ماذا حدث: منذ الثورة على نظام معمر القذافي التي دعمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2011، أصبحت الدولة الغنية بالنفط الواقعة في شمال إفريقيا في حالة اضطراب دائم. بدأت آخر مراحل هذه الاضطرابات في أبريل/نيسان الماضي، عندما زحف القائد العسكري خليفة حفتر وقواته إلى العاصمة طرابلس، عازمين على إزاحة الحكومة الشرعية المدعومة دولياً الموجودة هناك. ومن بعدها أخذت المعركة المستمرة لفرض السيطرة على المدينة تتسارع في اتجاه مزيدٍ من تدخلات روسيا ودول الجوار في ليبيا، في تحركات ترمي إلى تشكيل مستقبل الدولة العضو في منظمة "أوبك". وقد نجم عن القتال الدائر للسيطرة على مدينة طرابلس مقتل أكثر من ألف شخص ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين حتى الآن.
في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، سنحاول الإجابة على بعض الأسئلة الهامة الخاصة بالوضع الحالي في ليبيا وخريطة التحالف المتواجدة على الأرض.
1. من يتنافس على السلطة في ليبيا؟
جاء رئيس الوزراء فايز السرّاج إلى السلطة من خلال اتفاق سياسي دعمته الأمم المتحدة في عام 2015. لكن حكومة مناوئة تشكلت في شرق ليبيا وانحازت إلى حفتر صاحب الـ 76 عاماً. وتكون التحالف التابع له من بقايا قوات نظامية وميليشيات، وأُطلق عليه اسم "الجيش الوطني الليبي"، واكتسب شهرةً على إثر استيلائه على مدينتي بنغازي ودرنة من متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة. أخذ حفتر يوسّع من نطاق تمدده تدريجياً على شرق البلاد ثم الجنوب، وهو ما مكّنه من السيطرة على معظم حقول ومحطات النفط الليبية. وأثارت محاولة لبيع النفط العام الماضي تحذيراً من الولايات المتحدة، وهو ما أجبر حفتر على إعادة السيطرة على المورد إلى مؤسسة النفط الوطنية وعائداتها إلى البنك المركزي، وكلاهما تقع مسؤوليته على الحكومة في طرابلس. بعد ذلك، قرر حفتر التقدم في أبريل/نيسان باتجاه العاصمة.
2. ما الحالة التي عليها الصراع؟
منذ الأسبوع الأول من القتال، لم تشهد خطوط القتال تغيراً كبيراً. فقد أخذت القوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً، بدعم من الطائرات التركية بدون طيار، تحقق نجاحات عديدة، وتمكنت من استعادة مدينة غريان، قاعدة حفتر الأمامية خلال الصيف. منذ ذلك الحين، أخذت قوات حكومة طرابلس تصارع من أجل الحفاظ على أرضها، في الوقت الذي وصل فيه مئات من المرتزقة الروس إلى الخطوط الأمامية لدعم حفتر، وتقديم خبرتهم في مجال المدفعية والقتال الأرضي وما اكتسبوه من ثقل في ساحات القتال في سوريا وأوكرانيا. وتسعى قوات حفتر، التي باتت مدعومة أيضاً بمرتزقة سودانيين وطائرات إماراتية، إلى اختراق الخطوط الدفاعية والوصول إلى ضواحي طرابلس.
3. لماذا شنَّ حفتر المعركة على طرابلس؟
كان حفتر يتعهد لسنوات بالاستيلاء على طرابلس، بعد أن أجبرته محاولة انقلاب فاشلة قام بها في عام 2014، على الركون إلى قاعدة في الشرق. وكانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وقوى أخرى قد أملت في تجنب هجوم على طرابلس، من خلال التفاوض على اتفاق سياسي بين الفصيلين. وقال مستشارو حفتر إنهم لا يثقون في السرّاج للالتزام بصفقة تقاسمٍ للسلطة من المفترض أن يتبعها إجراء انتخابات، واتهموه بأنه مدين للميليشيات والمتطرفين، واشتكوا من أن عائدات النفط قد وزعت بصورة جائرة تنتقص من حقوق منطقة شرق البلاد المهمشة تاريخياً. وتردُّ حكومة السرّاج على تهمة التطرف بالإشارة إلى تعاونها مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، ونجاح القوات الموالية للحكومة في طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة سرت الساحلية في عام 2016. كذلك تتهم حكومة طرابلس حفتر بالسعي إلى استعادة الديكتاتورية العسكرية وفرض حكمها على البلاد.
4. من الذي يدعم الجانبين محلياً؟
يحظى حفتر بدعم القبائل الرئيسية في الشرق، وبعض مدنِ غرب البلاد، ومنها مدينة ترهونة المجاورة لطرابلس. في حين تدعم حكومة السرّاج قوات في طرابلس وفي مصراتة المجاورة لها، إلى جانب الكتائب القوية التي يقودها وزير الدفاع السابق أسامة الجويلي بالزنتان. بيد أن كلا الجانبين أخذ يعتمد على نحوٍ متزايد على الرعاة الأجانب.
5. كيف اختارت دول المنطقة انحيازها إلى أي من الجانبين؟
على الرغم من أن الإمارات ومصر قد كان لديهما منذ البداية مخاوف تتعلق باحتمال تحول الهجوم إلى مستنقع، فإن ذلك لم يمنعهما من دعم حفتر ومساندته. إذ ينظر كلا البلدين إلى حفتر على أنه رجل موثوق يمكنهم الاعتماد عليه للسيطرة على ليبيا، علاوة على معارضتهم بعض حلفاء السرّاج من الإسلاميين، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك فإن بعض حكومات الشرق الأوسط تعتبرها جماعة مخربة تسعى للانقلاب على الحكم في البلدان المتواجدة فيها. أما على الجانب الآخر، فإن تركيا تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان تدعم جماعة الإخوان المسلمين وتتمتع بعلاقات جيدة مع السرّاج، كذلك حصلت تركيا من حكومة السرّاج على اعتراف بأن ثمة حقوقاً لتركيا في منطقة متنازع عليها غنية بالغاز في البحر المتوسط. وقال أردوغان مؤخراً إنه على استعداد لإرسال قوات عسكرية لدعم حكومة السرّاج، إذا طُلب منه ذلك.
6. إلى أي طرف تنحاز كل من روسيا والولايات المتحدة؟
في البداية، حافظت روسيا على اتصالات مع الجانبين، في الوقت الذي كانت تروج لسيف الإسلام القذافي نجل القذافي رئيساً مستقبلياً للبلاد. ومع ذلك، بحلول شهر سبتمبر/أيلول، أخذت روسيا تحوّل دعمها صراحة إلى طرف حفتر، رغم مخاوفها المتعلقة بكونه شخصية كان لها صلات كبيرة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال إقامته التي استمرت 20 عاماً في الولايات المتحدة. وهكذا جرى إرسال أكثر من 1000 من قوات المرتزقة التابعة لـ "مجموعة فاغنر"، التي يقودها أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدعم حفتر ومساندته. من ناحية أخرى، أخذت الولايات المتحدة ترسل رسائل مختلطة إلى كلا الطرفين المتنافسين، إلا أن التدخل الروسي أخذ يدفعها إلى الضغط بقوة أكبر للتوصل إلى اتفاق سلام بين طرفي النزاع.
7. ما الوضع فيما يتعلق بإنتاج النفط؟
تمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في قارة إفريقيا. وقد أخذ مصطفى صنعالله، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الوطنية الليبية، يحذر من أن القتال في طرابلس قد يؤثر على الإنتاج. وكانت البلاد قد عانت اضطرابات نفطية كبيرة خلال سنوات الانتفاضة، لكن الإنتاج أخذ يستقر شيئاً فشيئاً ليبلغ أكثر من مليون برميل يومياً، ومع ذلك فإنه لا يزال أقل بكثير من 1.6 مليون برميل يومياً عن التي كان عليها الإنتاج قبل انتفاضة 2011. هذا في حين أن سيطرة حفتر على الحقول سيطرة غير مستقرة. إذ تقول الحكومة المعترف بها إنها تعتزم استعادة السيطرة عليها. وقد سبق أن تمكن مقاتلون موالون للحكومة في ديسمبر/كانون الأول، من إعلان سيطرتهم على حقل الفيل النفطي في الجنوب لفترة وجيزة، وهو ما تسبب في إيقاف عمليات إنتاج النفط مؤقتاً.
8. ما هي احتمالات السلام؟
تأمل ألمانيا في استضافة مؤتمر في يناير/كانون الثاني المقبل، يجمع الدول المتدخلة في ليبيا. وتريد أن تتوافق كافة الأطراف على احترام الحظر الذي كانت الأمم المتحدة فرضته على عمليات نقل الأسلحة إلى ليبيا، وصياغة حل سياسي يمكن لأطراف النزاع في ليبيا التوافق عليه. على الرغم من ذلك، فإن متشككين يذهبون إلى أن القوى الأجنبية ليست مستعدة بعد للتوصل إلى تسوية.