تدافع زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، عن ميانمار (بورما) أمام المحكمة في مواجهة اتهامات الإبادة الجماعية. وبحسب القضية المرفوعة من جانب دولة غامبيا أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فقد نفذ جيش ميانمار حملة ترهيبٍ واغتصابٍ وقتل ممنهجة وموجهة ضد السكان المسلمين.
وقال محققو الأمم المتحدة إن قرابة 10 آلاف من الروهينغا، وهي أقلية مسلمة في الدولة ذات الأغلبية البوذية، تعرضوا للقتل. في حين فرَّ 730 ألفاً آخرين من المذبحة إلى بنغلاديش، لينضموا إلى 300 ألف آخرين من الروهينغا الذين فروا في السابق من الاضطهاد بميانمار. وقالت أونغ خلال جلسات الاستماع في لاهاي، يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، إن تهمة الإبادة الجماعية تهمةٌ "مضللة، لأن دوائر العنف الطائفي في ميانمار تعود إلى الأربعينيات". وأوضح جيش ميانمار أن حملته "حملةٌ لمكافحة الإرهاب ضد جماعةٍ متشددة عنيفة من الروهينغا"، بحسب تعبيره.
إليك في هذا التقرير، خمس قراءاتٍ أساسية عن اتهام ميانمار بالإبادة الجماعية للمسلمين الروهينغا، بحسب ما نشره موقع The Conversation:
- إرثٌ استعماري بريطاني
تبدأ قصة الروهينغا قبل الأربعينيات، مع الاستعمار البريطاني لميانمار في عشرينيات القرن التاسع عشر. إذ شجع البريطانيون العمال المهاجرين على المجيء والعمل بحقول الأرز في ميانمار، وهو ما جذب كثيراً من الروهينغا إلى البلاد من المناطق المجاورة. وتشير سجلات الإحصاء إلى أن تعداد السكان المسلمين في الدولة البوذية تضاعف ثلاث مرات بين عامي 1871 و1911، بحسب الباحثة إنجي عبدالقادر من جامعة روتجرز.
ووعد البريطانيون بمنح الروهينغا أرضهم المسلمة الخاصة داخل ميانمار، التي كانت تدعى بورما آنذاك، في مقابل الدعم السياسي. لكن ميانمار حصلت على استقلالها عام 1948، وهو ما ترك الروهينغا تحت رحمة حكومةٍ لم يدعموها.
ولم يكتفِ مسؤولو ميانمار برفض طلب الروهينغا إقامة دولةٍ تتمتع بحكمٍ ذاتي، إذ تقول إنجي: "لقد وصفوهم بالأجانب، وحرموهم من الجنسية". وفي غضون سنوات قليلة، أطلق الروهينغا حركة تمرد ضد حكومة ميانمار الجديدة. لكن التمرد سُحِقَ بوحشية، لتبدأ دائرةٌ من القمع الذي استمر عقوداً، قبل أن يبلغ ذروته في نهاية المطاف بمذابح أغسطس/آب عام 2017.
- السقوط من "علياء المجد"
بدت أونغ سان سو تشي كأنها زعيمةٌ لن تدافع على الأرجح عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. فقبل وصولها إلى السلطة في ميانمار عام 2016، كانت أونغ قد حصلت على جائزة نوبل للسلام. إذ سُجِنَت ثم نُفِيَت، لأنها حاربت من أجل إدخال حقوق الإنسان والديمقراطية على هذه الديكتاتورية العسكرية القديمة. واحتفى العالم بها حين فازت بأول انتخابات ديمقراطية في ميانمار قبل ثلاث سنوات.
ولكن سرعان ما بدأت سمعة أونغ الدولية في التراجع، بحسب أنثوني وير وكوستاس لاوتيديس. إذ أشارا إلى سجن ميانمار اثنين من مراسلي وكالة Reuters اللذين وثَّقا الفظائع المرتكبة ضد الروهينغا عام 2017، ووصفاها بأنها كانت بداية سقوطها من "علياء المجد" بصفتها "زعيمةً أخلاقية".
وكتبا: "من الجدير بالذكر أن حكومة أونغ المدنية هي التي حاكمت الصحفيين، وليس الجيش". ثم تجلَّت لا مبالاتها الواضحة بمعاناة الروهينغا. ومع توارد التقارير عن التطهير العرقي؛ قابَل العالم صمت أونغ بشيءٍ من عدم التصديق.
- الإبادة الجماعية موثقة
وفي سبتمبر/أيلول عام 2018، أصدرت الأمم المتحدة تقريراً لاذعاً يفصّل عنف الدولة ضد الروهينغا، ويطالب بتحميل القيادة العسكرية في ميانمار المسؤولية عن "الإبادة الجماعية".
وكان استخدام هذه اللهجة الفظة والقوية مقصوداً، بحسب ماكس بينكسي ونادية روباي، التي تدرس الفظائع الجماعية في جامعة بينغهامتون. إذ كتبا: "في عالم الدبلوماسية العالمية المعقد، يندر للغاية استخدام مصطلح (الإبادة الجماعية) لوصف هجمات الدولة على مواطنيها. وتحدث الإبادة الجماعية حين يُرتكَب أي عددٍ من الأفعال العنيفة (بغرض تدمير جماعةٍ قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً)".
ومنذ تشكيل الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، اتُّهمت دولٌ قليلة بارتكاب الإبادة الجماعية، ومن بينها رواندا ويوغوسلافيا سابقاً. وبعد أن لفت تقرير الأمم المتحدة أنظار العالم إلى الفظائع المرتكبة في بلادها، دافعت أونغ علناً عن حملة الجيش ضد الروهينغا.
وجاء تعبيرها العلني الوحيد عن الأسف، على النحو التالي: "ربما أدركنا بعد فوات الأوان، أنه كان بإمكاننا التعامل مع الموقف بطريقةٍ أفضل".
- الحياة في طي النسيان
بالتزامن مع محاولات أونغ تجنُّب الملاحقة القضائية في لاهاي، يعيش قرابة مليون لاجئ من الروهينغا ببنغلاديش وسط الخوف والشكوك. وبذلت بنغلاديش قصارى جهدها لإدارة أزمة اللاجئين، بحسب صابرينا كريم، أستاذة جامعة كورنيل التي زارت مخيمات اللاجئين في يناير/كانون الثاني عام 2018. وأنشأت الحكومة وكالةً جديدة لتنسيق المساعدات الإنسانية الدولية والجنود المبتعثين لحماية المستعمرات الجديدة مترامية الأطراف، وسط منطقةٍ حدودية لم تكن مأهولةً من قبل.
واستدركت صابرينا: "لكن هناك قضايا أخرى لا تستطيع الحكومة السيطرة عليها". وتشمل تلك القضايا الأمراض المعدية مثل الخناق الجرثومي المعدي في الحلق، والذي قتل 45 من الروهينغا في بنغلاديش منذ عام 2017، فضلاً عن سوء التغذية. وأردفت صابرينا: "علاوةً على ذلك، هناك عديد من المخاوف حيال الأضرار البيئية، بعد أن أزالت الحكومة أراضي الغابات المحميَّة لبناء المخيمات".
- جيلٌ ضائع
حين زارت الباحثة روبايات جيسمين مخيمات الروهينغا في يوليو/تموز عام 2019، كان أصغر قاطنيها هم من أثاروا قلقها أكثر من غيرهم.
إذ كتبت الباحثة، التي تُعِد رسالة الدكتوراه في جامعة بينغهامتون: "إنه وجودٌ كئيبٌ للجميع. لكن الأمر الأكثر كآبةً وصدمةً لي كان محنة قرابة 500 ألف طفلٍ من الروهينغا الذين يعيشون في طي النسيان".
ورغم أن أطفال الروهينغا يتلقون الدروس جزئياً من جماعات المساعدات أو المدارس الإسلامية العاملة في المخيمات، لكن لا يُسمح لهم بأن يلتحقوا بمدارس بنغلاديش العامة. ولا يحظى أطفال الروهينغا في بنغلاديش بتعليمٍ رسمي أو أي وسيلةٍ للحصول على الشهادات.
وقالت روبايات إن أطفال الروهينغا "معرَّضون لخطر التحول إلى جيلٍ ضائع"، بسبب النشأة وسط هذه الظروف غير المستقرة دون احتمالية الحصول على التعليم.
والتقت روبايات صبياً من الروهينغا، يدعى محمد (سبعة أعوام)، لمعت عيناه وهو يخبرها بأنه يرغب في أن يصير طبيباً. ولكنه أضاف سريعاً: "أنا أعلم أن أحلامي لن تتحقق على الإطلاق".