بدأت الاحتجاجات العارمة المناهضة للحكومات في الدول العربية تتحول إلى معركة عض أصابع بين المتظاهرين والحكومات في انتظار النتيجة مَن يصرخ أولاً؟
ما الذي يحدث؟
في الجزائر ولبنان والعراق، الدول التي إما أجبرت زعماءها على الاستقالة أو القبول بالتنحي، تبدو السلطات وكأنها تسوِّف مسألة تسليم السلطة أو وافقت على ترتيبات تقاسم السلطة أملاً في أن يفقد المتظاهرون، الذين يبدون تصميماً على البقاء بالشارع حتى انتهاء عملية الانتقال السياسي بشكل راسخ، أو أن تحدث اختلافاتهم انقساماً في صفوفهم.
حتى الآن، لا يزال المتظاهرون على موقفهم، بعد أن تعلموا الدرس بأن مكاسبهم يمكن القفز عليها إذا أخلوا الشارع قبل أن يرسخوا وجود اتفاق على قواعد العملية الانتقالية وقواعد لعبة التحول الديمقراطي.
الجزائر
لا يزال الجزائريون في الشوارع، بعد سبعة أشهر من إجبار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي، وذلك للمطالبة بإحداث تغيير كامل في المنظومة السياسية.
ولم تفلح عشرات الاعتقالات في صفوفهم وتوجيه تهم من قبيل "الإضرار بالوحدة الوطنية" و "تقويض الروح المعنوية للجيش" في ردع الجزائريين الذين يرفضون قبول التاريخ الذي اقترحه الجيش لعقد الانتخابات، أي 12 من ديسمبر/كانون الأول.
لبنان
ويدخل لبنان شهره الثاني من التظاهرات مع حدوث حالة من الحراك داخل الحكومة دون أن تنجح في تلبية مطالب المتظاهرين بتشكيل حكومة تكنوقراط ووضع قانون انتخابي غير طائفي جديد وعقد انتخابات مبكرة.
ورفض المتظاهرون محاولة لتعيين محمد الصفدي رئيساً للحكومة مكان سعد الحريري، وهو عنصر آخر من عناصر النخبة ورجل أعمال ملياردير ووزير سابق للمالية.
وقالت صانعة الأفلام بيرلا جو معلولي: "نحن باقون هنا؛ لا ندري كم من الوقت سنبقى، ربما شهراً أو اثنين أو سنة أو اثنتين. ربما يستغرق الأمر 10 سنوات لنحصل على الدولة التي نحلم بها، غير أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة".
العراق
وبعد أسابيع من القبول بالاستقالة استجابة للضغط الشعبي، يبدو أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ثابت في مكانه.
وتماماً كما حدث عام 1991 حين دعا الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش إلى انتفاضة شعبية ضد صدام حسين ثم منح الرئيس العراقي ما يلزم من الأدوات لقمع هذه الانتفاضة، يبدو أن عبدالمهدي متمسك بالسلطة في ظل غياب مرشح يحظى بالمصداقية لدى النخبة السياسية ليحل محله.
ويكتسب موقف عبدالمهدي قوة بسبب أن كلاً من الولايات المتحدة وإيران لا ترغب في حدوث فراغ في السلطة في بغداد.
ويبدو أن التراجع عن استقالة عبدالمهدي والامتناع عن تعيين رئيس وزراء يقدم وعوداً تحظى بالمصداقية لإحداث تغيير حقيقي قد زاد من حدة المعركة بين المتظاهرين والحكومة.
لعبة شد الحبل
يقول موقع Lobelog الأمريكي، إن حالة الشد والجذب هذه تسلط الضوء على المخاطر التي ينبغي على الحكومات والمتظاهرين التعامل معها ومدى تعقيد اللعبة التي ينبغي أن تخوضها الحكومات لتهدئة المتظاهرات من خلال التظاهر بتلبية مطالبه في حين أنها في الواقع تخطط للحفاظ على الهياكل السياسية الأساسية التي يسعى النشطاء المناهضون للحكومة إلى اجتثاثها.
مكمن الخطر في حالة الشد والجذب هذه هو أن تتحول التظاهرات السلمية إلى تظاهرات عنيفة كما حدث في هونغ كونغ. إن تلبية مطالب المتظاهرين وتطلعاتهم في أرجاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بغض النظر عما إذا كانت مظالمهم قد وجدت طريقها إلى الشارع أم لا، تجعل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي أمراً بالغ الدقة بالنسبة للحكام الشموليين في المنطقة.
وعند هذه النقطة يتعارض ما ينبغي بذله لتحقيق إصلاحات مستدامة مع عزم الدول الأمنية التي تعيش أسوأ حالاتها القمعية على بسط سيطرتها المتزايدة على شعوبها.
ذلك أن الإصلاح المستدام يتطلب مؤسسات قادرة وفعالة وليس بنوكاً متضخمة تؤدي وظائف بيروقراطية، ولا حالة من اللامركزية تمنح مزيداً من السلطات للبلديات والمناطق.
فقدان الثقة والشفافية
ويضيف الموقع أن تغيير العقود الاجتماعية من خلال إدخال الضرائب أو زيادتها أو تقليص الدعم على السلع الأساسية وتقليل فرصة التوظيف في الجهات الحكومية يلزم أن يصحبه قدرٌ أكبر من الشفافية التي تضمن للمواطنين الاطلاع على الكيفية التي تسعى بها الحكومة إلى ضمان استفادتها من العقد الاجتماعي الذي لا يزال في طور الظهور.
بالنسبة للعديد من المتظاهرين، أثبتت الحالة السودانية قدرة المتظاهرين على الاحتفاظ بقوة الشارع حتى الوصول إلى ترتيبات انتقالية.
استغرق الأمر خمسة أشهر بعد الإطاحة بعمر البشير والقمع الذي لم يستغرق فترة طويلة لقوات الأمن ضد المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل حوالي 100 شخص قبل أن يتوصل الجيش والمتظاهرون والمجموعات السياسية إلى اتفاق مع تطبيق عملية انتقالية لتقاسم السلطة.
وشملت العملية إنشاء مجلس سيادي يتكون من مدنيين وضباط في الجيش يحكم البلاد ويدير مرحلة التحول الديمقراطي.
ولكن مع ذلك، لا يزال أمام التجارب الانتقالية طريق طويل لإثبات رباطة جأشها. ربما تعلم المتظاهرون دروس الثورات العربية التي اندلعت عام 2011 والتي أطاحت بحكام تونس ومصر وليبيا واليمن.
الحاجة للدعم الدولي
غير أن هذه الجولة من التظاهرات يعوزها التعاطف الدولي الواسع الذي حظيت به انتفاضات عام 2011 وتواجه قوى داخلية أكبر مدعومة من دول الخليج المحافظة.
لا تخفي روسيا والصين رفضهما للاحتجاجات كتعبير عن الإرادة السياسية للشعوب. وكذلك فإن الكثير من مصالح إيران معرض للخطر في العراق ولبنان، وهما دولتان تشهدان مشاعر قوية ضد الطائفية في أوساط المتظاهرين، حتى وإن كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد ولدت من رحم ثورة ملحمية تعد من أكبر ثورات القرن العشرين. كما أن إيران تواجه حالياً تظاهرات داخل أراضيها احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود.