⬅️ في محاولة من تل أبيب لترميم العلاقات مع الأردن التي تضررت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، قالت صحف عبرية صباح الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، يدرس زيارة الأردن بشكل رسمي، وأضافت هذه الصحف أن الاتصالات بدأت بين عمّان وتل أبيب حول هذه الزيارة.
ماذا حدث؟
في البداية، ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، في وقت متأخر من مساء الخميس، أن اتصالات أولية تجري بين تل أبيب وعمّان، لترتيب زيارة رسمية لريفلين إلى الأردن، مشيرة أن الزيارة ستكون الرسمية الأولى لريفلين إلى عمان بصفته رئيساً لإسرائيل، بعد زيارته لها سابقاً بصفته عضواً ورئيساً للكنيست.
ما أهمية ذلك؟
صحيفة هآرتس قالت صباح الجمعة، إن مكتب ريفلين يولي لهذه الزيارة "أهمية كبيرة"، خاصة بعد تصريحات للملك عبدالله الثاني، مؤخراً في نيويورك، قال فيها "إن علاقات بلاده مع إسرائيل في أسوأ حالاتها حالياً".
وجاءت تصريحات العاهل الأردني خلال جلسة حوارية عقب تسلمه جائزة "رجل الدولة – الباحث" لعام 2019، نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الأسبوع الماضي. وقال الملك خلالها إن "العلاقات الأردنية الإسرائيلية في أسوأ حالاتها الآن، ويرجع جزء من الأسباب إلى قضايا داخلية في إسرائيل".
وجاءت تصريحات الملك الحادة هذه، بعد المقترحات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول ضم منطقة غور الأردن، التي رأى فيها العاهل الأردني أنها "عقبة أساسية" أمام تحسين العلاقات بين المملكة وإسرائيل.
كيف تم الترتيب لمقترح هذه الزيارة؟
في وقت سابق من مساء الخميس، قالت "معاريف" إن لقاء جمع بين ريفلين والأمير غازي بن محمد، مستشار الملك عبدالله، في لندن، خلال الأسبوع الجاري، بمشاركة مسؤولين أردنيين وإسرائيليين.
ولم يتسن الحصول على تعقيب رسمي من الأردن حول ما أوردته الصحيفة العبرية حتى اللحظة، لكن ربما من المستبعد رفض الأردن لهذه الزيارة، لأنه لم يمانع من قبل زيارة أي مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، خصيصاً أن أغلب هذه اللقاءات كانت تعقد بشكل سري، نظراً لفرضها الشعبي. ومن غير المستبعد أن يتم الضغط شعبياً على صناع القرار الأردني لرفض هذه الزيارة المزعومة بشكل قاطع، خصيصاً في ظل الاحتجاجات المستمرة التي ترفض اتفاقية الغاز مع إسرائيل، والتي كان آخرها مساء الخميس بالقرب من رئاسة الوزراء الأردنية وسط العاصمة.
يذكر أن الاجتماع بين ريفلين والأمير الأردني، عقد على هامش زيارة العمل التي أجراها الرئيس الإسرائيلي إلى لندن هذا الأسبوع، وشارك به مسؤولون أردنيون.
وذكرت مصادر إسرائيلية إن الاجتماع بين الجانبين انصب على عدة موضوعات مهمة بينها موقع المغطس على نهر الأردن، والدفع بمشروع يسمى "أرض الأديرة"، المتعلق بترميم وإعمار المواقع والأماكن المقدسة على نهر الأردن بين الجانبين، وإنشاء مسارات للحجاج المسيحيين.
وأضافت أن ريفلين أكد في هذا اللقاء، أن "تطوير موقع المغطس يشكل دعامة مهمة، ستمد جسراً بين الشعوب والديانات وستقود إلى تعاون إقليمي. وفي نهاية اللقاء عبر الجانبان عن أمل بمواصلة الحوار حول هذا الموضوع".
وذكرت هذه المصادر أن ريفلين بعد هذا الاجتماع يدرس إجراء زيارة رسمية إلى المملكة، وهو يرى "أهمية كبيرة في تطوير العلاقات مع الأردن وفي الجهود بالمحاولة لحل الأزمة وتعزيز مشاريع بين البلدين".
ما الذي قاله ملك الأردن واستدعى قلق إسرائيل؟
صرح العاهل الأردني الأسبوع الماضي في نيويورك وبشكل رسمي إن "العلاقات بين إسرائيل والأردن في الوقت الحالي في أسوأ حالاتها على الإطلاق". وذكر أن "جزءاً من هذا ينبع من الوضع الداخلي في إسرائيل، نحن نأمل بأن تنجح إسرائيل بتحديد مستقبلها خلال الأيام القريبة حتى تتمكن من العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين، وهذه ما نحن بحاجة له جميعاً".
وأضاف الملك: "أنا أفهم المشاكل الداخلية في إسرائيل، لكن لست مستعداً أن يكون على حساب ما توصل إليه والدي الملك حسين، ورئيس الحكومة الراحل إسحق رابين كرمز للأمل والفرص للفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين".
ووقع الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل على الحدود الفاصلة بين الدولتين في منطقة وادي عربة، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، وسميت الاتفاقية باسم معاهدة وادي عربة.
وكثيراً ما حذر مؤخراً أكاديميون وسياسيون إسرائيليون من تدهور العلاقات مع عمّان، داعين حكومة نتنياهو لوقف تدميرها لعملية السلام، لما تمثله العلاقة مع الأردن من أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، إذ يعتبر الشريط الحدودي مع الأردن هو الأطول مع إسرائيل.
كيف وصلت العلاقات بين تل أبيب وعمّان إلى هذا السوء؟
في 26 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حلّت الذكرى الـ25 لتوقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، ولكن لم يتم الاحتفال بها بين الطرفين ربما لأول مرة منذ 25 عاماً، وذلك بسبب التوتر غير المسبوق الذي أصاب العلاقة ودعا الصحف الإسرائيلية للقول بأن السلام بين إسرائيل والأردن "فشل بشكل مروّع".
تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إن الأردن عوّل أكثر من أي دولة عربية أخرى على جني عوائد ضخمة من اتفاقية السلام مع إسرائيل، لكنه لم يطل شيئاً يذكر مقارنة بإسرائيل. وبعد سنوات من خيبة الأمل فيما يتعلق بسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، والتي توّجت بدعم إدارة ترامب المتحيز لإسرائيل وعدائها البادي للفلسطينيين، بات الأردنيون على امتداد الطيف السياسي -بمن فيهم أعضاء البرلمان- مقتنعين الآن أكثر من أي وقت مضى بأن "إسرائيل عدو لا يمكن التوافق معه".
ومما أدى للعلاقة بين الطرفين أن تبلغ ذروة توترها، انتهاك إسرائيل المتكرر للوصاية الأردنية على المقدسات في القدس، إضافة إلى السخط من تأخر إسرائيل في إعادة الأراضي التي كانت تسيطر عليها في منطقة الباقورة في الشمال والغمر في الجنوب المؤجّرتين من الأردن بموجب اتفاقية السلام، قبل أن تتم استعادتها مؤخراً. علاوةً على الحادث الذي وقع في عام 2017، والذي يتعلق بإطلاق حارسٍ إسرائيلي النار على عامل أردني ليرديه قتيلاً بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان، واعتقال المواطنين الأردنيين بشكل متكرر في إسرائيل، كان آخرهم هبه اللبدي وعبدالرحمن مرعي، قبل أن تجبر تل أبيب على الإفراج عنهما مطلع الشهر الجاري.
ولا يخفي الأردن تخوفاته على أمنه واستقراره وتوازنه الديمغرافي في ظل الحديث عن "صفقة القرن"، فقد تفاقمت هذه التخوفات منذ صعود ترامب وطرحه لهذه الصفقة، وقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنكر إدارته التام لحقوق اللاجئين، وتصفيته لوكالة "الأونروا" التي ترعى الملايين من اللاجئين في الأردن وحدها، بالإضافة إلى موقف الإدارة الأمريكية الداعم بشكل ساحق للاستيطان في الضفة والقدس، وابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.
ويرى مراقبون إسرائيليون أن الأمر الوحيد الذي يسير حالياً كما يجب بين البلدين هو التعاون الأمني، مشيرين إلى أن العاهل الأردني لم يلتقِ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، منذ فترة طويلة. ومنذ 4 أشهر تفرض السلطات الأردنية على كل إسرائيلي يزور الأردن، أخذ مُرافق أردني له من الحدود حتى يعود، ولا تسمح لأي إسرائيلي بأن يدخل الأردن إلا إذا كان لديه حجز في فندق محدد وتفرض ضرائب باهظة على الدخول وحتى على الخروج من الأردن.
كما أن النشاط التجاري الأردني داخل إسرائيل لا يزال سرياً ومتواضعاً للغاية. ولا تزال حركة البضائع بين الاقتصادين محدودة وتقل كثيراً عن أيام الازدهار الأولى منذ 14 عاماً عندما كانت المناطق الصناعية المؤهلة "منتعشة".