نيويورك تايمز: نظرية «إسرائيل صاحبة أفضل نظام سياسي بالمنطقة» سقطت، والشلل الذي يصيب أركانها سيستمر

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/13 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/13 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
لافتات دعائية لنتنياهو وحلفائه من جهة، وإئتلاف أزرق أبيض من جهة أخرى، في القدس المحتلة، سبتمبر 2019، رويترز

بعد الفشل في تشكيل حكومة عقب جولتي انتخابات، اندفعت إسرائيل نحو جولة ثالثة -لأول مرة في تاريخها- الأربعاء، 11 ديسمبر/كانون الأول؛ لتمتد بذلك حالة الجمود السياسي الذي يصيب أركان الدولة بالشلل منذ قرابة عام، لتضمن لها 3 أشهر إضافية من الحملات الانتخابية المشحونة بالمرارة والانشقاقات وعدم كفاءة الحكومة.       

وفي ضوء انقسام الدولة الميؤوس منه حول مصير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتهم في 3 قضايا فساد، لا يبدو أنَّ جولة الانتخابات ستأتي بنتائج حاسمة، على غرار الجولتين الأوليين، مما يعني دخول إسرائيل في أطول دوامة سياسية بتاريخها.

نظام غير مستقر 

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن عجز إسرائيل عن كسر جمودها السياسي أثار تساؤلات حول النظام السياسي الذي يتفاخر مواطنوه عادةً بأنه النظام الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط. فالنظام الديمقراطي، الذي كان يُشبَّه في كثير من الأحيان بديمقراطية بريطانيا أو الولايات المتحدة، أصبح يُقارن الآن بالحكومات الأقل استقراراً في اليونان وإيطاليا. وإلى حين تشكيل حكومة جديدة، سيبقى نتنياهو على رأس حكومة تصريف الأعمال.

ويقول المحللون إنَّه من خلال تشبث نتنياهو بمنصبه، سيصبح في موقف أفضل يسمح له بالتفاوض حول صفقة مع المدعي العام لتخفيف العقوبة عنه مقابل التقاعد من الحياة العامة.      

وسيخوض نتنياهو الانتخابات المقبلة، التي من المتوقع أن تنعقد في مارس/آذار، وهو مُدعى عليه في ثلاث قضايا جنائية؛ إذ اتُهِم في 21 نوفمبر/تشرين الثاني بالرشوة وجرائم فساد أخرى، وتقديم خدمات رسمية لأقطاب الإعلام الإسرائيلي مقابل هدايا فخمة وحملات إعلامية مبالغة الإيجابية عنه.

ومن غير الواضح ما إذا كانت لائحة الاتهامات المُوجَّهة ضده ستضر بفرصه في الفوز أم لا، على الرغم من أنَّ الخطوط العريضة للقضايا مُعلَنة منذ شهور.

المأزق سيتكرر مجدداً

وتكشف استطلاعات الرأي الإسرائيلية أنَّ أية منافسة أخرى بين نتنياهو وبيني غانتس، رئيس حزب "أزرق أبيض"، ستقود البلاد إلى نفس المأزق؛ فدائماً ما يتقدم حزب غانتس بفارق ضئيل، لكنه لا يحصد عدداً كافياً من الشركاء لتشكيل ائتلاف الأغلبية.

وتغيرت الظروف تغيراً غير سار لنتنياهو؛ إذ يواجه الآن تمرداً عاصفاً داخل صفوف حزبه المحافظ "الليكود" من مجموعة متنامية من المسؤولين والناشطين المحليين الذين يخشون من أن يؤدي رفضه التنحي إلى انتقال السلطة إلى ائتلاف "تحالف الجنرالات" الإسرائيلي الذي يقدم نفسه على أنه "وسطي". 

ودعا الليكود، الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول، لعقد انتخابات تمهيدية لاختيار قيادة الحزب في 26 ديسمبر/كانون الأول. وحتى الآن، تمكن نتنياهو من إبقاء هؤلاء المتمردين تحت السيطرة؛ من خلال تشجيع قاعدته الجماهيرية على أن تثور غضباً في وجه النظام القضائي، والتنديد بوسائل الإعلام الإخبارية والمنافسين السياسيين المنتمين لتيارات خصومه، وتقديم وعود إلى أتباع تيار اليمين بأنه إذا استمر في منصبه، فسيُعَظِّم الاستفادة من علاقاته الوثيقة بالإدارة الأمريكية الحالية لتحقيق إنجازات تاريخية، بما في ذلك ضم أراضي في الضفة الغربية المحتلة.

وقد تكون فرص غانتس في الجولة الثالثة من الانتخابات قد تحسنت أيضاً بعد أن وافق يائير لبيد، الرجل الثاني في قيادة حزب "أزرق أبيض"، الإثنين 9 ديسمبر/كانون الأول، على التخلي عن إصراره طويل الأمد على خلافة غانتس في نهاية المطاف في زعامة الحزب، ويُحتمَل في رئاسة الوزراء أيضاً.

إذ أظهرت استطلاعات الرأي أنَّ اتفاق تناقل السلطة بين لبيد وغانتز كبَّد حزب "أزرق أبيض" مقعدين إلى أربعة مقاعد في البرلمان.

حالة يأس في الشارع الإسرائيلي

تقول نيويورك تايمز إن معظم الإسرائيليين قد سئموا من السباق الانتخابي ويكرهون فكرة إجراء انتخابات ثالثة. إذ ستكلف الجولة الجديدة هذا الكيان الصغير نحو 500 مليون دولار في وقت يواجه فيه عجزاً في الميزانية، وستحول دون التصدي لمشكلات حرجة مثل المستشفيات المكتظة والمدارس الفاشلة، وستضطر الجيش لانتظار الموافقة على خطة إنفاق جديدة مدتها خمس سنوات على الرغم من التهديدات المتزايدة في لبنان وسوريا والعراق وإيران.

ومع ذلك، قال يوهانان بليسنر، رئيس معهد Israel Democracy Institute غير الحزبي، إنَّ المؤسسات الحاكمة في إسرائيل لا تزال قوية، لا سيما سلطات إنفاذ القانون التي أصدرت للتو لائحة اتهامات بحق رئيس وزراء حالي لأول مرة.

وعلى الرغم من العيوب الكامنة في النظام الانتخابي وبعض أوجه الغموض القانونية في كيفية التعامل مع رئيس وزراء قيد المحاكمة، قال بليسنر: "لا أعتقد أنَّ هناك ما يثير القلق على المدى الطويل".

ولفت بليسنر أيضاً إلى أنَّ "إسرائيل لا تزال ضمن زمرة الدول صاحبة الأنظمة الحاكمة الجيدة" حسب تعبيره. فمنذ منتصف التسعينيات، أجرت انتخابات بمتوسط مرة ​​كل 2.3 سنة، لكنها تبدو الآن أشبه باليونان، التي عقدت ثلاث جولات انتخابات في غضون 10 أشهر. وقال: "حالة غياب الاستقرار هذه ليست شيئاً نفخر به، لكنها قَدَرنا، وفي الوقت نفسه الديمقراطية الإسرائيلية قوية"، حسب تعبيره.

نتنياهو يتكئ على دعم ترامب له

ومع تعالي الأصوات التي تطالب نتنياهو بالتنحي، صاغ رئيس الوزراء حجة مُفصّلة حول سبب السماح له بالاستمرار على رأس الحكومة، على الأقل خلال الأشهر الستة الأولى من اتفاق تناوب السلطة مع غانتس.

فنظراً لتفضيل إدارة ترامب نتنياهو، جادل هذا الأخير قائلاً: "لدى تيار اليمين في إسرائيل نافذة من الفرص للضغط على ترامب للحصول على خدمات جديدة مهمة"، لكن هذه النافذة يمكن أن تُغلَق مع احتدام سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2020، ناهيك عن احتمال خسارة ترامب فيها.

وعلى رأس هذه الخدمات، الموافقة على ضم غور الأردن لإسرائيل، وهي منطقة فلسطينية زراعية مكتظة بالسكان يصر نتنياهو على أن تحتفظ إسرائيل بوجود عسكري فيها، ضمن أية تسوية مع الفلسطينيين.

ويتحدث نتنياهو أيضاً عن معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة، على الرغم من أنَّ القادة العسكريين الإسرائيليين يستبعدون منذ فترة طويلة أن تكون هناك حكمة وراء توقيع مثل هذا الاتفاق، قائلين إنه يمكن لإسرائيل أن تعتمد بالفعل على الدعم الأمريكي كلما استدعت الحاجة، لكن توقيع إسرائيل اتفاقاً رسمياً قد يورطها في صراع إقليمي.

سياسة حافة الهاوية

وتُظهِر استطلاعات الرأي أنَّ معظم الإسرائيليين يعتبرون نتنياهو هو المسؤول عن اضطرارهم للعودة إلى صناديق الاقتراع. لكن بعض المدافعين عن نتنياهو من تيار اليمين ألقوا باللائمة في استمرار الجمود السياسي على غانتس لرفضه الانضمام لائتلاف حاكم بقيادة نتنياهو، ولو لبضعة أشهر فقط. وهناك آخرون لاموا أفيغدور ليبرمان، زعيم الحزب القومي المتطرف "إسرائيل بيتنا" وحليف سابق لنتنياهو، قبل أن ينشق عن التحالف الديني اليميني.

والشيء الوحيد الذي بدا أنَّ الأطراف جميعها مستعدة للاتفاق عليه كان موعداً جديداً للانتخابات، لكن ليس من دون بعض النقاشات معاً، وجولة أخرى من اللعب بسياسة حافة الهاوية في اللحظات الحرجة. 

موعد الانتخابات القادمة قد يضر بفرص اليمين الإسرائيلي

وكان قد خُصِص يوم الثلاثاء الموافق 10 مارس/آذار 2020 للانتخابات القادمة، الذي يوافق عيد "البوريم"، وهو عيد يهودي يُفرِط فيه المحتفلون في الشرب لدرجة لا يصبحون معها قادرين على أداء أية واجبات مدنية تتطلب الوعي. أما يوم الثلاثاء السابق له فهو يوم للاحتفال بذكرى الجنود الضحايا.

في حين يتزامن الثلاثاء الثالث من شهر مارس/آذار مع ذكرى وفاة حاخام الحاسيديم الغامض. وتتخوف الأحزاب الدينية المتطرفة من أنَّ الكثير من ناخبيها سيكونون خارج البلاد في ذلك اليوم؛ إذ سيخرجون في رحلات لزيارة قبر الحاخام في بولندا.

لذا بعد التخلي عن أي أمل بعقد الانتخابات في أيٍ من أيام الثلاثاء، وافق المشرعون مؤقتاً على يوم الإثنين، الموافق 2 مارس/آذار، على الرغم من أنَّ ذلك يأتي في خضم مؤتمر السياسة الذي تنظمه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) -جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل. وهذا المؤتمر هو بمثابة القبلة في رحلة حج سنوية إلى واشنطن يخرج إليها كبار السياسيين الإسرائيليين. 

لكن حتى التصويت على هذا الاتفاق، عُلِق نتيجة مساومة بين حزبي "الليكود" و"الأزرق الأبيض"، وكان من غير المرجح أن يصدر قرار نهائي بشأنه حتى صباح اليوم الخميس، 12 ديسمبر/كانون الأول.

لكن أياً كان تاريخ الانتخابات، فقد لا تكون الجولة الثالثة هي التميمة التي ستجلب الحظ. فإذا فشل هذا التصويت في تشكيل حكومة، ينص القانون الإسرائيلي على وجوب إجراء جولة رابعة.

تحميل المزيد