تجري الجزائر يوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 انتخابات رئاسية مثيرة للجدل، ترفضها المعارضة والحراك الشعبي، حيث تعتبرها إعادة إنتاج وتجميل للنظام القائم.
ورغم رفض المعارضة والحراك لقرار السلطة بإجراء الانتخابات فإن الاحتجاجات الجزائرية حافظت على سلميتها.
وترى الحكومة أن الانتخابات هي الطريق الوحيد لتكريس الحل الدستوري، أي المرور بالاقتراع بديلاً عن المرحلة الانتقالية.
في المقابل، تعتقد غالبية المتظاهرين في الحراك السلمي، أن هذه الانتخابات هي "تكريس للثورة المضادة، وعودة لرموز نظام بوتفليقة".
وتبدو الصورة غير واضحة تماماً لكثيرين، لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في البلاد بعد الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول القادم.
وفي ظل هذا الجدل حول الانتخابات وتوقيتها يبدو هوية المقاطعين والرافضين لا تقل أهمية عن المرشحين والأهم من الطرفين السابقين هو القوى الفعلية التي تحكم البلاد، التي يتوقع أنها ستواصل سيطرتها بعد تنصيب الرئيس.
فيما يلي بعض القوى الأساسية في البلاد:
الجيش وقائده.. تخلص من منافسيه داخل النظام
صار رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح أقوى شخصية في الجزائر هذا العام بعد تراجع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه، الذي جاء به إلى منصبه عن الترشح إثر احتجاجات واسعة النطاق، رفضت عهدته الخامسة التي تقدم لها وهو قعيد ولا يستطيع حتى الظهور أمام الإعلام.
ولد صالح عام 1940، وشارك في حرب الاستقلال عن فرنسا وعزّز دوره كضابط كبير خلال الحرب الأهلية التي دارت في التسعينيات، والتي عينه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعدها قائداً للجيش عام 2004.
وعلى الرغم من أن الجيش موجود منذ وقت طويل في قلب الدولة الجزائرية، فقد تراجع دوره قليلاً في ذروة قوة سلطة بوتفليقة.
ويعتقد أن الجيش استغل الاحتجاجات لتطهير الأجنحة المنافسة له، ومن بينها جهاز الأمن والمخابرات الذي كان في وقت من الأوقات القوة الرئيسية في البلاد.
وكان رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح المؤيد للانتخابات قد قال عن الانتخابات إنها قرار لا رجعة عنه، بينما يتحدّى ناشطون وحقوقيون هذه الانتخابات، ويتوعّدون بمقاطعة تاريخية لها، خاصة في منطقة القبائل.
وسبق أن حذّر رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح من "عرقلة" الانتخابات الرئاسية، مهدّداً "مَن يقف حاجزاً أمام هذا الحل الدستوري" بالجزاء "الرادع".
الحرس القديم المعزول.. شطر في السجن وآخر بالقصر
شارك بوتفليقة في حرب الاستقلال، وساعد في إنهاء الصراع بين الدولة والإسلاميين المتشددين في التسعينيات، وشغل منصب رئيس الدولة في عام 1999.
وبعد إبعاده من الرئاسة، في أبريل/نيسان، صدر حكم على شقيقه والقائم الفعلي بسلطاته الرئاسية سعيد بوتفليقة بالسجن 15 عاماً لإدانته بالتآمر على الجيش.
وصدر حكم مماثل على منافسهما الرئيسي في هيكل السلطة، وهو محمد مدين، رئيس جهاز المخابرات السابق.
وعلى الرغم من أن كثيراً من حلفاء بوتفليقة مقدمون للمحاكمة أو صدرت عليهم أحكام بالسجن، لا يزال بعض حلفائه في السلطة، ومن بينهم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.
المرشحون.. مقربون للسلطة بدرجات متفاوتة، فهل هناك من تقبله المعارضة؟
قبلت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وهي هيئة مستقلة نظرياً، أوراق خمسة مرشحين من بين 23 تقدموا لخوض الانتخابات.
وتتراوح أعمار المترشحين بين 56 و75 سنة، وجميعهم تقلّدوا مناصب سياسية في عهد بوتفليقة.
والخمسة المرشحون هم:
– على بن فليس رئيس الوزراء بين عامي 2000 و2003. وخاض بن فليس انتخابات الرئاسة دون نجاح مرتين أمام بوتفليقة.
وينظر لابن فليس على أنه "جزء من النظام السابق"، وأنه أقرب لأحزاب المعارضة التقليدية، خاصة بعد رفضه للمرحلة الانتقالية، وقبوله دعوة الجيش للانتخابات.
واتهم القضاء الجزائري عضواً في فريق علي بن فليس الرئاسي بالقيام بـ "أفعال استخباراتية" لصالح دولة أجنبية، ولم يذكر القضاء اسم الدولة الأجنبية، لكن بعض المصادر الإعلامية رجحت أن تكون فرنسا.
– عبدالمجيد تبون الذي كان حليفاً لبوتفليقة في وقت من الأوقات، ويتذكره غالبية الجزائريين كوزير للسكن.
وشغل منصب رئيس الوزراء لأقل من ثلاثة أشهر في عام 2017، لكنه أقيل عندما حاول توجيه تهم الفساد لرجال أعمال أقوياء.
– عبدالقادر بن قرينة، فهو ممثل التيار الإسلامي في قائمة المرشحين.
وكان أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم (تيار الإخوان المسلمين) قبل أن ينشق عنها ويؤسس حركة البناء الوطني.
– عز الدين ميهوبي وزير الثقافة السابق ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحد الحزبين الرئيسيين للسلطة، إلى جانب جبهة التحرير الوطني.
يقال إن ميهوبي يدعمه حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم رغم أن الحزب قال في وقت سابق إنه لن يؤيد أي مرشح.
– عبدالعزيز بلعيد، هو الأقل شهرة بين المترشحين، وقد تدرج في المنظمات الشبابية الموالية للسلطة، وكان طيلة مسيرته من بين من اعتمد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة على دعمهم في سنوات حكمه.
وهو عضو سابق في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. وشكل في وقت لاحق جبهة المستقبل، وخسر أمام بوتفليقة في انتخابات الرئاسة عام 2014.
من يقاطع الانتخابات؟
الحراك الشعبي.. رفض حازم وحشد جارف بلا قيادة وبسلمية لافتة
ظهرت الحركة الاحتجاجية في الربيع عندما تظاهر مئات الآلاف احتجاجاً على اعتزام بوتفليقة الترشح لفترة خامسة.
وليس لحركة الاحتجاج التي يسميها الجزائريون "الحراك" قيادة وتنظم نفسها عبر نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويطالب المحتجون بتخلي الحرس القديم عن الحكم، وإنهاء الفساد، وابتعاد الجيش عن السياسة. ويرفضون أي انتخابات في وجود الحرس القديم في الحكم قائلين إن الانتخابات لن يكون لها معنى.
ويحافظ الحراك على سلميته رغم رفض مطالبه وتنفيذ السلطة بعض الاعتقالات في أوساط نشطائه.
المعارضة الإسلامية.. مقاطعون على وقع الحراك
تقاطع الانتخابات حركة مجتمع السلم (حمس)، وكانت من القوى المشاركة في "التحالف الرئاسي" الذي دعم بوتفليقة، حتى انسحابها منه في 2012.
وجاء القرار في نهاية أعمال مجلس الشورى في حركة مجتمع السلم، أكبر حزب معارض في البرلمان، حيث يمثله 34 نائباً من أصل 462.
وقال مسؤول الاتصال في الحزب الإسلامي عبدالله بن عجيمية إن "شروط" تنظيم الانتخابات "مثل الشفافية وتلبية مطالب الحراك الشعبي ليست متوفرة".
وتقاطعها أيضاً جبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها عبدالله جاب الله (إسلامي).
والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي أسسه كريم طابو أحد المسؤولين السابقين في جبهة القوى الاشتراكية المعارضة.
الأحزاب اليسارية والأمازيغية ومنظمة حقوقية ترفضها أيضاً
قبل ثلاثة أيام من إجرائها دعت سياسية ونقابات عمالية مستقلة ورابطة حقوق الإنسان وشخصيات وطنية وجمعيات ونشطاء من المجتمع المدني، في بيان إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في الجزائر المقررة في الخميس المقبل.
ومن بين الموقعين على البيان، حزب جبهة القوى الاشتراكية أقدم حزب معارض في البلاد (شعبيته تتركز في أوساط الأمازيغ)، وحزب العمال اليساري الذي تقضي زعيمته لويزة حنون عقوبة السجن بـ15 عاماً في السجن العسكري، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني (شعبيته في أوساط الأمازيع)، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى شخصيات وطنية، ومثقفين، وفنانين، وصحفيين وجامعيين.
وحتى بعض الشخصيات المحسوبة على جبهة التحرير الحاكمة رافضة للانتخابات
ويرفض هذه الانتخابات أيضاً عدد من الشخصيات السياسية، من أبرزها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، وهو من الشخصيات الإصلاحية في جبهة التحرير الوطني.
وكان حمروش قد رفض دعوات شعبية تطالبه بالترشح، مشككاً في أن تؤدي إلى حل جذري للأزمة التي تمر بها البلاد.