الهدف الأسمى للعلم هو توظيفه في خدمة البشر، وربما ينطبق هذا الأمر على خبير في الاقتصاد يدعى ألفين روث، حيث أحدث ثورة حول العالم في مجال التبرع بالكلى، فما قصته، ولماذا تواجه قضية التبرع بالكلى معارضة حول العالم؟
موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) نشر تقريراً بعنوان: "كيف ساعد خبير اقتصادي الآلاف في الحصول على كُلْية جديدة"، ألقى فيه الضوء على قصة الكلية التي قد تنقذ حياة شخص.
ماذا فعل روث؟
ألفين روث، خبير اقتصاد أمريكي حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2012 لاختراعه "نظرية كيفية التوفيق بين الأسواق"، بالشراكة مع زميله لويد شيلبي، ولكن روث طور النظرية وطبقها على مجال بعيد تماماً عن الاقتصاد، فإذا احتجت إلى عملية زرع كلى في السنوات القليلة الأخيرة، فقد ازدادت فرصة حصولك على واحدة بدرجة كبيرة بفضل التطبيق الذي اخترعه.
إذ أحدث روث ثورة في التبرع بالكلى في جميع أنحاء العالم عبر تطبيق نظرية اقتصادية تساعد على توافر المزيد من الكلى، وبدون فكرته، كانت ستستمر معاناة الآلاف من الأشخاص الذين يحملون كلية جديدة كل عام، فكانوا إما سيستمرون في غسيل الكلى أو سيلقون حتفهم.
كيف يختلف التبرع بالكلية عن باقي الأعضاء البشرية؟
يختلف التبرع بالكلية عن الأعضاء الأخرى؛ لأن أجساد البشر تضم كليتين ولكنها لا تحتاج سوى واحدة لتواصل عملها، لذلك من الممكن أن يتبرع بها الأحياء.
وقد ترغب في التبرع لأحد أحبائك ممن يحتاجون إلى إحدى كليتيك، إلا أن نوعي الكلى لن يتطابق في كثير من الأحيان، وقبل فكرة البروفيسور روث، كان يتعين عليك الانتظار حتى يتبرع شخص مات لتوه بإحدى كليتيه أو أن تعيش بدونها.
ما هي فكرة "تبادل الكلى"؟
كانت فكرته في "تبادل الكلى" هي أن يجمع بين شخصين يحملان كلى غير متطابقة وشخصين آخرين يحملان كلى غير متطابقة بحيث يتمكن من يرغب في التبرع من العثور على مستفيد يحمل كلية مطابقة لكليته، بل وهناك أمثلة على برامج تبرعات، جرى فيها تبادل ما يصل إلى 70 كلية مع 70 مستفيداً.
هل التبرع بالكلية قانوني؟
ويعتبر بيع الكلى غير قانوني في جميع البلدان ما عدا إيران؛ لأن معظم الحكومات لا تريد أن تجعل جمع الأعضاء البشرية مقابل المال أمراً قانونياً.
وقال البروفيسور روث في لقائنا: "لا نسمح للأسعار في سوق الكلى في معظم أنحاء العالم بأداء أي دور". وحين سألته عن التأثير الذي أحدثته فكرته، أعطى أحد الأمثلة بقوله إن حوالي ألف كلية تتوفر لكل شخص في الولايات المتحدة كل عام، وأدى تأثير فكرته إلى منح البروفيسور روث جائزة نوبل في الاقتصاد.
تغيير قانون تبادل الكلى الألماني
التقينا في برلين في الوقت الذي يجتمع فيه الحائزون على جائزة نوبل وغيرهم من الشخصيات البارزة لمناقشة مستقبل الرعاية الصحية. ويشارك ألفين روث في هذا اللقاء جزئياً لأن ألمانيا واحدة من الدول الصناعية الرئيسية القليلة التي لا يُعتبر تبادل الكلى فيها قانونياً.
ويقول: "أعتقد أنه يجب إعادة النظر في القواعد واللوائح البيروقراطية المتعلقة بالكلى كما هو الحال في كل الأسواق من وقت لآخر في ضوء التطورات الجديدة، ويجب تحديثها وتكييفها مع التطورات الحالية".
وحين اتصلت بوزارة الصحة الألمانية لمناقشة هذه القضية، أخبروني أنهم يعتزمون تنظيم نقاش عام حول هذه المسألة ولكنهم لم يحددوا موعداً لذلك بعد.
يقول البروفيسور روث إنه يتفهم مخاوف الحظر الألماني. ويقول: "هم قلقون من تجارة الأعضاء"، وأضاف: "هم قلقون من أنني إذا أردت أن أعطيك كلية، فهذا يعني أنك قد دفعت لي وربما كنتُ شخصاً فقيراً ويائساً. ولكن من ناحية أخرى، إذا أراد شقيقك أن يعطيك كلية، فهم لن يقلقوا من ذلك".
بيع الكلى
لكن البروفيسور روث يرى أيضاً أنه من الممكن تنفيذ طريقة في المستقبل يتمكن من خلالها الأشخاص من تلقي الأموال مقابل كلاهم.
وقد شبه النقاش الدائر حول هذه المسألة بمثيله الذي دار في الولايات المتحدة بعد حرب فيتنام عندما تحولت البلاد من نظام الخدمة العسكرية الإلزامية إلى الخدمة التطوعية.
يتصور ألفين روث مستقبلاً يمكن أن تعتبر فيه الدولة مواطنيها ممن يرغبون في التبرع بالكلية من أجل المال "أبطالاً"، وستجمع الكلى وتوزعها بالطريقة التي تُوزع بها الأعضاء الآن، ولذا، لن تُمنح الكلى على أساس الثروة، ولكن على أساس احتياجات المتبرع الحالية.
إلا أن تقديم حوافز مالية للتبرع بالأعضاء مسألة أخلاقية يعارضها الكثيرون، سواء داخل المؤسسة الطبية أو خارجها.
وقد فشل برنامج تجريبي دُفعت فيه تكاليف طبية للتبرع بالكلى أو تبادل الكلى بين مستفيدين في البلدان ذات الدخل المرتفع ومتبرعين من البلدان منخفضة أو متوسطة الدخل في الحصول على دعم منظمة الصحة العالمية.
ويقول بيتر سينغر، الذي ساهم مؤخراً في مقال في دورية The Lancet يدعم البرنامج، لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إن تبادلاً واحداً للكلى حدث من خلال البرنامج، والبروفيسور روث من المؤيدين لهذا البرنامج، ويقول: "من المخجل أن يموت الناس بسبب البيروقراطية".