خلاف حاد نشب بين حماس والسلطة الفلسطينية حول المستشفى الأمريكي في غزة في وقت يعاني فيه القطاع المحاصر من أزمة صحية حادة.
ويعيش قطاع غزة استقطاباً داخلياً مع بدء إنشاء "المستشفى الأمريكي" شمال القطاع، وسط مواقف متباينة منه، بين مؤيد ومعارض، ومن يرى أنه تخفيف من أزمة نقص الخدمات الطبية في غزة، ومن يعتبره مقدمة لفصلها عن الضفة الغربية.
بدأ السجال الفلسطيني حين تداول نشطاء على شبكات التواصل صوراً لعمال أجانب يبدأون بتجهيز المستشفى الأمريكي شمال غزة، الذي يتم إنشاؤه وفق التفاهمات الإنسانية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية وتمويل قطري، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018.
مسؤول صحي دولي يعمل بغزة، طلب إخفاء هويته، أبلغ "عربي بوست"، أن "معلومات المستشفى لم تتضح بعد صورتها النهائية، لكن المؤكد أن طاقته الاستيعابية 500 سرير، يعمل فيه طواقم طبية أمريكية وأوروبية يقيمون داخل إسرائيل، بمشاركة أطباء فلسطينيين وطاقم تمريض فلسطيني، ويركز على الأمراض المستعصية التي لا يتوفر لها علاج مناسب في مشافي غزة الخاضعة للحصار الإسرائيلي".
حقيقة الجهة التي تؤسس المستشفى الأمريكي في غزة
وشهدت الساعات الأخيرة صدور تصريحات فلسطينية مؤيدة ومعارضة للمستشفى.
ففيما أعلنت حماس على لسان خليل الحية عضو مكتبها السياسي، أن المستشفى تابع لجمعية خيرية أمريكية هي Friend Ships، التي عملت في عدة دول آخرها سوريا، وقد عرضت حماس فكرة المستشفى على الفصائل، ووافقنا عليها جميعاً، حسب قوله.
وكشف أن المنظمة الأمريكية تشغل المستشفى بإطارها الفني، مع شراكة فلسطينية في الجانب الإداري، والمستشفى سيعمل تحت الاختبار، فإما أن يقدم الخدمة المطلوبة التي تفي باحتياجات مرضى غزة، أو يرحل.
وفيما يتعلق بالمخاوف الأمنية.. قال "لن نتردد باتخاذ القرار، والأجهزة الأمنية في غزة يقظة لعمل المستشفى، تتابع كل عمل قد يضر شعبنا".
حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال لـ"عربي بوست" إن "المستشفى جزء من التفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية مصر وقطر والأمم المتحدة.
واعتبر "أن من يعارض إقامته، يريد إبقاء الحصار على القطاع، مشيراً إلى أن التفاهمات في المجال الصحي نصت على مسارين: الأول إدخال الدواء لغزة من جهات مانحة، والثاني إنشاء مستشفى ميداني يتبع لجهات خيرية".
مخطط أمريكي صهيوني لفصل غزة
في المقابل، فإن مسؤولين فلسطينيين كباراً لم يترددوا بمهاجمة المستشفى.
إذ أعلن عزام الأحمد، عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، أن المستشفى يأتي ضمن المخطط الصهيو-أميركي، بعزل غزة، وإقامة دويلة فيها، وتوفير عوامل البقاء لسلطة الأمر الواقع في القطاع، ممثلة بحماس، التي تنزلق نحو صفقة القرن، والانخراط بها، بموافقتها على إنشاء المستشفى، وهو قاعدة أمنية أميركية، حسب تعبيره.
والفصائل تتبرأ منه بعدما وافقت عليه
لكن اللافت ما صدر عن الفصائل في غزة التي يمكن وصفها بالمقربة من حماس، وهي الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، والجهاد الإسلامي، التي أعلنت عدم معرفتها بالمستشفى، في تنصل لموافقتها عليه، وكأنها أرادت تحميل حماس هذا العبء الذي تعتبره أمنياً وأخلاقياً.
وكأن لسان حالها إن المستشفى إذا كان إيجابياً فهي مع حماس في الموافقة عليه، وإن أتت منه إشكاليات أمنية فقد تبرأت منه بصورة مسبقة، وهو سلوك معتاد لبعض الفصائل الأمر الذي يعتبره البعض انتهازية سياسية.
ونتيجة الإشكاليات التي تثيرها السلطة الفلسطينية، فقد تنصلت الفصائل القريبة من حماس، وأنكرت معرفتها باتفاق المستشفى، مما أظهر الحركة وحيدة تدافع عن مستشفى أمريكي، والفلسطينيون لديهم حساسية مفرطة تجاه أي مؤسسة أمريكية، ولو كانت بمظهر إنساني، مع أن سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية قامت أساساً على التمويل الأمريكي.
المستشفى ضرورة لمنع هذه الكارثة
أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، قال لموقع "عربي بوست" إننا "نرحب بأي جهد طبي للتخفيف من معاناة مرضانا، فالحصار المفروض على غزة حرم 45% من مرضاها من مغادرتها لأسباب أمنية، إضافة للمنع من قبل إسرائيل.
وأشار إلى أن عام 2018 شهد وفاة 56 مريضاً مصاباً بأمراض عضال، لعدم توفر علاج محلي في غزة، مما يدفع وزارة الصحة لمحاولة تجاوز القصور الطبي القائم بغزة بفعل الحصار، ومنع توريد الأدوية اللازمة".
وقال إن "مشروع المستشفى يأتي استكمالاً لاتفاقات تعقدها وزارة الصحة بغزة لاستقدام وفود طبية دولية لإجراء العمليات الجراحية المعقدة، فهناك 2000 تحويل شهرياً للمرضى خارج غزة، والأمل يحدونا بأن يركز المستشفى على علاج الأمراض المستعصية كالأورام والدم والتشوهات الخلقية للأطفال التي لا يتوفر لها علاج محلي، مع وجود عجز في الأدوية اللازمة بنسبة 52% رصيدها صفر.
وأضاف أن "نصف المرضى بدون علاج، خاصة من مرضى السرطان، فلا تتوفر في مشافي غزة علاجات تتعلق بالمسح الذري، أو العلاج الإشعاعي".
موقعه قرب إسرائيل يثير مخاوف فلسطينية
وهناك إشكالية ثانية تتعلق بمكان المستشفى، فمساحة غزة 365 كيلومتراً مربعاً، مما يدفع للتساؤل عن سبب إقامتها بأضيق بقعة جغرافية من هذه المساحة، وعلى تماس مباشر مع إسرائيل، فالمسافة الفاصلة بين المستشفى ومعبر إيرز الإسرائيلي لا تتعدى دقائق معدودة، مما يثير مخاوف حول وضع مرضى فلسطينيين مطلوبين لإسرائيل قد يتعالجون في المستشفى، لكن اختيار المكان مرتبط بقربه من إسرائيل لسهولة وصول ومغادرة الطاقم الطبي الأمريكي، رغم إعلان وزارة الداخلية بغزة عن تأمين المستشفى من أي مخاطر.
نقطة ثالثة تتعلق بهوية المستشفى، فالمنظمة التي تشرف عليه غير حكومية، لكن طاقمها أمريكي، وطالما أن غزة منطقة صراع أمني مع إسرائيل، فمن المتوقع أن تطالب واشنطن "رعاياها" من الأطباء بمغادرة غزة عند حصول أي تصعيد، وفي هذه الحالة قد يغلق المستشفى بانتظار عودة الهدوء، مما يعني أن يكون المرضى الفلسطينيون رهائن القرار الأمريكي، رغم أن هذا معمول به مع جميع الموظفين الدوليين في غزة.
إشكالية رابعة يتداولها بعض الفلسطينيين بنوع من المبالغة، تتعلق بارتباط إقامة المستشفى بوجود توجه إسرائيلي لشن حرب طاحنة على غزة، بما يتخللها من سقوط ضحايا فلسطينيين، والحاجة الملحة لوجود مستشفى ميداني يمنع وقوع كارثة إنسانية في غزة.
لماذا ترفض السلطة المستشفى رغم وجود سوابق مماثلة كانت هي طرفاً فيها؟
صالح النعامي، الخبير الفلسطيني بالشؤون الإسرائيلية، اعتبر أن "الضجة المثارة حول المستشفى مفتعلة وغير مبررة.
وقال لـ"عربي بوست" إنه على مدى سنين طويلة نشطت وكالة التنمية الأمريكية USAID التابعة للخارجية الأمريكية بقوة في الأراضي الفلسطينية، في ظل حكم السلطة الفلسطينية وحماس، ولم يعترض أحد".
وأضاف أن "المزاعم بأن المستشفى يمثل قاعدة تجسس أمريكية لا تستحق الرد، فقطاع غزة والضفة الغربية مسيطر عليها استخبارياً من إسرائيل عبر منظومات أمنية، وأنشطة لا تتوقف، لكن المضحك المبكي أن السلطة الفلسطينية القلقة من تحول المستشفى لقاعدة تجسس أمريكية، يتباهى رئيسها محمود عباس بأنه يجتمع دورياً مع ممثلي وكالة الاستخبارات الأمريكية، ويجاهر بتقديس التعاون الأمني مع إسرائيل"، حسب تعبيره.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.