بات خطر الاشتباك العسكري في البحر المتوسط أكثر قرباً بعد محادثات أكّدت فيها تركيا استعدادها إرسال قوات إلى ليبيا للدفاع عن الحكومة المعترف بها أممياً. إذ تواجه حكومة الوفاق الوطني في طرابلس ما يوصف بأنه هجوم حاسم تشنّه قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، أمير الحرب القادم من شرق ليبيا.
كانت تركيا، المنخرطة بالفعل في خلافات مع الكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي على جبهات متعددة، وقّعت الأسبوع الماضي اتفاقية تعاون عسكري مع حكومة الوفاق الوطني، تتيح لها طلب قوات ودعم عسكري من تركيا. يتضمن الاتفاق، الذي أُرسل للعرض على البرلمان التركي يوم السبت، تزويد الحكومة بما يسمى بقوة ردٍّ سريع لدعم الشرطة والجيش في ليبيا، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجال الاستخبارات والدفاع، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
لقاء على هامش مؤتمر الدوحة
كان الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السرّاج مقتصراً حتى الآن على طائرات مسيّرة ومعدات عسكرية، ومن ثمَّ سينطوي الأمر على تصعيدٍ كبير في حال إرسال قوات برية للدفاع عن طرابلس.
وتقابل وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ووزير الدفاع، خلوصي أكار، مع السرّاج على هامش مؤتمر دبلوماسي كبير، في الدوحة بقطر، خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقال جاويش أوغلو، خلال حديثه في الدوحة، إن حكومة الوفاق الوطني لم يسبق أن تقدمت حتى الآن بأي طلب رسمي لإرسال قوات عسكرية لدعمها، لكنه أضاف أن "إرسال قوات عسكرية هو أسهل شيء".
كانت القوات الجوية التابعة لحفتر، والمدعومة من الإمارات ومصر، قصفت بالفعل مطار مدينة مصراتة الساحلية في تحذيرٍ لتركيا بألا ترسل قوات أو مزيداً من الإمدادات.
ويبدو أن الحكومة التركية عازمة على عدم السماح بأن تسقط طرابلس في أيدي حفتر المدعوم من الإمارات.
يزعم حفتر أن هدفه طرد الإرهابيين الإسلاميين من طرابلس، في حين يصفه خصومه بأنه مجرم حرب سيقتل أي احتمال أو فرصة لإقامة ديمقراطية في ليبيا.
وقد أطلق حفتر هجومه للسيطرة على طرابلس في أبريل/نيسان الماضي إلا أنه لا يزال متعثراً حتى الآن في ضواحي العاصمة.
دخول الروس على خط المعركة
كان الصراع متشكلاً من جبهات عدة بالفعل، وازداد تعقيداً مع وصول 200 من المرتزقة الروس لدعم حفتر، وهو تدخل أبرزه السرّاج لحشد دعم وتأييد لحكومته في واشنطن.
والتقى السرّاج بالسيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام، المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على هامش مؤتمر الدوحة للتحذير من التدخل الروسي. كما أخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحث بوتين على أن يأمر القوات الروسية بالانسحاب من ليبيا.
تضمن الالتزام المشترك بين تركيا وحكومة طرابلس التوافق أيضاً على مذكرة تفاهم تتعلق بإثبات حقوق تنقيب مشتركة في البحر المتوسط، وهو ما أغضب الاتحاد الأوروبي، وخاصة اليونان. إذ تقول أثينا إن اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة المعمول بها تمنع الطرفين من التنقيب في المنطقة المحيطة بجزيرة كريت اليونانية، وإن مذكرة التفاهم غير قانونية. وقد طردت اليونان بعد ذلك السفير الليبي بالفعل لكنها لم تتخلّ بعد تماماً عن علاقاتها الدبلوماسية مع ليبيا.
وبحسب الصحيفة البريطانية تُخاطر أنقرة من خلال تحركاتها، بإمكانية تشكّل تحالفٍ مناهض لتركيا يضم اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل والأردن وإيطاليا. وقد اجتمعت كل هذه البلدان تحت مظلة "منتدى شرق البحر المتوسط للغاز"، وهي شراكة خارجية مرتبطة بالطاقة استُبعدت تركيا منها. يأتي ذلك في ظل تقديرات تتحدث عن أن احتياطيات الغاز الطبيعي في المنطقة تقدر إجمالياً بنحو 22 تريليون متر مكعب.
حذرت تركيا الاتحاد الأوروبي قائلةً إنه لا يملك الحق في اعتبار اتفاقها مع ليبيا غير قانوني.
وفيما يتعلق بنقطة النزاع الثالثة بين السياسة الخارجية التركية من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى، قال جاويش أوغلو إن تركيا لن تتخلى عن اتفاقها مع روسيا بشأن نظام الدفاع الصاروخي إس 400، وقال "إنها صفقة تم الانتهاء منها. لا يمكننا إلغاء هذا. وهذا أكيد، مهما كانت النتائج، وهذا هو الوضع".
الخلاف الأمريكي التركي
وكان الكونغرس الأمريكي، الغاضب على تركيا أيضاً على إثر تدخلها العسكري في شمال سوريا، قد قال أكثر من مرة إن استخدام نظام الدفاع إس 400 يتعارض مع عضوية تركيا في الناتو، ودعا إلى فرض عقوبات. وخلال تواجده في الدوحة، حذر غراهام من أنه "في حال جرى تصويت في مجلس الشيوخ على فرض عقوبات، فسيحصل على تأييد بنسبة 90%، وسيكون محصناً ضد النقض. فقد تمكن أردوغان من فعل الشيء الوحيد الذي لم يستطع أحد فعله، وهو توحيد الجمهوريين والديمقراطيين [فيما يتعلق بالموقف من شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي وتوقيع عقوبات عليها]".
وردَّ جاويش أوغلو قائلاً: "إن العقوبات ولغة التهديد لا تجُدي أبداً مع تركيا. لكن في حال فُرضت عقوبات، فإن تركيا سترد على ذلك بالمثل".
"لقد كنا في حاجة كبيرة لنظام دفاع جوي. وخلال السنوات العشر الماضية، حاولنا الحصول عليها من الولايات المتحدة وغيرها، لكن لم نتمكن من ذلك. ثم عرض الروس علينا منظومة إس 400 وكانت تلك الصفقة الأفضل أمامنا".
وافقت الولايات المتحدة على بيع صواريخ باتريوت في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، على أمل أن تتنصل تركيا من صفقة صواريخ أرض جو الروسية المنافسة. لكن تركيا مضت قدماً في تسلم المنظومة من روسيا، لتقول الولايات المتحدة في أغسطس/آب، إن عرضها لم يعد مطروحاً.
ثم شرعت الولايات المتحدة في استبعاد تركيا من برنامجها المشترك لبناء مقاتلات من طراز "إف 35″، وأخذت تهدد بأنها لن تبيع الطائرات إلى أنقرة خوفاً من احتمال تعرض تكنولوجياتها للاختراق، بسبب قربها من الفنيين الروس الذين سيتواجدون لخدمة منظومة الدفاع الجوية الروسية إس 400.
وفي علامة على التدهور الجاري في العلاقات بين تركيا والكونغرس الأمريكي، ومن المحتمل البيت الأبيض، أصدر مجلس الشيوخ يوم الخميس قراراً رسمياً بالإجماع يقرّ بحدوث إبادة جماعية للأرمن، المزاعم التي تنفيها تركيا بشدة.
وتأتي هذه الخطوة بعد تصويت أُجري يوم الأربعاء في "لجنة القوات المسلحة" التابعة لمجلس الشيوخ، لفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها مؤخراً لنظام صاروخي روسي، وهجومها على الأقلية الكردية في سوريا.
في حين قال وزير الخارجية التركي إن تركيا مستعدة لتشكيل مجموعة عمل مشتركة تضم مؤرخين وعلماء أنثروبولوجيا أتراكاً وأرمناً لفتح الأرشيف الخاص بتلك الأحداث ودراسته.