كانت الأشهر الماضية وقتاً عصيباً بالنسبة لأي شخص يراهن على النفط. فقد هدَّدت أزمة تغيَّر المناخ الطلب العالمي على المدى الطويل.
ففي العام الماضي، أثَّرت سلباً وفرة الإنتاج والنزاعات التجارية والمخاوف من الركود الاقتصادي في سعر النفط الخام. وفي 3 ديسمبر/كانون الأول، انخفض سعر خام برنت إلى 61 دولاراً للبرميل، أي أقل بنسبة 18% عن سعره في أبريل/نيسان. ومع ذلك،بحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول، تضافرت القوى لدعم أسعار النفط مُجدَّداً. وافقت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها في 6 ديسمبر/كانون الأول على خفض الإنتاج بمقدار أكثر من 2.1 مليون برميل يومياً، بحسب تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
أرامكو وطرح الأسهم
وبحسب المجلة البريطانية، مما زاد التفاؤل، طرح شركة "أرامكو" السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، 1.5% من أسهمها للاكتتاب العام. وتجاوزت قيمتها السوقية 2 تريليون دولار في 12 ديسمبر/كانون الأول. وفي 13 ديسمبر/كانون الأول، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توقيعه اتفاقاً تجارياً أولياً مع الصين. نتيجة لذلك، قفزت أسعار النفط العالمية وارتفع سعر خام برنت إلى 65.74 دولاراً للبرميل.
ومع ذلك، يتصارع المقامرون النفطيون مع اثنين من حالات عدم اليقين الكبيرة. تتعلَّق الحالة الأولى بإنتاج أمريكا. ضخت البلاد 17.8 مليون برميل يومياً في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنةً بمتوسط 15.5 مليون برميل في عام 2018. لكن المستثمرين نفد صبرهم من الأرباح الهزيلة للشركات العاملة في مجال التكسير الهيدروليكي. وفقاً لمجموعة "Goldman Sachs" الاستثمارية الأمريكية، قفزت تكلفة رأس المال بالنسبة لشركات الاستكشاف والإنتاج الأمريكية بنسبة حوالي 50% منذ منتصف عام 2016. وفي بداية ديسمبر/كانون الأول، كان هناك 663 منصة حفر تعمل في أمريكا، أي أقل من عدد منصات الحفر العاملة في العام السابق بمقدار الربع. وعلى الرغم من أنَّ إنتاج النفط الأمريكي لن يتقلَّص في عام 2020، قد يتباطأ معدل نموه. يتمثَّل السؤال هنا في متى سيحدث هذا التباطؤ وبأي مقدار.
أما حالة عدم اليقين الثانية تتعلَّق بما إذا كان أعضاء التحالف الموسّع المعروف باسم "أوبك بلس"، الذي يضم 23 دولة، سيلتزمون باتفاقهم الجديد.
الشك يلقي بظلاله
ظهرت الأسباب الداعية للتشكّك في حدوث ذلك خلال الـ12 شهراً الماضية. في ديسمبر/كانون الأول 2018، وافقت منظمة "أوبك" وشركاؤها "بلس" على خفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً. ومع ذلك، تجاوزت روسيا والعراق ونيجيريا، فضلاً عن دول أخرى في التحالف، الحدود المسموح بها بانتظام. ولتعويض ذلك، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة (IEA)، خفّضت المملكة العربية السعودية، العضو الأقوى في منظمة "أوبك"، إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل إضافي يومياً.
يُقدّر محللون في مؤسسة "Morgan Stanley" الأمريكية للخدمات المالية والإستثمارية أنَّ عام 2020 سيشهد ضخ 1.8 مليون برميل إضافي يومياً إلى دول خارج تحالف "أوبك بلس"، من بينها البرازيل وغيانا والنرويج. وفي الفترة التي سبقت اجتماع دول "أوبك" في فيينا في ديسمبر/كانون الأول، دارت شكوك بشأن استمرار التزام مجموعة "أوبك بلس" بالتخفيضات المتفق عليها قبل عام، ناهيك عن إقرار مزيد من خفض إنتاج النفط، بحسب المجلة البريطانية.
خطة الرياض في دعم الأسعار
في النهاية، تجادل وزير الطاقة السعودي الجديد، عبدالعزيز بن سلمان، بشأن اتفاق مثير للإعجاب ستزداد بموجبه تخفيضات إنتاج نفط مجموعة "أوبك بلس" من 1.2 مليون برميل إلى 1.7 مليون في يناير/كانون الثاني. وثمة تخفيضات إضافية بقيادة السعودية سترفع إجمالي التخفيضات إلى 2.1 مليون برميل يومياً. وعلى هذا النحو، سيكون الناتج الإجمالي للمجموعة ككل أقل بنسبة 1.3% عن مستواه في نوفمبر/تشرين الثاني. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت تلك التخفيضات ستتواصل. لا تغطي الاتفاقية الجديدة سوى الربع الأول من عام 2020، والتي تسمح لروسيا أيضاً بزيادة إنتاجها من المكثفات، وهو نوع خفيف عالي الجودة من النفط الخام.
لا تزال السعودية حريصة على دعم الأسعار، سواء من أجل ميزانيتها أو لإنجاح اكتتاب شركة "أرامكو". قد لا يكون التقييم المرتفع للشركة في التداول المبكر مستداماً. وقد أحجم العديد من كبار المستثمرين العالميين عن المشاركة بسبب انخفاض عائد توزيعات الأرباح والمخاطر الأمنية والسيطرة الحكومية. لكن مستثمري التجزئة المحليين اندفعوا لشراء الأسهم، حيث جذبتهم جزئياً حوافز الحصول على سهم مجاني إضافي مقابل كل 10 أسهم يشترونها ويحتفظون بها لمدة ستة أشهر. إذا فشل حلفاء السعودية في الالتزام بالتخفيضات الموعودة المتفق عليها، ستكون المملكة أمام خيارين كلاهما صعب: إما خفض إنتاجها النفطي بشكل أكبر أو ترك الأسعار تنخفض.