شكَّلت المناظرة بين المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية ورقةً مهمة في يد السلطات، لمحاولة إنجاح الانتخابات وإضعاف الحراك الرافض لها، فكيف استقبل الشعب الجزائري المناظرة التلفزيونية الرئاسية؟ وهل أقنعته بالنزول للتصويت، أم أثبتت صحة رؤية الحراك بأنها انتخابات مبرمجة؟
المناظرة دامت أكثر من ثلاث ساعات من مساء الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2019، ونظمتها السلطة الوطنية للانتخابات بالتعاون مع التليفزيون الرسمي وأدارها إثنان من المذيعين واحدة منهما من التليفزيون الحكومي، إضافة إلى إثنين من الصحفيين.
وشكلت المناظرة فرصة للمترشحين في الانتخابات المقررة في 12 ديسمبر/ كانون الأول2019، للإجابة عن تساؤلات مسّت مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وقضايا والحريات، والأهم الموقف من عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة والحراك الرافض للانتخابات.
المناظرة بين المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية محاولة أخيرة لإنقاذ الحملة
يرى أستاذ العلوم السياسية، مراد بن ستي، أن مناظرة الخميس جاءت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مسار الحملة الانتخابية التي جُوبهت بالرفض والطرد من الشارع الجزائري.
ويقول مراد لـ "عربي بوست": "إن فشل الحملة الانتخابية كان وراء الإلحاح لتنظيم المناظرة، لتمكين المترشحين من التطرق ولو بجزء من البرامج الموجهة لاستمالة المواطنين".
يضيف قائلاً: "ومن ثم فإن المناظرة طُبخت لإعادة ماء الوجه للحملة، بعدما تعرض أغلب المترشحين إلى الطرد وإلغاء التجمعات الشعبية في أكثر من ولاية".
من جانبه قال الإعلامي بمجمع وقت الجزائر عبدالنور جحنين إن المناظرة جاءت ليس دفاعاً على الحريات والشفافية، بل جاءت لتمكين المترشحين من الحديث إلى الشارع الذي رفضهم طيلة الحملة الانتخابية، حسب تعبيره.
يقول جحنين لـ "عربي بوست": "المناظرة التي عشناها تختلف تماماً عما نراه في المناظرات التلفزيونية الغربية، وحتى في الجارة تونس، لأن الشارع الجزائري أصلاً يرفض في غالبه الانتخابات التي أجريت لأجلها المناظرة".
وكانت الحملة الانتخابية التي انطلقت في 17 نوفمبر /تشرين الثاني 2019 قد شهدت عمليات طرد ومنع للمترشحين من تنظيم تجمعاتهم الشعبية، مما أرغم السلطات على توفير الأمن للمترشحين ومرافقيهم، كما اضطروا لتنظيم التجمعات داخل قاعات مغلقة.
المناظرة تحدٍّ للشارع
عبالحق شاو، من ولاية برج بوعريريج وناشط في الحراك الجزائري، يرى أن المناظرة التلفزيونية ما هي إلا تحدٍّ للشارع، الذي يرفض الانتخابات منذ 22 فبراير/شباط 2019.
الغريب أن المناظرة تأتي مساء يوم الجمعة، الذي عرف خروج الجزائريين بالملايين في يومهم الـ42 وهم يرفضون إجراء الانتخابات، ورفض المترشحين الخمسة، حسبما يقول شاو لـ "عربي بوست".
من جانبه يرى الناشط السياسي والمناضل بحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، عثمان بن صيد، أنَّ المناظرة لعبة أخرى من السلطة لفرض الانتخابات بالقوة.
تريد السلطة من وراء المناظرة بين المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية التأكيد للعالم على أن الأمور تجري على ما يرام، وذلك ببث المناظرة بجل القنوات، عمومية كانت أو خاصة، رغم أن الشارع مازال يشهد المسيرات المليونية كل جمع، حسبما قال عثمان لـ "عربي بوست".
وهو نفس رأي الإعلامي عبدالنور جحنين، الذي قال لـ "عربي بوست": "إن المناظرة وجه آخر لتمرير الانتخابات بالقوة، وتحد للشارع الذي يرفضها".
إذ يقول "إن السلطة مررت تاريخ الانتخابات وترسيمها بالقوة، رغم رفضها من قبل الشعب، كما قامت بتمرير الحملة بتوفير التغطية الأمنية لها رغم اعتراضات الشعب، وهي اليوم تنظم المناظرة لتمرير الانتخابات بالقوة"، حسب تعبيره.
المناظرة ثمرة الحراك
في المقابل يرى الناشط محمد ساولين أنّ المناظرة بين المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية هي إحدى الثمار المهمة للحراك الشعبي، الذي أنهى عهد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
يقول ساولين لـ "عربي بوست": "إن المناظرة ما كانت لتكون لولا درجة النضج السياسي والديمقراطي الذي كان نتاج الحراك، وبالتالي وجب على شباب الحراك الفرح بما وصلوا إليه"، حسب قوله.
من جانبه قال عمر جرار، المناضل بحزب التجمع الوطني الديمقراطي (أحد الحزبين الحاكمين في عهد بوتفليقة)، الذي قدّم عزالدين ميهوبي كمرشح للرئاسة، إن حزبه يثمّن خطوة المناظرة ويعتبرها مقدمة مهمة للجزائر الجديدة، حسب قوله.
وقال لـ "عربي بوست": "كل من تابع المناظرة يكون قد وضع النقاط على الحروف بشأن خياره، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وهو ما يُعد درساً ديمقراطياً مهماً للغاية".
هل كانت موجَّهة؟
يؤكد الإعلامي بمجمع وقت الجزائر أن مستوى المناظرة كان باهتاً ودون المستوى، إلى درجة تكرار نفس السؤال على المترشحين الخمسة، وكأننا أمام امتحان في روضة للأطفال، لا أمام مترشحين للرئاسيات.
يؤكد جحنين: "فوق ذلك يبدو من خلال الردود أن المترشحين الخمسة قد هضموا الإجابات عن الأسئلة التي تبدو هي الأخرى مكشوفة لهم قبل اللقاء".
وبالتالي أصبح شبه واضح أن المناظرة كانت موجّهة، بالكشف عن كل تفاصيلها للمترشحين قبل الموعد، حسب قوله.
الكاتب والناقد عبدالكريم قادري، قال عبر حسابه الشخصي على فيسبوك: "أين المناظرة؟ لم أرَ سوى إجابات عن أسئلة محفوظة".
كما كتب الطبيب والناشط عادل بقة، في منشور له عبر فيسبوك "مناظرة شكلية، ومستوى في الحضيض، كوبي كوبي".
وكتبت الأستاذة الجامعية شوادرة رضا "مناظرة موجهة وغير تفاعلية بين المترشحين، افتقدت لزخم فن تسيير المناظرات الانتخابية" .
محرّمة على الصم والبكم
رغم الديكور الجميل الذي شوشت عليه الأضواء المتحركة، حسب الأستاذ في الإعلام بجامعة عنابة، محمد والي، فإن منظمي المناظرة وقعوا في أخطاء جسيمة.
وعلى رأس هذه الأخطاء إسقاط فئة الصم والبكم من المتابعة، من خلال انعدام لغة الإشارة، وهو خطأ فادح، حسبما قال والي لـ "عربي بوست".
كما رأى أن مستوى المقدمين أسهم في تعكير جو المناظرة، حيث كان هناك إهدار للوقت، وأخطاء في طرح السؤال، وفوضى في التنقل بين مترشح وآخر".
قال: "أحد المقدمين في ختام المناظرة أدى دور المترشح، من خلال الدعوة للتوجه بقوة إلى صناديق الاقتراع، وإنقاذ الجزائر".
الإعلامي بمجمع وطنية، حمزة شيبان، انتقد غياب لغة الإشارة أيضاً، وكتب على صفحته في الفيسبوك "من عيوبها.. مناظرة تحرم فئة الصم البكم من المتابعة.. أين لغة الإشارة؟".
تغييب الحراك.. مرشح واحد تحدث عن مستقبل المظاهرات
الملاحظة الأبرز في المناظرة بين المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية هي الحديث عن الحراك بصيغة الماضي، وكأن الشارع في الجزائر عاد أدراجه.
واعتبر أستاذ الإعلام بجامعة عنابة، محمد والي، تغييب استمرار الحراك ضربة قاضية لأغلب المترشحين، باستثناء المرشح عبدالقادر بن قرينة، الذي لمح إلى السماح بمواصلة الحراك حتى تحقيق كل المطالب.
قال والي لـ "عربي بوست": "جميع المترشحين استندوا إلى الشعب للتودد إلى الشارع، وعبروا على مساندتهم الحراك من أول يوم، لكن يخشى هؤلاء الاعتراف بتواصل المسيرات الرافضة لهم والانتخابات القادمة، وهي سقطة لا تخدمهم".
أضاف: "حتى الإعلاميون الذين أداروا المناظرة لا أحد منهم أشار إلى تواصل المظاهرات، وكأن الأمر مدبر لكي لا يذكر الحراك الشعبي المتواصل، وهو خطأ أفقد المناظرة موضوعيتها".
كيف استقبل الشعب الجزائري المناظرة التلفزيونية الرئاسية؟ الحراك يتحفز
بعد انتهاء المناظرة بين المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية، حوالي العاشرة ليلاً بالتوقيت المحلي، شهدت عدة مناطق خروج مسيرات سلمية رافضة للانتخاب.
اعتبر الناشط سعدي بوشامة هذا التحرك هو بداية التصعيد للرد على العصابة التي تريد فرض الانتخابات بالقوة، ورداً على المناظرة التي حاولت أن تبين أن الحراك انتهى.
قال السعدي لـ "عربي بوست": "لم نفهم لماذا كل هذا التجاهل للملايين التي تخرج كل جمعة، ولماذا تعمَّد المترشحون الخمسة والصحفيون عدم التطرق إلى الحراك".
كانت منشورات على فيسبوك وثّقت خروج مسيرات ليلية رافضة للانتخابات في ظل ما يصفه المتظاهرون بـ "تنظيم العصابات".
كان ناشطون قد دعوا إلى التصعيد في تنظيم المسيرات، والدخول في إضراب عام في الأيام الثلاثة التي تسبق الانتخابات، للضغط وإفشال مخطط تمرير الانتخابات الرئاسية في هذه الظروف.
مترشحون دون برامج
بعد إسدال الستار على الحملة الانتخابية للرئاسيات في الجزائر، واختتامها بمناظرة تلفزيونية هي الأولى في تاريخ البلاد، توقف متابعون عند برامج المترشحين، التي تبدو منعدمة وناقصة في الغالب.
يرى مداني عبدالمؤمن المرشح السابق للرئاسيات، أن محاولة المترشحين الظهور ببرامج متكاملة تقنع الشعب باءت بالفشل، باعتبار أن هؤلاء لم يصيغوا برامج مدروسة تتطلع لآمال الشعب، الذي يواصل الحراك الرافض للانتخابات.
قال مداني لـ "عربي بوست": "يتحجج المرشحون بالوضع السياسي المتأزم، واعتبروا الخروج من الأزمة أولى من البرامج والوعود، وإنجاح الانتخابات القادمة سيكون في مقدمة أولوياتهم".
أضاف: "وبالتالي ما تم تقديمه خلال الحملة الانتخابية هو عرض للمشاكل التي تعرفها مختلف القطاعات، وتقديم حلول على شكل كلام عام يصعب تطبيقه على أرض الواقع، بعيداً عن الأرقام الدقيقة والخطط المدروسة".
يقول الناشط السياسي محمد ساولين لـ "عربي بوست": "تؤكد المناظرة افتقار المترشحين لخطة مدروسة لإخراج البلد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعيشها منذ سنوات".
اجتمع الخماسي على مساندة الحراك في بدايته، وانتقاد عهد الرئيس المستقيل بوتفليقة رغم أن جميعهم كان "مطبلاً" لعهداته، ومشاركاً في حكوماته، حسب ساولين.
أجمع المترشحون الخمسة "على أن الأزمة السياسية في الجزائر كانت وراء الترشح لإخراج الجزائر بأخف الأضرار من نفقها هذا، لكن ذلك دون تقديم أي خطة أو برنامج مدروس".
ويضيف: "وبدا الخماسي المترشح وكأنه في قاعة بدل مناظرة، يتودد إلى الشعب لانتخابه، مع تقديم وعود وكلام شعبوي عام".
انتخابات بالقوة
حناجر الملايين التي تصدح، وحتى الجمعة الـ42 برفض الانتخابات في ظل بقاء وجوه النظام السابق كانت تكفي لقراءة المشهد، في نظر القيادي في حزب حركة مجتمع السلم المعارض نعمان لعور.
يقول نعمان لعور لعربي بوست "الجزائر مقبلة على تنظيم انتخابات بالقوة، يتم فرضها رغم رفض الشارع لها".
مضيفاً: "كان الأولى من كل هذا التعجيل الاهتمام بتوفير الأجواء المواتية لتنظيم الانتخابات، والقضاء على وجوه النظام السابق".
بالنسبة للناشط بن سريح مصطفى "فإن إيداع ملفات الترشح وقبولها وفتح مرحلة الطعون تلتها الحملة الانتخابية والعمل على تنظيم انتخابات مسرحية تهدف إلى كسر الحراك وفرض انتخابات مرفوضة".
عرس انتخابي
وقال أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري في 6 ديسمبر/كانون الأول 2019، أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها المحدد يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وقال إن "الكل مجند لإنجاحها".
أضاف القايد صالح في كلمة ألقاها خلال زيارة عمل وتفتيش قادته إلى الناحية العسكرية الخامسة "أن الجيش سيضمن مشاركة الشعب خلال الانتخابات وسيضمن نزاهتها بالتنسيق مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
قال قائد أركان الجيش الجزائري "نحن مقبلون على استحقاق مفصلي وهام، وهو الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، التي ستكون إن شاء الله تعالى عرساً انتخابياً تتجسد فيه الإرادة الشعبية، ومنطلقاً جديداً للجزائر على سكة البناء والتشييد".