعون على مناطق شاسعة في شرق وجنوب وغرب البلاد.

ومؤخراً اعترف المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، بأن عدد خسائرهم البشرية في معركة طرابلس بلغ 7 آلاف، أو ما يمثل ربع قواتهم، ناهيك عن الجرحى والأسرى الذين تم تحييدهم من أرض المعركة.

فضلاً عن تبدل بعض التحالفات المهمة مع عدد من الكتائب التي بدلت ولاءها إلى حكومة الوفاق في اللحظات الأخيرة لأسباب قبلية ومناطقية. 

مهمة استعراضية، والخلايا النائمة ستفتح أبواب العاصمة

خبراء عسكريون فسروا في وقت سابق لـ"عربي بوست" أسباب وقوع أعداد كبيرة من جنود حفتر، في الأسر ظناً منهم أن مهمتهم استعراضية في طرابلس، وأن الخلايا النائمة التابعة لحفتر هناك، ستفتح لهم الأبواب للدخول سلماً كما حدث في مدينة غريان جنوب العاصمة.

واللافت أن هذا الفشل في اقتحام طرابلس لا ينسب لحفتر فقط بل أحد أبرز حلفائه.

إذ إن الإمارات أحد أكبر داعمي حفتر رغم امتلاكها قاعدة جوية في منطقة الخروبة شرق بنغازي، بها عدد من الطائرات المسيرة ومعدات متطورة بحسب أمنيين لم تستطع على مدى تسعة أشهر من تغيير واقع المعارك على الأرض.

هل تقلب قوات الوفاق المعادلة؟

هذا الدعم الخارجي المتنوع لم يمكّن حفتر سوى من الدفاع على المناطق التي سيطر عليها دون قتال في محيط طرابلس مطلع أبريل/نيسان 2019.

وهو وضع ربما يتغير كلياً خلال أيام حين ستتحول قوات الوفاق من الدفاع إلى الهجوم بعد دخول تركيا رسمياً على الخط بحسب معلومات حصلت عليها "عربي بوست" من مسؤولين بحكومة الوفاق.

المعلومات تحدثت عن غطاء جوي تركي وهجوم مكثف بالطائرات المسيرة لدعم قوات الوفاق على الأرض لدحر قوات حفتر وإبعاد المعركة عن طرابلس ومحاصرة هذه القوات في أماكن انطلاقها وفي مدينة ترهونة جنوب طرابلس الموالية لحفتر بشكل خاص.

الوضع على حاله منذ معركة غريان والطرف الخارجي يتدخل لإنقاذ حفتر

ورغم كل هذا الدعم الخارجي الذي تلقاه حفتر يؤكد عضو المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب أبوبكر البغدادي أن الوضع في محيط طرابلس على حاله تقريباً منذ بسط حكومة الوفاق لسيطرتها على غريان في نهاية يونيو/حزيران الماضي.

البغدادي قال لـ"عربي بوست" إنه مازالت هناك اشتباكات وتبادل مدفعي وقصف طيران بشكل متكرر وشبه يومي، لكن لا تغيير كبير على خطوط النار.

 أوضح أن  طرفي القتال تناوبا على أخذ زمام المبادرة، و"كان الطرف الإقليمي يتدخل عندما تسوء الحالة الميدانية لقوات حفتر، فيتدخل الطيران المسير الإماراتي، ثم لاحقاً التحق مرتزقة فاغنر الروسية بخطوط النار في محيط طرابلس".

البغدادي يرى أن كل هذه العوامل "مكنت قوات حفتر من المحافظة والقوات متعددة الجنسية على مواقعهم السابقة".

هل تؤدي الاتفاقية مع تركيا إلى تغيير نوعي في المعركة؟

ووافقت حكومة الوفاق الوطني الليبية، الخميس على تفعيل مذكرة التعاون الأمني والعسكري الموقعة مؤخراً مع تركيا ما يفتح المجال أمام تدخل مباشر أكبر لأنقرة في ليبيا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوح بإرسال قواته لدعم حكومة الوفاق إذا طلب رئيسها فائز السراج ذلك بموجب مذكرة التعاون بين البلدين.

وأفاد مجلس الوزراء بحكومة الوفاق برئاسة السراج إنه وافق بالإجماع على تفعيل مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة التركية الموقعة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

مصادر خاصة لـ"عربي بوست" في طرابلس أكدت أن الاجتماع جرى بحضور مسؤولين عسكريين وقادة كتائب دون الكشف عن تفاصيل بنود الاتفاق أو طبيعة المساعدة العسكرية التي ستقدمها أنقرة للقوات الموالية لحكومة الوفاق.

من جهته يرى عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أحمد لنقي أن "الدبلوماسية الرزينة والحكيمة لحكومة الوفاق استطاعت أن تمتص وأن تطفئ الفتنة التي أثيرت حول توقيعها مذكرة التفاهم مع الحكومة التركية".

لنقي أوضح لـ"عربي بوست" أنه من خلال الاتفاقية سيثبت للعالم أن "ليبيا لا تقبل الوصاية عليها من أحد أو أن يحدد لها ماذا تفعل وماذا لا تفعل مهما كلفها الأمر".

لنقي يؤكد أنه بعد موافقة مجلس وزراء حكومة الوفاق بالإجماع على تفعيل مذكرة التفاهم مع تركيا سيترتب عليها نقلة نوعية لوجستية في سير المعارك "ولن يكون دخول العاصمة سهلاً ولا نزهة ولو استمر عناد المقاتلين بعدم التوقف عن القتال الخاسر هو الوطن وأهله".

يجب المضي قدماً في العلاقة مع تركيا ومحاولة تحسينها مع مصر

وزير الخارجية الليبي السابق عبدالحميد النعمي يرى أن حكومة السراج قامت بخطوات إيجابية مهمة الأيام الأخيرة: الاتفاقية مع تركيا – الترتيبات النفطية مع شركة توتال ومع الحكومة المصرية ولقاءات السراج في الدوحة وإسطنبول.

النعمي يؤكد أهمية ما أسماه بالتطبيع مع فرنسا ومصر لحاجة ليبيا الماسة إلى حسن الجوار والتعاون المشترك حسب تعبيره.

في حين يؤكد السياسي المخضرم لـ"عربي بوست" أن تركيا بحاجة ملحة للاتفاقية البحرية التي كان يجري الإعداد لها منذ 2004، في الوقت الذي تحتاج فيه طرابلس إلى حليف إقليمي قوي.

النعمي يصر على ضرورة المضي قدماً في تعزيز العلاقة مع تركيا، خاصة في الجانب الأمني وإن جاء متأخراً "لقد جاء العرض التركي بعد أن تكالبت علينا الأمم وتنكر لنا الكثير من الأصدقاء يجب أن تصل الرسالة إلى جميع شركائنا الإقليميين بأن بناء ليبيا لا يقوم بالضرورة على حساب نهضتهم واستقرارهم".

المشكلة في شكل العلاقة بين السراج والمقاتلين المؤيدين له

 من جهة أخرى أبدى الخبير الأمني جهاد الباجقني الكثير من التحفظ على تفاؤل مناصري حكومة الوفاق، مؤكداً أن زيارة السراج لتركيا أنتجت مذكرة تفاهم فقط وهي لا قيمة قانونية لها ولا يترتب عليها أي التزام، حسب قوله.

الباجقني أوضح لـ"عربي بوست" أن المذكرة جاءت "فقط لإسكات المعارضين للسراج من المقاتلين والمجموعات المساندة الذين يقاومون حفتر" في إشارة منه للدفعة المعنوية التي ستقدمها هذه الاتفاقية لمقاتلي الوفاق رداً على الدعم الإقليمي المتزايد لمعسكر حفتر.

الخبير الأمني يرى أن ما يحدث على الأرض "غير مرتبط ببعضه لأن المقاتلين في واد والسراج في واد آخر وأن المعارك ستستمر كما هي بدون حسم ما لم يحدث ضغط قوي خارجي من الولايات المتحدة يبعد الدول الداعمة للطرفين ويعيدها هي فقط صاحبة القرار".

الكاتب الصحفي رزق فرج رزق يقول لـ"عربي بوست" في الوقت الذي لا تملك حكومة الوفاق أي سلطة على قواها العسكرية على الأرض، "العلاقة بينهما على أساس توافقي فقط تحالف سياسي عسكري جمعهما هدف واحد، لا توجد تبعية فعلية".

في حين باتت الساحة الليبية تشهد تراجعاً ملحوظاً في الدور الأوروبي بشكل عام والدورين الإيطالي والفرنسي بشكل أخص مع استمرار نوع من الضبابية في التعامل مع الأزمة الليبية من غالبية القوى الدولية المؤثرة.

هل يتم طرد حفتر من محيط طرابلس؟

وفي الأيام الثلاثة الأخيرة التي سبقت توقيع الاتفاقية مع تركيا حدثت تطورات ميدانية تركزت على ضغط قوات حفتر على محوري اليرموك والخلاطات بتكثيف ضربات الطيران المسير جنوب طرابلس.

وبحسب القائد الميداني في معارك طرابلس رمضان محمد فإن قوات حفتر أحرزت تقدماً بسيطاً في تلك المحاور بينما مازال محور السويحلي الذي تقود عملياته قوات الردع الخاصة أكثر صموداً مما تسبب في خسائر كبيرة لقوات حفتر.

 القائد الميداني أوضح لـ"عربي بوست" أن بقية محاور القتال جنوب طرابلس "وبعد هدوء خيم لفترة شهدت معارك عنيفة الثلاثاء بهجوم قوات الوفاق مما أسفر عن إحباط مخطط تعده قوات حفتر بالمحورين". 

ويتوقع البغدادي "في أي لحظة أن تبدأ حكومة الوفاق هجومها لبسط السيطرة على محيط طرابلس قبل أن تتوسع الجبهة لإنهاء أي تمرد على التراب الليبي"، حسب قوله.

خليفة حفتر وقادة المليشيات في بنغازي، أرشيفية

وبخصوص حالة النفير التي أعلنها عدد من المجالس العسكرية غرب ليبيا يؤكد المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب أنه "بالفعل وصلت قوات إضافية إلى خطوط القتال، وأخذت قوات الجيش الليبي والقوات الفاعلة المدافعة عن العاصمة زمام المبادرة في الأيام الثلاثة الأخيرة، وعند فتح الجبهة على محاور جديدة ستتدفق قوات أكثر، وسيتطلب تدخل قوات نوعية حسب تطورات المعارك لاحقاً".

الواقع أن تكافؤ القوى هو السائد على الأرض.. والتغيير سيأتي من هذا الجانب

من جهة أخرى يرى الكاتب الصحفي رزق فرج رزق أن الحرب في طرابلس لا يمكن قراءتها من زاوية واحدة "القوى العسكرية تتظاهر بتمثيل سياسي حكومي لكن واقع الحال يقول غير ذلك وما يحدث الآن حرب يتقاسم فيها أطراف النزاع موازين القوة بالتساوي".

وأشار إلى أنه رغم التشرذم داخل صفوف حكومة الوفاق، فإن قوات حفتر ليس لديها حاضنة شعبية  في المناطق الداعمة لحكومة الوفاق في المنطقة الغربية على وجه التحديد كما يوضح الكاتب.

رزق يشير إلى أن لحظة الصفر المعلنة لم يصحبها إعلام حربي يتابع حجم المعركة، "مما جعل الرأي العام عاجزاً عن تقييم المشهد، بسبب التعتيم الإعلامي وتضارب التصريحات العشوائية عن الوضع الأمني في طرابلس".

سياسياً يعتبر الكاتب أن الاتفاقية التركية هي محاولة من أنقرة لتعزيز وجودها الدولي لكن أعرب عن قلقه من أن تؤدي لفقدان حكومة الوفاق لبعض مؤيديها.

 وخلاصة القول بحسب الكاتب "طالما أن أطرافاً دولية تمثل ركناً رئيسياً في الحرب، لا يمكن أن تحسم المعركة بحل  ليبي/ ليبي، عسكرياً كان أو سياسياً توافقياً".

تحميل المزيد