سعى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في السابق، وراء خطط عملاقة لطرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب في بورصة لندن أو بورصة نيويورك لجمع 100 مليار دولار أمريكي، ولكن اكتتاب أرامكو وفقاً لهذا السيناريو لم يتحقق.
على الأرض، ومع نهاية بيع الأسهم في أرامكو في اكتتاب محلي، تبدو النتائج أكثر تواضعاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
إذ ستُباع أسهم بقيمة تصل إلى 25 مليار دولار فقط، وكلها بالكامل تقريباً لمستثمرين سعوديين وخليجيين.
وتجنبت المؤسسات الدولية هذا العرض، الذي لم يُطرح في بورصة نيويورك أو بورصة لندن، ولكن في بورصة السعودية.
كيف تضرر اكتتاب أرامكو من اغتيال خاشقجي؟
يُعتبر هذا التراجع الهائل في طموحات ولي العهد السعودي الذي ظهر في اكتتاب أرامكو بمثابة نتيجة مباشرة للتراجع الكبير في الثقة الدولية بنظامه منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي العام الماضي، حسب The Washington Post.
ومع ذلك، يبدو أن بن سلمان -الحاكم المتهور كما يُعرف- لم يتعلم شيئاً من أخطائه، حسب تعبير الصحيفة الأمريكية.
لقد تم تغطية الاكتتاب، إلا أن الإقبال يبدو فاتراً رغم الحملة الإعلامية الضخمة.
كما أن التقييم الذي بيعت على أساسه أسهم الشركة أقل بأكثر من 300 مليار دولار من القيمة التي اقترحها الأمير محمد بن سلمان عند بداية فكرة طرح أرامكو في البورصة.
وقبل الاكتتاب، أجرت الحكومة السعودية مناقشات مع أكثر أسر المملكة ثراء بشأن أن يصبحوا مستثمرين رئيسيين في الطرح المزمع لحصة من الشركة النفطية الأكبر في العالم أرامكو، وذلك بحسب تقرير لبلومبيرغ الأمريكية مستشهداً بمصادر على صلة بالمناقشات.
ومع ذلك الاكتتاب لا يوقف القمع
واللافت أنه حتى عندما كانت الحكومة السعودية تعمل على زيادة بيع أسهم أرامكو الشهر الماضي، شرع النظام السعودي في شن حملة أخرى لقمع عدد من الكتاب والصحفيين.
وحددت منظمة القسط السعودية لدعم حقوق الإنسان، التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقراً لها، ثمانية كتاب أُلقي القبض عليهم خلال الفترة ما بين 16 نوفمبر/تشرين الثاني و21 نوفمبر/تشرين الثاني في العاصمة السعودية الرياض وثلاث مدن أخرى.
وبحسب ما ورد أُطلِق سراحهم جميعاً قبل يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد احتجاجات دولية واسعة النطاق. ولكن منظمة القسط قالت إن مصير كاتبتين أخريين اختفيتا مؤخراً، وهما زانة الشهري ومها الرفيدي القحطاني، ما زال مجهولاً.
إنه يعتقلهم رغم إيثارهم الصمت
ومن اللافت للنظر أن قلةً من الكتاب السعوديين كانوا نشطين مؤخراً، ومعظمهم كان مؤيداً لثورات الربيع العربي عام 2011، ولكنهم آثروا الصمت منذ صعود محمد بن سلمان إلى سدة الحكم. ومثلما أوضحت الباحثة السعودية مضاوي الرشيد في مقال رأي نُشِر بصحيفة Washington Post الأمريكية فهذا لا يزال يجعلهم مذنبين في نظر النظام السعودي بتهمة "جرائم التقصير، فهم جميعاً كتاب مستقلون فشلوا في تقديم دعم مطلق للأمير ومبادراته الجديدة".
إن قمع النظام السعودي الحالي، الذي يفوق بكثير القمع الذي مارسته الحكومات السابقة، يدمر خطط بن سلمان لتحديث الاقتصاد وتنويعه. بدلاً من ذلك، تتعرض السعودية للإفلاس ببطء: يزيد عجزها المالي هذا العام عن ضعف المبلغ الذي تجمعه من بيع أسهم شركة أرامكو.
ومع ذلك، لا يظهر محمد بن سلمان أي علامة على تغيير نهجه.
فوفقاً لمنظمة القسط: "تواصل السلطات السعودية اعتقال عدد من الرجال والنساء الأقل شهرةً ممن ينشطون على تويتر، الذين ما زالوا محتجزين في غرف التعذيب حيث تعرضت ناشطات بارزات في مجال حقوق الإنسان للتعذيب في وقت سابق".
وهذا بتشجيع من ترامب
وبعد انتقادات دولية مكثفة، أطلق النظام سراح بعض من ناشطات حقوق المرأة الثماني عشرة اللاتي ألقى القبض عليهن العام الماضي، مع فرض الإقامة الجبرية عليهن. لكنه لم يسقط القضايا الجنائية ضدهن، وما زال خمس من أبرز الناشطات محتجزات، من بينهن لجين الهذلول ونسيمة السادة، اللتين تقول منظمة القسط إنهما لا تزالان في الحبس الانفرادي.
ومن خلال تسامحه مع مقتل خاشقجي، شجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولي العهد السعودي على الاعتقاد بأنه يمكنه الاستمرار في التعامل بوحشية مع معارضيه وجذب الاستثمار الغربي اللازم لإنقاذ الاقتصاد السعودي.
لكن أحداث الشهر الماضي تشير إلى نتيجة مختلفة: نظام يتغذى فيه التعصب والعزلة الدولية على بعضهما.