كسرت المسيرات والتحركات الشعبية الرافضة للانتخابات الرئاسية الجزائرية حالة الصمت الانتخابي التي تعيشها البلاد منذ منتصف ليلة الأحد 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، استعداداً لإجراء الانتخابات غداً الخميس 11 ديسمبر/كانون الأول.
وإضافة إلى هذه المسيرات، توالت المواقف من شخصيات عامة رافضة للانتخابات التي يعتبرونها قسرية ومفروضة من قبل السلطة، فيما بدا موقف الإعلام الجزائري مثيراً وقلقاً ويثبت وجهة نظر المحتجين بأن هذه الانتخابات ستعيد إنتاج النظام.
160 ما بين حزب وشخصية تدعو للمقاطعة
في ليلة 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، صدر بيان من قبل أكثر من 160 شخصية وحزب، تدعو الجزائريين إلى مقاطعة الانتخابات التي يتنافس فيها خمس مرشحين.
وحسب صحيفة الخبر الجزائرية فإن الموقّعين لا يعترفون بهذه الانتخابات التي يعتبرون أن من ينظمها هم أتباع الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، ويتنافس فيها رجال من النظام الذي خرج ضده الشعب الجزائري قبل 10 أشهر من الآن.
وصف البيان هذه الانتخابات بالمهزلة، وظروف إجرائها لا تسمح بأن تتسم بالشفافية والنزاهة، ودعا المواطنين إلى مقاطعة الاستحقاق حتى التخلص من بقايا النظام السابق وتوفير الجو الديمقراطي لها.
يؤكد المحامي والحقوقي مصطفى بوشاشي أحد الموقعين على البيان، أن هذا البيان يأتي ليدعم مطالب الحراك المستمر والرافض للانتخابات الرئاسية التي ينظمها بقايا رجال بوتفليقة.
وقال بوشاشي لـ "عربي بوست": "أردنا كجزائريين أن نعبر عن رفضنا لهذه المهزلة، وأن نعلم الحراك بأن النضال مستمر إلى غاية إنهاء ما تبقى من حكم الرئيس بوتفليقة".
ووجه رسالة للجزائريين بالحفاظ على سلمية المسيرات والحراك والترويج لمقاطعة الاستحقاق القادم.
ممثلون ومخرجون يقاطعون
على نطاق واسع، انتشر فيديو ضم أكثر من 20 ممثلاً ومخرجاً من نجوم السنيما الجزائرية، يرفضون فيه المشاركة في انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وتوقعوا بقاء الأوضاع على حالها بعد الانتخابات المقبلة، ما دامت السلطة ما زالت تحت تسيير بقايا النظام السابق، وبنفس المنهج والسياسات، وقال جميعهم: "لا للانتخابات".
وقال اللوزي، ممثل وفنان الشوارع بالجزائر، إن الأجواء الراهنة لا تسمح بإجراء الانتخابات، وكل المؤشرات -في نظره- تشير إلى أن نفس السياسة ستستمر بعد الانتخابات، وبالتالي فهو يقاطعها ويدعو الجزائريين إلى فعل ذلك.
الممثلة أمل زان بدورها دعت إلى مقاطعة الانتخابات، واعتبرت المترشحين وجهاً من أوجه النظام السابق، ولا تأمل بأي تغيير أمام كل هذه الظروف، لذلك قررت مقاطعة الانتخابات.
الممثل عبدالقادر جدو بدوره قرر مقاطعة الانتخابات وقال: "هذه الانتخابات لا تمثلني، لأنها لن تكون نزيهة، ولن تغير شيئاً في الواقع".
المخرج أمين حتو هو الآخر يقاطع الانتخابات، ويطالب بإطلاق سراح معتقلي الرأي، ويدعو السلطة إلى تأجيل الانتخابات حتى توفير الجو العام الذي يضمن الحريات.
الشخصيات القيادية بالحراك مصرّة على موقفها
قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية أصدرت 19 شخصية سياسية قريبة من الحراك أبرزهم الدبلوماسي أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور وكذا وزير التربية الأسبق علي يحيى عبدالنور، بياناً شعبياً 10 ديسمبر/كانون الأول 2019 تؤكد فيه تمسّكها بالحراك ومطالبه.
واعتبرت الشخصيات أن الحراك الشعبي سيجتاز موعد الانتخابات الرئاسية المقررة غدا الخميس وأنها ستكون مجرد"محطة" نضالية سيجتازها الشعب مهما كانت التجاوزات لمنعه من استرجاع سيادته كاملة.
ودعا البيان إلى عدم التعرض لحقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم رغم الاختلاف في الاجتهادات وما بني عليها من مواقف سياسية وتجنيب أي احتكاك أو الرد على الاستفزازات من أي جهة كانت.
ودعا البيان السلطة القائمة إلى الابتعاد عن الخطابات الاستفزازية ولغة التهديد وتخوين كل من يخالفها الرأي في كيفية الخروج من الأزمة و "نحملها مسؤولية أي انزلاق قد تؤول إليه الأمور في قادم الأيام".
التحركات الشعبية الرافضة للانتخابات الرئاسية الجزائرية في مواجهة المؤيدين
كان هناك مشهد لافت قبيل الانتخابات الجزائرية بيومين، تمثل في خروج آلاف الطلبة في مسيرات رافضة للانتخابات يوم الثلاثاء الماضي.
ورفع الطلبة شعارات تندد بتنظيم الانتخابات في هذه الأجواء غير الملائمة، معبرين عن رفضهم المشاركة في خيانة الحراك كما سمّوه، معتبرين ما يحدث في الجزائر مهزلة بكل معنى الكلمة.
في المقابل، ما زال البعض يخرج تعبيراً لمساندة السلطة، وتنظيم الانتخابات في أوانها، معتبرين ذلك المخرج الأوحد من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، في ظل غياب منصب رئيس الجمهورية، وخرجت مظاهرات مؤيدة للانتخابات للشارع الجزائري.
وعبر هؤلاء عن مساندتهم لقرارات المؤسسة العسكرية وعلى رأسهم قائد الأركان أحمد قايد صالح، كما نددوا بمحاولات التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي الجزائري، خاصة بعد تصريحات الاتحاد الأوروبية المعروفة.
ويتخوف الناشط حمو عبدالقادر من أن تتطور هذه المسيرات والمسيرات المضادة إلى صدامات في الشارع بين المساندين والرافضين للانتخابات، خاصة يوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
ودعا عبدالقادر "جميع الجزائريين للحفاظ على سلمية المظاهرات، وتجنب الصدامات والاحتكاكات ولو كانت لفظية، كون ذلك قد يتطور إلى ما لا يحمد عقباه، والدخول في دوامة فوضى حل الخروج منها أعقد".
الإعلام يعود إلى سيرته الأولى
من المشاهد التي أثارت قلق الجزائريين قبيل انتخابات الخميس القادم، كون الإعلام سواء كان حكومياً أو خاصاً بات لا ينقل أصوات المتظاهرين في الشارع ضد الانتخابات التي تنظمها بقايا النظام السابق.
ويعتبر سمير دراح، أستاذ الإعلام والعلاقات العامة، سحب القنوات الحكومية والخاصة كاميراتها من الشارع، أو بالأحرى من الحراك والامتناع عن نقل مطالبه سقطةً كبيرةً وخطأً قد لا يغفره الشعب مستقبلاً.
ويقول دراح في هذا الشأن: "في بداية الحراك، كان الإعلام متوجساً وخائفاً، ولم يقحم نفسه في اللعبة، حتى تحرك الإعلام العمومي الذي كان ينقل كل كبيرة وصغيرة عن الحراك ومطالب الشعب".
ويضيف: "بعدها بدأت القنوات الخاصة تنقل تفاصيل الحراك، وتفتح أستوديوهاتها على الشارع، ما زرع الأمل في نفوس المواطنين الذين رفعوا في أكثر من مرة رايات تشيد بتلك القنوات".
"مع الجمعة الـ35 بدأت القنوات تسحب كاميراتها الواحدة تلوى الأخرى، حتى انقطع البث تماماً عن الحراك وباتت القنوات لا تنقل شيئاً، وهو ما أثار حيرة وسخط الشعب الذي كان مؤمناً بالتغيير الفعلي"، حسبما يقول دراح.
وأردف قائلاً: "فوق ذلك باتت تلك القنوات تروج للمظاهرات المضادة التي كانت تخرج للتعبير عن مساندة الجيش والانتخابات، وتخصص وقتاً كبيراً لذلك، خاصة في نشرات أخبار المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري بقنواته الأربع".
ولأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة تدوم نشرة الأخبار الرئيسية 20:00، قرابة الساعتين، نصف هذا الوقت طولاً يُخصص للمظاهرات المؤيدة للانتخابات، وبالمقابل لا تنقل ولو دقيقة واحدة عن حراك الشعب يوم الجمعة.
ونشر الناشط جمال ايسعد صورة عن الحراك، وتساءل عبر صفحته بفيسبوك عن سر غياب التلفزيون الرسمي والقنوات الخاصة؟
من هو مرشح النظام
ولأن المرشحين الخمسة قادمون من عباءة النظام بشكل أو بآخر فمن الصعب تحديد من منهم هو مرشح النظام أو تحديداً من هو مرشح الجيش أم أن الجيش العسكرية ليس له مرشح، كما يقول.
فخلال الأسابيع الماضية، أكد قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، "نهاية عهد صناعة الرؤساء". وأظهر تسجيل مصور لوزارة الدفاع في 29 نوفمبر/تشرين الماضي، صالح وهو يقول: "تعهدنا ولا رجعة في ذلك، قلنا لن نساند أي مرشح، والشعب هو من يختار وهو المسؤول عن اختيار الرئيس الجديد القادر على قيادة الجزائر".
وبدا أن هذا التصريح محاولة لتبديد الشكوك التي سادت في البداية حول دعم محتمل للمرشح عبدالمجيد تبون من قبل المؤسسة العسكرية.
وفي السياق، يرى الصحفي مسعود زيان، للأناضول، أن الشيء الذي يختلف هذه المرة عن الانتخابات السابقة هو "غياب مراكز الثقل المؤثرة، خاصة المخابرات القديمة بزعامة قائدها السابق محمد مدين المدعو توفيق (رهن الحبس)، فالجزائريون كانوا يعرفون أن توفيق هو صانع الرؤساء".
لكن موقف الإعلام الذي يخفي مظاهرات الحراك يشير إلى أن الأمور لا تزال تدار بطريقة اليد الخفية المسيرة للأحداث من ورا الستار.
وفي ظل الحياد الظاهر حالياً من قبل الإدارة ومؤسسة الجيش، بدت حظوظ المتنافسين الخمسة متقاربة جداً، خاصة عقب المناظرة التلفزيونية التي جرت الجمعة الماضية.
وأظهرت المناظرة، حسب تقارير إعلامية محلية، تساوياً في الطرح والحظوظ، بالشكل الذي استبعد فكرة المرشح "الأبرز".
وأمام تساوي الحظوظ ظاهرياً، يبقى الدور الثاني، احتمالاً وارداً، حسب أستاذ علم الاجتماع محمد قارة.
يقول أستاذ علم الاجتماع محمد قارة، للأناضول: "أتوقع دوراً ثانياً، بين عبدالمجيد تبون وعلي بن فليس".
ويضيف: "تبون، ومهما قيل، سيظل المرشح غير الرسمي للجيش والأجهزة الأمنية، بينما سيجمع بن فليس شتات الدولة العميقة (قوى مرتبطة بالقائد الأسبق لجهاز المخابرات محمد مدين)، وبعض الناقمين من الحزب الحاكم سابقاً".
ويفيد بأن مرشح حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، له حظوظ أيضاً، غير أن المدرسة التي ينحدر منها (التيار الإسلامي)، قد تمنعه من بلوغ كرسي الرئاسة.
وتقول آلية غانم، الباحثة الجزائرية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن رئيسي الوزراء السابقين علي بن فليس، وعبدالمجيد تبون، الأوفر حظاً للفوز.
وعن موقف الجيش، الذي أعلن عدة مرات عدم دعم أي مرشح، شددت غانم بالقول: "على أية حال، لن يتم أخذ أي قرار (بالنسبة للانتخابات) من دون قيادة الجيش".
وأوضحت: "الجيش يتحرك خلف واجهة من الممارسة الدستورية والتعددية، فيما يُبقي قبضته على السلطة ويظهر أن الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد راهناً خطيرة، وغالب الظن أن الجيش سيؤدّي دوراً سياسياً أكثر مباشرة، ويكتسب مزيداً من الحكم الذاتي".