يرتقي الرئيس الجديد، عبدالمجيد تبون، كرسيَّ الحكم في الجزائر، محاطاً بأشواك أزمة سياسية لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ عقود، وأوضاع اقتصادية عاصفة، وهجمات شرسة للانتقاص من شرعيته بعد الفوز في انتخابات شهدت إقبالاً ضعيفاً، في ظل معارضة حركة احتجاجية ضخمة.
وفاز تبون (74 عاماً)، بالسباق الانتخابي، متفوقاً على المرشحين الأربعة الآخرين، وجميعهم، مثله، من كبار المسؤولين السابقين، وحصد 58 في المئة من الأصوات، مُنهياً المعركة الانتخابية من الجولة الأولى.
هل ينجح في وقف الاضطرابات؟
وتأمل السلطات أن يُنهي انتخاب رئيس جديدٍ الاضطرابات المستمرة على مدى عدة أشهر، منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بعد 20 عاماً بسدة الرئاسة، في أبريل/نيسان، عندما سحب الجيش دعمه له إثر مظاهرات حاشدة.
لكن المتظاهرين يرفضون الانتخابات برمَّتها، ويعتبرونها خدعة دبرتها سلطات يلفها الغموض ويدعمها الجيش، لإخماد الانتفاضة المستمرة منذ أشهر، واستعادة النظام السياسي القديم.
وفي أثناء توليه وزارة الإسكان، كان تبون مسؤولاً عن بناء المسجد الأعظم في الجزائر صاحب أطول مئذنة بالعالم، وهو مشروع دفعت به الحكومة كرمز وطني، وعن توسيع نطاق البرنامج الحكومي السخي لبناء منازل منخفضة التكلفة، ليشتمل على مليون شقة جديدة.
ويقول مسؤولون إن 40 في المئة من الناخبين أدلوا بأصواتهم، وهو ما يكفي لإضفاء الشرعية على العملية.
لكن المتظاهرين والمتعاطفين معهم الذين قاطعوا الانتخابات، يمكن أن يطعنوا في التفويض الذي حصل عليه تبون. ونظراً إلى غياب قيادة واضحة للحركة الاحتجاجية، يبقى السؤال المحير: مع من سيتفاوض تبون على مسار يحظى بالقبول على نطاق واسع للمضي قدماً؟
الوضع الاقتصادي الصعب
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، يواجه تبون أصعب وضع اقتصادي تشهده الجزائر منذ عقود، مع تراجع عائدات الطاقة والتخفيضات الصعبة في الإنفاق الحكومي.
وانخفضت صادرات الطاقة، وهي مصدر 95 في المئة من عائدات الدولة، بنسبة 12.5 في المئة هذا العام. واستنفدت الحكومة أكثر من نصف احتياطياتها من العملات الأجنبية منذ بدء انخفاض أسعار الطاقة في عام 2014، ووافقت على خفض الإنفاق العام بنسبة تسعة في المئة العام المقبل، دون المساس بالدعم بالغ الحساسية من المنظور السياسي.
كما أقرت قواعد استثمار جديدة، لكي تسمح للشركات الأجنبية بامتلاك حصص أغلبية في "القطاعات غير الاستراتيجية"، وتسهّل على شركات النفط العالمية العمل مع شركة الطاقة الحكومية "سوناطراك".
وكان تبون يُنظر إليه خلال سنوات عمله وزيراً في حكومة بوتفليقة، على أنه من التكنوقراط. وشغل منصب رئيس الوزراء في عام 2017، ليُعزل بعد أقل من ثلاثة أشهر، عندما تعرَّض لرجال الأعمال الكبار ذوي النفوذ في الحلقة المحيطة بالرئيس، وكثير منهم في السجون الآن بتهمة الفساد.
كيف استفاد تبون من الحراك؟
وحاول تبون، كغيره من المرشحين، تسخير حركة الاحتجاج واستغلالها كمصدر للتأييد من أجل الإصلاح، في الوقت الذي يرفض فيه جوهر رسالتها بتنحية النخبة الحاكمة برمتها وإبعاد الجيش عن السياسة.
واستغل الملابسات التي أحاطت بالفترة الوجيزة التي قضاها في رئاسة الوزراء عام 2017، لتلميع صورته وتعزيز أوراق اعتماده بوصفه شخصية نزيهة وقفت في مواجهة بوتفليقة. وتعهد خلال حملة الانتخابات "بفصل المال عن السياسة".
ومع ذلك، اعتُقل ابنه أيضاً في عملية التطهير التي أعقبت سقوط بوتفليقة، وهو الآن بانتظار المحاكمة، بتهمة الكسب غير المشروع. ويقول أنصار تبون إن محنة ابنه شاهد ودليل على استقلاله عن السلطات المدعومة من الجيش.