يبدو أن الاعتقاد الشائع أن الاستماع إلى الموسيقى يساعد الإنسان على التركيز والإبداع أكثر ليس صحيحاً، بحسب خبراء أجروا دراسات عملية وخرجوا بنتائج تناقض هذا المفهوم، فما هي القصة؟
موقع ناتشورال نيوز الأمريكي نشر تقريراً عن قصة الموسيقى والتركيز بعنوان: "هل يُحسِّن الاستماع إلى الموسيقى قدرتك على التركيز؟ الخبراء يقولون لا"، وهذه تفاصيله.
هل الاستماع للموسيقى يعرقل الإبداع؟
يميل الكثير من الأشخاص للاستماع إلى الموسيقى أثناء العمل لتساعدهم على زيادة التركيز على مهامهم، لكن الأبحاث تختلف مع هذا المعتقد، إذ نشرت دورية Applied Psychology: An International Review دراسة توضح أنَّ الاستماع للموسيقى في أثناء العمل يشتت الذهن ويعرقل الإبداع.
وفي هذه الدراسة، راقب باحثون من جامعة جافل في السويد، وجامعتي سنترال لانكشاير ولانكستر في المملكة المتحدة تأثير تشغيل موسيقى في الخلفية على مستوى الأداء، من خلال طرح "مشكلات فكرية شفوية" يُعتقَد أنها تحفز الإبداع على مجموعة من الأشخاص. والموسيقى الخلفية هي محفز بيئي معروف عنه تأثيره على الأداء الإدراكي، الذي يقال إنه يعزز الإبداع في المهام التي تتطلب قدرات افتراضية، مثل الرسم.
أي المجالات تحتاج للهدوء أثناء العمل؟
وتقول المشرفة على الدراسة الدكتورة إيما ثريدغولد، من جامعة سنترال لانكشاير: "الإبداع هو جانب حيوي من الأنشطة المسؤول عنها الجانب الإدراكي من المخ، مثل تصميم مبتكر لمنتج، وتحقيق إنجاز علمي، واتصالات الدعايا والإعلان الفعالة".
وطُلِب من المشاركين في الدراسة أداء مهام، مثل الألغاز، إما في بيئة هادئة أو في واحدة من ثلاث بيئات: الاستماع إلى آلات موسيقية من دون كلمات، أو موسيقى مع كلمات أجنبية (أو كلمات غير مألوفة)، أو الموسيقى مع كلمات مألوفة.
في الحالات الثلاث التي تضمنت السماع إلى الموسيقى، لاحظ الباحثون إعاقة قوية في ذاكرة العمل اللفظية، مقارنة بالظروف التي غابت فيها الضوضاء أو في ظروف الوجود في المكتبة، وفسر الباحثون أن هذا قد يكون بسبب أن الضوضاء الموجودة في المكتبة هي بيئة في حالة ثبات، وبالتالي لا تسبب إزعاجاً.
تحسين الحالة المزاجية لا يشكل فارقاً
بالإضافة إلى ذلك، اكتشف العلماء أنه حتى عندما تحسن الموسيقى الحالة المزاجية للمشاركين، ظل الإبداع لديهم يواجه عائقاً أثناء تأدية المهمات، ولم يشكل فارقاً أيضاً كون المشاركين معتادين على المذاكرة مع وجود موسيقى في الخلفية.
وبالنظر إلى كل النتائج معاً، استنتج الباحثون أن الموسيقى في الخلفية تؤثر سلباً على نحو واضح على قدرة المشاركين على إنجاز مهام تختبر الإبداع اللفظي. وتتعارض ما توصلت إليه هذه الدراسة مع الاعتقاد المشهور بأن الموسيقى تحفز الإبداع، بل وأظهرت أنها تعيق الأداء الإبداعي ودائماً ما لا تساعد في حل مشكلات الإدراك اللفظي.
كيف تؤثر الموسيقى على المخ؟
تؤثر الموسيقى على المخ بطرق عديدة، ومثلما ذكرنا سابقاً، فإن الاستماع إلى الموسيقى يحسن من الحالة المزاجية للمشاركين. وأفادت تقارير من دراسات أخرى أيضاً بأن الموسيقى يمكنها التأثير على الحالة المزاجية. تفحصت دراستان تجريبيتان من جامعة ميسوري ما إذا كان الاستماع إلى الموسيقى بلا إيقاع يمكنه زيادة شعور الفرد بالسعادة، ووجدت كلتا الدراستين أن الاستماع إلى الموسيقى بلا إيقاع يمكنه أن يزيد من مستوى السعادة، خاصة عندما تصحبها نية للشعور بالسعادة.
وتثير الموسيقى أيضاً المشاعر بناءً على نوع الموسيقى، إذ تشير دراسة نُشرت في مجلة Consumer Research العلمية إلى أن الناس يميلون لسماع الموسيقى حسب مشاعرهم الآنية، مثل الاستماع إلى الموسيقى الحزينة عند الشعور بالحزن، وبالنسبة للكثيرين، تؤدي الموسيقى دور صديق متعاطف وتساعدهم على تحسين مشاعرهم.
ما تأثير هرمون الدوبامين؟
يؤثر الاستماع إلى الموسيقى أيضاً على الاستمتاع، فقد كشفت دراسة نُشرت في مجلة Nature Neuroscience العلمية عن أنه عندما تستمع إلى الموسيقى، يفرز عقلك هرمون الدوبامين. إذ يرتبط هذا الناقل العصبي بالمكافأة والتحفيز. وبالتالي، فالاستماع إلى الموسيقى قد يكون ممتعاً. ووجدت الدراسة أيضاً أنه حتى توقع سماع الموسيقى يمكنه تحفيز إفراز الدوبامين.
وفي النهاية، تساعد الموسيقى على تحسين الاعتلالات العقلية مثل الاكتئاب، والقلق المرضي، وذلك بحسب دراسة استعراضية نُشرت في مجلة Mental Health Practice. وتشير هذه الدراسة إلى أن العلاج بالموسيقى يقلل القلق والارتباك بكفاءة لدى الأشخاص الذين يعانون من فقدان الذاكرة، ويحسن حياتهم اليومية. لذا بغض النظر عن سبب سماعك للموسيقى، تأكد أنها محفز فعال للمخ.