عندما وقفت أونغ سان سو تشي زعيمة ميانمار تُنكر اتهامات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها بلادها بحق الروهينغا أمام محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي، كان ثلاثة من ضحايا العنف العرقي في ميانمار يجلسون وراء الزعيمة الفائزة بجائزة نوبل للسلام تهيمن عليهم حالة من الغضب وعدم التصديق لما يسمعونه.
كانت حميدة خاتون ويوسف علي وحسينة بيجوم قد سافروا من مخيم كوتوبالونغ مترامي الأطراف الواقع على حدود مدينة كوكس بازار في بنغلاديش، للانضمام إلى الوفد القانوني الذي يحضر جلسة الطوارئ المنعقدة في محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، حسبما ورد في تقرير نشر بموقع صحيفة The Guardian البريطانية.
ولم يُسمح سوى للمحامين بمخاطبة القضاة الـ17 خلال الجلسة التي استمرت ثلاثة أيام في أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة. وهكذا كان على مسلمي الروهينغا المنفيين الجلوسُ في صمت، تكاد تخنقهم العبرات ومشاعر الألم.
المفاجأة أنهم صوتوا لها في الانتخابات وبعد فوزها اختفى ذووهم من على الأرض
كانت خاتون، البالغة من العمر 50 عاماً، وعلي، صاحب الـ 46 عاماً، قد صوّتا لصالح أونغ سان سو تشي في انتخابات عام 2010، بعد عودتها من 15 عاماً من الإقامة الجبرية، فقد بدت حينها رمزاً لأملٍ ديمقراطي في مواجهة الديكتاتورية العسكرية.
لكن بحلول عام 2017، وتصاعد "عمليات التطهير" العسكرية في ميانمار ضد الروهينغا، اختفى زوج خاتون وقُتل أصدقاؤها، وتعرّض عليّ للتعذيب والاعتداء الجنسي على يد ضباط شرطة يعرفهم بأسمائهم.
ولم يُتح لهم الكشف عن مدى خيبة أملهم والتخلص من أوهامهم حول الزعيمة سوى خارج المحكمة.
فقد قالت خاتون إن فكرة الاعتداء على سون تشي ظلت تراودها طيلة الجلسة، واعترف علي أنه عانى لكي يجلس بهدوء في مكانه. في حين قالت بيجوم، البالغة من العمر 22 عاماً والتي كانت أصغر من أن يمكنها التصويت في عام 2010، إنها كادت "تأكل" زعيمة ميانمار من فرط الغضب. كان الثلاثة مقتنعين بأنها كذبت في ما قالته.
دولة مسلمة صغيرة ترفع الدعوى
جاءت الدعوى المرفوعة على ميانمار بأن جيشها قام بعمليات قتل جماعي واغتصاب وتدمير لمجتمعات الروهينغا المسلمة، من غامبيا، وهي دولة صغيرة تقع في غرب إفريقيا وتنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي.
وناشد المدعي العام ووزير العدل في غامبيا، أبو بكر ماري تامبادو، محكمة العدل الدولية فرضَ "تدابير مؤقتة" وقائية لمنع مزيد من عمليات القتل والإبادة الجماعية لشعب الروهينغا في ميانمار.
في حين أنكرت أونغ سان سو تشي، التي تشغل منصب مستشار الدولة الرسمي [رئيس الوزراء] في ميانمار، هذا الاتهام ووصفته بأنه يقدم "صورة غير كاملة ومضللة للوضع". وقالت إن العنف اشتعل على إثر هجمات إرهابية شنتها في البداية حركة "جيش إنقاذ روهينغا أراكان". وتدرس محكمة العدل الدولية حالياً حكمها فيما يتعلق بالاتهامات.
أردت أن أقول لها إن هناك أطفالاً رضعاً أحرقوا ونساء اغتصبن
وقالت خاتون، متحدثةً من خلال مترجمين بعد الجلسة، إن سون تشي "تعرف ما حدث لكنها لا تفعل شيئاً. لقد شعرت بالغضب الشديد في المحكمة. تمنيت لو هاجمتها. أردت أن أصرخ لأقول إن هناك أطفالاً صغاراً قُتلوا، ونساء تعرضن للاغتصاب، ورضعاً أحرقوا وهم أحياء.
"كان لدينا أمل فيها في البداية لأنها تعرضت للاضطهاد لفترة طويلة، وكانت رهينة وضحية في يوم من الأيام، لذلك صوّتنا لها وأمِلنا فيها خيراً. لكني أعتقد الآن أنها لم تكن شخصاً جيداً. لم تكن صادقة".
تعيش خاتون الآن في كوخ من القماش المشمّع في كوتوبالونغ مع أفراد عائلتها المتبقين على قيد الحياة. وقالت: "لقد طلب مني قومي أن أتحدث وألا أخاف منها.
إذا كانت [أونغ سان سو تشي] تقول إنه لم يحدث شيء، فأين زوجي إذاً؟ أين ذهب أطفالنا؟ إذا لم يكونوا ارتكبوا هذه الفظائع، فليعيدوا إلينا أطفالنا وأهلنا إذاً. نحن نريد العودة إلى وطننا تحت حماية قوات الأمن التابعة للأمم المتحدة".
اعتدوا علي وقتلوا زوجي
تعرضت بيجوم للاعتداء وقُتل زوجها عندما اجتاحت قوات تاتماداو، جيش ميانمار، قريتها، شوي بيا. تقول بيجوم إنها عندما كانت جالسة على بعد مترين فحسب من زعيمة ميانمار في المحكمة، شعرت بغضب شديد يملؤها وهي تستمع إليها تلقي خطاباً رسمياً بارداً في قاعة المحكمة الأنيقة المزينة بنوافذ من الزجاج الملون، وسجاد فارسي وثريات مذهبة.
تقوم بيجوم بملامح ذاهلة وصوت متهدج: "لقد أخذت تنكر كل شيء. لقد فازت بجائزة نوبل للسلام. إذا كانت قائدة جيدة، فكيف يمكنها إنكار هذه الفظائع؟ لقد أردت أن آكلها بأسناني، أن أمزقها. زعيمة بنغلاديش [شيخة حسينة] امرأة أيضاً، لكنها تعامل شعبها جيداً".
"كان بإمكان أونغ سان سو تشي أن توقف الجيش، لكنها لم تفعل. لقد جاءت إلى هنا لدعم الجيش". تعود بيجوم في نهاية هذا الأسبوع إلى كوخها في كوتوبالونغ حيث لم يعد لطفليها الصغيرين أب.
قتلوا والدي العاجز عن المشي بعدما أشعلوا النار في أعضائي التناسلية
تمكن عليّ من الهرب مع أولاده الستة عندما فر من منزله في ناين تشاونغ. وقال إن والده الذي لم يكن يستطيع المشي قُتل. واغتُصبت زوجة شقيقه، التي كان لديها ثلاثة أطفال، وتوفيت بعد أسبوع من عبور الحدود.
كانت أولى مشكلات عليّ مع السلطات في يوليو/تموز 2017. فقد كان يُدير شركة لبيع الخيزران وسقف القش، لكن شخصاً ما اتهمه زوراً بدعم ميليشيات جيش إنقاذ أراكان. ليُحتجز يعد ذلك في مركز للشرطة لمدة ثلاثة أيام، ويتعرض خلالها للتعذيب. ويقول: "كنت أعرف أربعة من رجال الأمن الثمانية الذين قبضوا عليّ. لقد ربطوا أقدامي، وأخذوا يضربون ساقي بأعقاب البنادق. واستمروا في تعذيبي بإشعال النار في أعضائي التناسلية. ثم اضطررت بعد ذلك لدفع 600 ألف كيات [عملة ميانمار] لكي يطلقوا سراحي".
بحلول الشهر التالي، كانت عمليات التطهير الأمني قد أحرقت القرى المجاورة، وتمكن عليّ من الهروب أخيراً. "كان الناس يُقتلون. رأينا الجثث ملقاة على الأرض. وأُطلق النار على كثيرين".
ومعي أوراق تثبت هويتي.. فماذا كان رد فعل زعيمة ميانمار؟
وصل عليّ إلى لاهاي مع أرشيف احتفظ فيه بوثائق ميانمار الشخصية وصوره الفوتوغرافية، والتي أخذ يعرضها بكل فخر. وقال: "يقولون إننا مهاجرون بنغاليون، لكن هذه الأوراق تثبت أن لنا حقاً في الإقامة. لقد أحضرت هذه الأوراق حتى تتمكن [أونغ سان سو تشي] من القول كذباً إننا لا ننتمي لهناك. يجب أن يكون هناك حقوق متساوية لجميع المجموعات في البلاد. لقد اضطهدتنا وعلينا أن نجعل العالم يعرف ذلك. وكم كان من الصعب عليّ التزام الصمت في المحكمة".
أُحضر الثلاثة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي من خلال منظمة Legal Action Worldwide الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان. ومديرة المنظمة، أنتونيا مولفي، محاميةٌ عامة بريطانية عملت في بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في ميانمار.
وقد قُرئت المقابلات التي أجرتها مع لاجئات الروهينغا اللواتي تعرضن للاغتصاب ضمن الأدلة المقدّمة خلال جلسة محكمة العدل الدولية.
وقالت مولفي: "لقد صمتت أونغ سان سو تشي ومحاموها إزاء الاتهامات باستخدام العنف الجنسي. إذ لن يتمكنوا أبداً من تبرير عمليات اغتصاب على نطاق واسع على أنها جزء من حملة عسكرية [ضد إرهابيين]".