"يوم فلسطيني بامتياز في قلب القاهرة" فقد أعلنت حركة الجهاد الإسلامي عقد اجتماع مكتبها التنفيذي الجديد في القاهرة يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 2019، وفي اليوم ذاته استضافت مصر قيادات حركة حماس بمن فيهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، لتجمع القاهرة بين قيادات الحركتين في يوم واحد.
وتعد خطوة عقد حركة الجهاد لمكتبها السياسي المنتخب في القاهرة، هي الأولى من نوعها، ولكن سبقتها إليها حماس بعقد عدة اجتماعات سابقة لمكتبها السياسي.
وأصدرت الجهاد الاسلامي بياناً أكدت فيه أن وفداً من قيادتها، برئاسة أمينها العام زياد النخالة، يزور مصر لتعزيز العلاقات معها، وإنهاء معاناة الفلسطينيين في الذهاب والإياب إليها عبر معبر رفح، وإطلاق سراح موقوفين فلسطينيين لدى أجهزتها الأمنية، ومطالبتها بالضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على الفلسطينيين.
"عربي بوست" أجرى اتصالات بمسؤولين في الجهاد لمعرفة أجندة اجتماع قيادتهم بالقاهرة، وسبب استضافة القاهرة لاجتماعهم الأول، لكنهم اعتذروا لسببين: أولهما الاكتفاء بالبيان الرسمي الصادر عن الحركة، وثانيهما الانتظار إلى حين انتهاء الاجتماعات، ومعرفة ما ستسفر عنه.
هل تطلب مصر من "الجهاد" وقف علاقتها مع إيران؟
تحتفظ حركة الجهاد الفلسطينية بعلاقة خاصة مع إيران، تفوق حتى علاقة حماس بطهران، فهل يمكن أن تطلب القاهرة من الجهاد الإسلامي إنهاء هذه العلاقة؟
حسن عبدو، المحلل السياسي القريب من الجهاد، قال لـ "عربي بوست" إن "مصر مكلفة من الجامعة العربية بإدارة الملف الفلسطيني، وتعمل في الآونة الأخيرة على احتواء المقاومة الفلسطينية، فهناك حاجة متبادلة بينهما".
وأضاف: "هذه العلاقة تحقق مصالحهما، مع أن مصر لم تطلب سابقاً، ولا أظنها ستفعلها لاحقاً، بوقف علاقات الحركة الإقليمية، خاصة بإيران، وكذلك الأخيرة لم تطالب بتحديد العلاقة مع مصر، فالفلسطينيون يعرفون مصالحهم، وينظمون علاقاتهم الإقليمية بما يخدم قضيتهم ومقاومتهم".
ووصف "أول اجتماع يُعقد للمكتب السياسي للحركة في القاهرة، بأنها خطوة لها رمزية ودلالة كبيرة على تطور العلاقة بمصر، ويتوقع أن تبحث الاجتماعات قضايا الحركة الداخلية، والوضع الفلسطيني بتشعباته: الداخلية كالمصالحة والانتخابات ورفع حصار غزة، والمبادرات الخارجية في وقف عملية العدوان الإسرائيلية المستمرة على الفلسطينيين".
مصر والمقاومة الفلسطينية.. من الحصار مروراً بالاتهام بالإرهاب وصولاً إلى العلاقات الخاصة
مرت علاقة مصر مع المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة بمراحل متقلبة، غير مستقرة، بدأت مع نظام مبارك الذي أقام علاقة أمنية وليست سياسية مع هذه الفصائل، بسبب خلفياتها الإسلامية في معظمها، وارتباطها بعلاقات إقليمية ليست على وفاق مع مصر.
وتدهورت العلاقة أكثر مع فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية الذي أثار قلق القاهرة وأخافها من انتقال تأثير الفوز للداخل المصري، وتفاقم الوضع مع اندلاع الخلاف بين حماس وفتح، ومحاربة الأخيرة لحكومة حماس التي كان يقودها إسماعيل هنية، الأمر الذي انتهى باستيلاء على السلطة في حماس، فيما تسميه فتح بالانقلاب وحماس بالحسم، والذي شكل بداية مرحلة جديدة من الانحدار في العلاقة بين القاهرة وحماس والجهاد.
ووصل الأمر إلى أن إسرائيل عندما أعلنت عن حربها على غزة في 2008 جاء ذلك من القاهرة على لسان وزيرة خارجيتها السابقة تسيفي ليفني، وهي تعقد مؤتمراً صحفياً مع نظيرها المصري أحمد أبوالغيط.
لكن القاهرة اضطرت لاحقاً للتسليم بوجود هذه الفصائل، والتعامل معها واقتصارها على البوابة الأمنية عبر جهاز المخابرات العامة.
بعد الإطاحة بمبارك في 2011، ومجيء الرئيس الراحل محمد مرسي في 2012، شهدت العلاقات المصرية بالمقاومة الفلسطينية انفراجاً غير مسبوق، وارتقت للمستوى السياسي، ودعمت القاهرة موقفها خلال العدوان الإسرائيلي ضد غزة في 2012.
ويقول بعض المراقبين: لعل ذلك من الأسباب التي عجَّلت بقرار إسرائيلي أمريكي إقليمي للإطاحة بمرسي، الذي أقام مع المقاومة شهر عسل لم يدُم طويلاً.
ومع تصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي واجهة الأحداث في 2013 وحتى قبل توليه الرئاسة، انتكست العلاقة المصرية مع المقاومة الفلسطينية بشدة.
فبدأت القاهرة ملاحقة حماس، وأعلنتها منظمة إرهابية، واتهمت فصائل غزة بالتخريب في سيناء، وتوِّج الأمر بحرب إسرائيل على غزة في 2014، حين مرت العلاقة الفلسطينية – المصرية بأسوأ مراحلها.
لكن الأشهر الأخيرة شهدت استدارة مصرية بعلاقاتها مع الفصائل الفلسطينية، وحماس والجهاد خصوصاً، فدأب ضباط مخابراتها على زيارة غزة بين حين وآخر، وعقد لقاءات مع جميع الفصائل، ومع كل فصيل على حدة، مما رفع من مستوى العلاقة بينهما.
هل هناك علاقة بين زيارة هنية واجتماع الجهاد؟
فبالتزامن مع انعقاد المكتب السياسي للجهاد في القاهرة، وصل إليها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، في مستهل جولة خارجية تشمل عدداً من الدول، وستشمل زيارته المسؤولين المصريين، وبحث التطورات الميدانية، والعلاقات الثنائية، والتهدئة مع إسرائيل، فيما سبقه إلى القاهرة عضوا المكتب السياسي للحركة، خليل الحية، وروحي مشتهى.
باسم نعيم، وزير الصحة الفلسطيني السابق، وعضو مكتب العلاقات الدولية في حماس، قال لـ "عربي بوست" إن "زيارة هنية للقاهرة يتم الترتيب لها منذ أشهر، ولا أظنها مرتبطة عضوياً بزيارة قيادة الجهاد، وإن كان تواجدهما هناك معاً سيفسح المجال لعقد لقاءات ثنائية لبحث تطورات الوضع الفلسطيني".
وأضاف أن "مصر معنية بالبقاء في المشهد الفلسطيني، وعدم ترك الساحة لإسرائيل تتحكم به، ونحن معنيون بأن تكون مصر بجانبنا، فوقائع الجغرافيا بين غزة ومصر تحتم تطوير العلاقة، بغض النظر عن النظام القائم في القاهرة، أو نشوء خلافات هنا وهناك حول بعض التفاصيل، كل ذلك لا يؤثر على التقارب الاستراتيجي الجاري في هذه المرحلة بين الجانبين".
بعدما كانت تنأى بنفسها عنهم.. المخابرات المصرية تتقارب مع القادة العسكريين للفصائل
وشهدت الأشهر الأخيرة في غزة تطوراً لافتاً في العلاقة المصرية مع الفصائل الفلسطينية.
إذ إن هناك عناية خاصة من قِبل المسؤولين الأمنيين المصريين بإقامة علاقات شخصية بالقادة العسكريين الفلسطينيين في غزة، عبر التواصل الدائم من ضباط المخابرات المصرية بمسؤولي الأجنحة العسكرية الفلسطينية، وهو سلوك غير مسبوق، حيث رفضت مصر سابقاً الجلوس معهم.
والآن على العكس من ذلك، فإن أعضاء وفود المخابرات المصرية حين يجرون لقاءات مع قادة الفصائل بغزة أو القاهرة، يصرون على أن يحضرها المسؤولون العسكريون الفلسطينيون، باعتبارهم يتحكمون في الميدان في غزة، ومصر حريصة على عدم حصول أي خرق للتهدئة مع إسرائيل، وهؤلاء العسكريون بيدهم، وليس سواهم، مفتاح التصعيد والتهدئة.
محمد البريم، أبومجاهد، المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، قال لـ "عربي بوست" إننا "معنيون كفصائل مسلحة بتطوير العلاقة مع مصر، هناك أكثر من دافع لذلك، أولها الجغرافيا التي تربطنا بها، وثانيها الاهتمام المصري المتنامي بتطورات الملف الفلسطيني، وثالثها رغبتنا الدائمة بإطلاع القاهرة على آخر تطورات رفع الحصار عن غزة، ورابعها التطلع المصري لإنجاز صفقة تبادل أسرى جديدة بين المقاومة والاحتلال".
وأضاف أن "الأمل يحدونا بالارتقاء بالعلاقة مع مصر لمستويات متقدمة جداً، وتأخذ أبعاداً استراتيجية، لما فيه خدمة أبناء شعبنا في غزة".
يبدو السلوك المصري الجديد في التقارب المتنامي مع الفصائل الفلسطينية أمراً لافتاً، لاسيما أن هذه الفصائل ذات توجهات عسكرية مقاومة.
كما أنها تحمل أيديولوجية إسلامية واضحة لا تخطئها العين من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة فإن شبكة العلاقات الإقليمية التي ترتبط بها هذه الحركات (إيران، وتركيا، وقطر)، لا تنظر لها القاهرة بعين الرضا، لكنها تقفز عليها مرحلياً على الأقل.