الإبادة الجماعية في ميانمار تصل لمحكمة العدل الدولية، وهذا كل ما تحتاج إلى معرفته

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/10 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/10 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
الروهينغا يتعرضون لإبادة جماعية

أخيراً انتقلت مأساة مسلمي الروهينغا إلى محكمة دولية وسيسمع العالم مبررات صمت أون سان سو تشي الحاصلة على جائزة نوبل لمكافحة الاستبداد العسكري بشأن الجرائم البشعة رغم كونها زعيمة البلاد، فما قصة تلك الجلسة، ومن وراء وصول الأمور للمحكمة الدولية، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على جماعة الروهينغا؟

موقع كوارتز الأمريكي تناول القصة كاملة في تقرير بعنوان: "ما تحتاج إلى معرفته عن جلسة استماع أون سان سو تشي والإبادة الجماعية في ميانمار".

لماذا تتعرض سو تشي للانتقادات؟

اليوم الثلاثاء العاشر من ديسمبر/كانون الأول، تشهد جماعة الروهينغا، التي طالما استهدفتها حكومة ميانمار بسياساتها القمعية، أخيراً انتقال محنتها المأساوية إلى محكمة دولية.

ولن يدافع عن ميانمار سوى الزعيمة أون سان سو تشي، التي وافقت على السفر بنفسها إلى لاهاي بعد أن رفعت غامبيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية الشهر الماضي ضد الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا متهمةً إياها بارتكاب أعمال إبادة جماعية.

تعرضت أون سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لنضالها الطويل ضد الحكم العسكري في ميانمار، لانتقادات متزايدة في السنوات الأخيرة بسبب عدم رغبتها في إثارة قضية الأقلية المسلمة، الذين أُجبروا على ترك ديارهم غرب ميانمار بسبب العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش. ويعيش الآن مئات الآلاف منهم في مخيمات اللاجئين على طول الحدود مع بنغلاديش.

ولم يصدق الكثيرون أن المرأة التي عانت بنفسها كثيراً في عهد الحكم العسكري في ميانمار امتنعت عن اتخاذ موقف علني متضامن مع الروهينغا، والآن، ستكون هي من تقدم مبررات البلاد لاضطهادها هذه الأقلية المسلمة.

لماذا انتقلت قضية ميانمار إلى المحكمة؟

بعد سنوات من صمت الدول الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء عن مأساة الروهينغا، كانت غامبيا الدولة الصغيرة هي التي تحركت أخيراً لمُحاكمة ميانمار. وصرح وزير العدل والنائب العام في الدولة التي تقع غرب إفريقيا، أبوبكر تامبادو، الذي سبق له النظر في قضايا أمام محكمة الأمم المتحدة التي أقيمت للتحقيق في الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا عام 1994، لصحيفة The Washington Post إنه شعر بأنه يتعين عليه اتخاذ إجراء بعد قراءة تقرير للأمم المتحدة يورد تفاصيل الأعمال الوحشية التي ارتكبتها ميانمار بحق الروهينغا. ويُذكر أن غالبية سكان غامبيا البالغ عددهم مليوني نسمة هم من المسلمين، والبلاد نفسها تمر بعملية عدالة انتقالية، إذ تحقق محكمة محلية في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الديكتاتور القديم يحيى جامع، الذي فر من البلاد عام 2017.

وتحظى الدعوى المرفوعة في نوفمبر/تشرين الثاني بتأييد منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، والتي قالت في وقت سابق من هذا العام إنها ستساند دعوى قضائية ضد ميانمار.

وأوضحت منظمة هيومن رايتس ووتش أن القضية تقاضي بين دولتين عضويين في الأمم المتحدة وليست قضية جنائية ضد مرتكبي الجرائم المزعومة، لكن الدعوى التي قدمتها غامبيا تتهم ميانمار بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 لمنع الإبادة الجماعية. وهي تعتمد بدرجة كبيرة على تقرير الأمم المتحدة الذي صدر العام الماضي والذي توصل إلى أن حكومة ميانمار "قصدت ارتكاب إبادة جماعية" بحق الروهينغا، واتهمت الجيش، المعروف باسم تاتماداو (القوات المسلحة)، بالقتل والاغتصاب والتعذيب والسجن الجائر والعبودية الجنسية. وعرض التقرير الذي صدر عام 2018 أسماء قادة عسكريين بعينهم لمقاضاتهم بتهمة الإبادة الجماعية. وذكر التقرير أيضاً أن أون سو تشي، وهي أكبر زعيمة مدنية في ميانمار بتوليها منصب مستشارة الدولة، لم تستخدم سلطتها الأخلاقية ولا منصبها الفعلي رئيسة للحكومة لمنع الفظائع في ولاية راخين.

وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها إحدى الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية ممن لا تربطها صلة مباشرة بالقضية عضويتها في رفع دعوى، ويُذكر أن محكمة العدل الدولية منفصلة عن المحكمة الجنائية الدولية، التي يوجد مقرها في لاهاي أيضاً، والتي أجازت في نوفمبر/تشرين الثاني فتح تحقيق في ما تفعله ميانمار بحق الروهينغا، وقد يستهدف أفراداً وليس الدولة. وورد اسم أون سو تشي مباشرة في دعوى قضائية رفعت في الأرجنتين الشهر الماضي بموجب مبدأ "الولاية القضائية العالمية".

ماذا قالت ميانمار؟

نفت ميانمار هذه المزاعم، قائلة إنها تحارب الإرهاب الذي تمثله جماعات مثل "جيش إنقاذ روهينغا أراكان"، وهي جماعة متمردة تقاتل للدفاع عن حقوق الروهينغا. ويُذكر أن الحملة العسكرية الجديدة التي شُنت عام 2017 ضد الروهينغا أعقبت هجمات متمردين في وقت سابق من ذلك العام على مواقع أمنية.

ماذا قالت أون سان سو تشي؟

قادت أون سو تشي، رمز الديمقراطية التي فازت بجائزة نوبل للسلام عام 1991، حزبها للفوز في انتخابات تاريخية في عام 2015 بعد عقود من الحكم العسكري. وبعد منعها من شغل منصب الرئيس، تولت منصب "مستشار الدولة"، الذي استُحدث خصيصاً لها، وهي أيضاً وزيرة خارجية البلاد. وبصفتها زعيمة ميانمار، رفضت مراراً استخدام مصطلحات مثل "التطهير العرقي" لوصف الاعتداءات التي يرتكبها جيش ميانمار بحق أقلية الروهينغا، بل ورفضت حتى استخدام مصطلح "الروهينغا" للإشارة إليهم، ووصفته بأنه "يستثير المشاعر".

أون سو تشي

وقد أثار موقفها انزعاج وغضب الكثير من مؤيديها -معظمهم ممن يعيشون في الخارج- الذين عقدوا آمالهم على أون سو تشي لفترة طويلة باعتبارها الشخص الذي يمكن أن يساعد في تحول ميانمار إلى الديمقراطية. فيما يرى البعض أن النظام السياسي الذي ما زال فيه الجيش يتمتع بالقوة ويقيد السلطة المدنية، يحد من حريتها، إذ يسيطر الجنرالات، وليس الحكومة المدنية، على الأمن الداخلي والدفاع والحدود. وانحيازها إلى البوذيين الذين يشكلون أغلبية سكان البلاد، والذين ينظر الكثير منهم إلى الروهنغيا على أنهم مهاجرين غير شرعيين، يسمح لها بالحفاظ على شعبيتها المهمة لحكومتها.

ووجه لها كثيرون انتقادات أكثر حدة: إذ وصفها الدبلوماسي الأمريكي بيل ريتشاردسون مؤخراً بأنها "مفتونة بسلطتها" إلى حد أنها "قد تنتهك حقوق الإنسان لتحتفظ بتلك السلطة".

يُذكر أنه في يونيو/حزيران الماضي، ذهبت أون سو تشي، وهي الآن شخص غير مرغوب فيه في العديد من دول أوروبا الغربية الديمقراطية، في جولة في أوروبا الوسطى والشرقية والتقت برئيس وزراء المجر اليميني المتطرف وناقشا قضية هجرة المسلمين.

لماذا ستذهب أون سو تشي بنفسها إلى لاهاي؟

كان قرارها بالذهاب إلى المدينة الهولندية للدفاع عن حكومة ميانمار بنفسها مفاجئاً. إذ يعتقد البعض أن ظهورها سيزيد من تشويه صورتها في نظر الحكومات الأجنبية، وأنه لا ينبغي أن تخاطر بكامل سمعتها بالكامل -أو ما تبقى منها- للدفاع عن حكومتها ضد هذه الاتهامات الخطيرة في محكمة دولية عامة. وأشار آخرون إلى أنها كانت خطوة ضرورية لزيادة دعمها في الداخل، وخاصة دعم الجيش، وهي تستعد للانتخابات عام 2020.

يقول موقع The Irrawaddy، وهو موقع باللغة الإنجليزية ومقره ميانمار: "كما يقول المثل، أسدان في عرين واحد"، مضيفاً أن الجيش يعتمد على أون سو تشي لأداء مهمة الدفاع عما "لا يمكن الدفاع عنه" في لاهاي. ووصف ماثيو سميث، رئيس منظمة Fortify Rights غير الربحية، التي تتابع انتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار، قرار أون سو تشي بأنه "محاولة مقززة لاكتساب الدعم المحلي".

وحتى الآن، يبدو أن أون سو تشي تفوز بالدعم المحلي الذي تتطلع إليه. إذ يدعم الكثيرون في ميانمار ما تفعله الحكومة بحق الأقلية المسلمة، ويدينون ما يعتبرونه تغطية إعلامية متحيزة وغير حقيقية في الغرب عن قضية الروهينغا. وشارك بعض الأشخاص في ميانمار في جولات تصل تكلفتها إلى 2000 دولار إلى لاهاي لإظهار دعمهم لأون سو تشي أثناء المحاكمة.

ماذا سيحدث في لاهاي؟

ستعقد جلسات استماع لمدة ثلاثة أيام على الهواء مباشرة، حتى يوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، للنظر في طلب غامبيا اتخاذ تدابير مؤقتة لمنع ميانمار من اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الروهينغا أثناء سير القضية، أو من تدمير الأدلة.

مقر محكمة العدل الدولية

وهدف غامبيا النهائي هو أن تتوصل المحكمة إلى أن ميانمار ارتكبت جريمة إبادة جماعية، وأن تُلزم البلاد بمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم، وأمام محكمة دولية، وتقديم تعويضات إلى الروهينغا. ومن المرجح أن يستغرق اتخاذ أي قرار من 15 قاضياً ينظرون في القضية سنوات.

تحميل المزيد