رغد صدام حسين وأعضاء حزب البعث العراقي المنحل هم أبطال الخطة السعودية لإنشاء كيان سياسي عراقي سُني في ظل استمرار انتفاضة تشرين الرافضة للنخبة الحاكمة الحالية والمطالبة بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق.
ولكن المشكلة أن هذه المساعي السعودية تهدد بإنهاء الحراك العراقي بدلاً من تشجيعه.
الخطة السعودية لإنشاء كيان سياسي عراقي سُني
جاءت هذه المساعي بعد تزايد المخاوف في السعودية من فشل الانتفاضة الأخيرة في الشوارع العراقية، وذلك نظراً لأنّ فشلها يمكن أن يؤدي إلى تقوية وتزايد النفوذ الإيراني وعودته بشكل أقوى في العراق، كما يأتي أيضاً في ظل فقدان السعودية العديد من الساحات التي تمتلك فيها نفوذاً واسعاً في اليمن وسوريا، الأمر الذي يجعلها عرضة للأخطار أكثر من ذي قبل.
تقوم خطة السعودية على احتواء السنة في العراق بعد فشل مساعيها في احتواء عدد من المرجعيات الشيعية مؤخراً بسبب عدم ثقتهم بالدور السعودية، وبالتالي ترى الرياض ضرورة إعادة دور السنة المهمش في العراق لإعادة دورها للوقوف في وجه إيران.
لكن المشكلة أن خطة السعودية لإنشاء كيان سياسي عراقي سني قد تؤدي إلى إجهاض الحراك ودفع النشطاء الشيعة المشاركين به للتقارب مع إيران جراء الأدوات والشخصيات المثيرة للجدل التي تحاول الرياض إظهارها على الساحة.
التحضير لمؤتمر يضم شخصيات عراقية معارضة.. محاولة لإحياء البعث
وأفادت مصادر خاصة رفيعة المستوى من السفارة السعودية بالأردن لـ "عربي بوست"، لكنّها رفضت الكشف عن اسمها، بأنّ السعودية تواصل مساعيها القائمة للتواصل مع عدد من قيادات ورموز المعارضة العراقية في الخارج، حيث تهدف الخطوة إلى التسلل إلى الشارع العراقي والسعي إلى استغلال انتفاضة تشرين العراقية بكافة الطرق في ظل أنّ المظاهرات شعبية بالدرجة الأولى وخالية من الطابع المذهبي أو الديني.
وتسعى السعودية إلى إيجاد نفوذ وموطأ قدم لها في الداخل العراقي بشتى الطرق، لذلك لجأت في ظل هذه الحالة الجدية التي تمر بها العراق إلى محاولة استمالة عدد من البعثيين السابقين ومن ضمنهم رغد صدام لأجل ضرب المكونات العراقية.
تواصل عدد من رموز المعارضة العراقية وأحدهم مقيم بالسعودية (لكن لن نستطيع الإشارة إلى اسمه خوفاً من طرده من السعودية)، حيث أجرى الأخير عدة اتصالات مع مسؤولين رفيعي المستوى بالسعودية للسعي إلى إدخالها على الخط في الانتفاضة الأخيرة بالعراق.
التحضيرات والترتيبات لإقامة المؤتمر لا تزال قائمة، لكنّ الإشكالية الرئيسية تتمثل في قضية التوافق على الشخصيات ودراستها بعناية من قبل كلا الطرفين تمهيداً لتوزيع الأدوار المطلوبة، والاستفادة منها لاختراق الساحة العراقية.
حتى وإن ظهر غرض إقامة المؤتمر بأنّه يبحث مستقبل الحكم في العراق، إلا أنّه يرمي إلى أبعاد أخرى تعمل عليها السعودية، حيث ستشرك من خلاله من خلاله عدة شخصيات عراقية مهمة وعلى الأغلب ستكون شخصيات بعثية بالدرجة الأولى ويأتي على رأسها:
1- رغد صدام حسين التي أفادت تقارير إعلامية بأن السفير السعودي في الأردن خالد بن فيصل زارها في بيتها
2- أحمد حسين الدباش الأمين العام للمجلس السياسي للمقاومة العراقية
3- خزعل الجمعي ممثل جماعة يونس الأحمد البعثية
4- خليل التكريتي وهو مسؤول مخابرات النظام السابق
5- سيف المشهداني عضو القيادة القطرية في حزب البعث
6- عبدالصمد الغريري عضو قيادة قطرية في حزب البعث
7- نزوان الكبيسي مسؤول المكتب العسكري في تنظيم عزة الدوري
كما سعت السعودية إلى التواصل مع بعض الأسماء والرموز العراقية السنية الكبيرة ومنها علي حاتم سليمان وهو أمير قبيلة الدليم الزبيدية كبرى قبائل الأنبار، ومفتي الديار العراقية ورافع طه الرفاعي والعديد من الأسماء العراقية البارزة.
إنها ضربة للانتفاضة العراقية الحالية
"اختيار شخصيات بعثية أمر من شأنه زيادة التشكيك بالانتفاضة العفوية التي يقوم بها الشارع العراقي"، بهذه الكلمات علق على الخطة السعودية مصدر من الشخصيات التي رشحت أسماؤهم لحضور المؤتمر.
واستغرب المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه سعي السعودية إلى إقحام حزب البعث "المحظور"، والبعثيين السابقين لتحقيق نفوذ ومكاسب سياسية في الواقع العراقي.
وقال لـ "عربي بوست" "نظراً لأنّ معظم الشعب العراقي متخوف ومتوجس من البعثيين وكونهم مرفوضين من الشارع العراقي، فإن هذا سيسهم في إجهاض الهبة العراقية كما حدث للحراك الشعبي عام 2013 بحجة أنّ تنظيم "داعش" يقف وراءها ويدعمها.
تجدر الإشارة إلى أن الانتفاضة العراقية تتركز بشكل كبير في أوساط الشيعة العراقيين ما يقلل من مصداقية الاتهامات الإيرانية للمشاركين بها بأنهم ممولون من السعودية أو أمريكا أو أنهم امتداد لحزب البعث، ومن شأن الخطة السعودية لإنشاء كيان سياسي عراقي سني أن تؤدي إلى تخويف المتظاهرين وإكساب الاتهامات الإيرانية مصداقية.
كيف فشلت المحاولة السعودية للتقارب مع شيعة العراق؟
الخطة السعودية لإنشاء كيان سياسي عراقي سني تثير تساؤل حول أين ذهبت مساعي السعودية للانفتاح والتقارب مع شيعة العراق للوقوف أمام إيران.
يجيب عن هذا السؤال الناشط السياسي الإيراني قائلاً لـ "عربي بوست"، إنّ السعودية وكل الدول التي تتحالف معها لم يتمكنوا من كسب شيعة العراق إلى صفهم ليقاتلوا إيران نيابة عنهم على الرغم من كل ما بذلته وتبذله من أموال.
ويرى قريشي أنّ السعودية نجحت سابقاً في تأليب نظام صدام على إيران، وهو كان مستعداً في الأساس لشنّ حرب عليها وقد خطط لذلك بدعم مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا، ونجحت في إطالة أمد الحرب عن طريق ما قدمته من أموال مع دول أخرى في المنطقة، وكان صدام من جهته يزج عمداً بمئات آلاف الشيعة العراقيين ليكونوا وقود حربه العبثية على مدى ثمانية أعوام، وليزرع الكراهية بين شيعة العراق وإيران.
ويوضح قريشي أنّ السعودية لم تنجح في مساعيها تلك فقد ارتدّ السحر على الساحر، فدخل صدام الكويت واقترب من السعودية واعتذر لإيران معترفاً بأنّ هذه الدول ودولاً أخرى حرضته على الحرب مع إيران لتدمير طاقات البلدين.
وقال إنه حتى مع الشروع بشكل أكثر تفصيلاً بتطبيق خطة السفير الأمريكي الأسبق في فلسطين، مارتن إنديك، لاحتواء السعودية زعامات شيعية والاستثمار في البيئة الشيعية داخل العراق لمواجهة نفوذ ايران فإن الرياض لم تستطع استقطاب الشيعة العراقيين.
واعتبر قريشي أن ما حدث من هجوم على المقرات الدبلوماسية الإيرانية لن يسفر عن إيجاد هوة بين الشيعة العراقيين والإيرانيين.
وعلى ما يبدو فإنّ ما تحصل عليه السعودية من شيعة العراق ليس سوى وعود وشعارات في ظل تراجع المشروع السياسي للسعودية بالمنطقة.
ويقول قريشي إنّ رهان الرياض على تنفيذ خطة مارتن إنديك لاحتواء شخصيات شيعية ليكونوا رأس الحربة في صراعها مع إيران يبدو أنّه لم يلقَ أي تأثير على أرض الواقع.
اللافت هو حدث خلال الأيام الأخيرة من انسحاب للزعيم الشيعي مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري من التصعيد في ساحة التحرير وانكفائه على إيران التي يعاديها تقليدياً.
ومن المعروف أن جهود التقارب السعودية مع الزعماء كانت تتركز على الصدر بشكل كبير الذي زار السعودية في عام 2017.
وفي سياق متصل يرى الباحث الإيراني في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران، عماد ابشناس، أيديولوجيا وطبيعة التفكير السعودي بالنسبة للشيعة تمنع وجود تقارب حقيقي بين الزعماء الشيعة العراقيين والسعوديين.
وقال لـ "عربي بوست": ليس هناك زعيم ورمز شيعي يستطيع أن يقنع الشارع الشيعي بأنه أمر طبيعي يتعامل مع نظام لديه توجهات وتفكير وهابية تدعو لقتل الشيعة وتدمير الشيعة.
ويضيف أبشناس المستشار لكبار السياسيين الإيرانيين، أن السبب الحقيقي وراء قدرة إيران على التعامل مع الأقطاب والأطراف السنية المختلفة هو البراغماتية الموجودة في الأيديولوجية الإيرانية ولأنها تعلن أن أيديولوجية نظامها تجعل الإسلام يأتي لديها قبل التشيع (على الأقل هذا ما تعلنه).
ولكن طبيعة التفكير هذه غير موجودة في السعودية لهذا عملياً بحسب ما يراه أبشناس، فلا يمكن لأي زعيم شيعي حتى لو كان معارضاً لإيران أن يقوم بشكل علني بالإعلان عن التعاون مع السعودية، فهذا سيؤدي إلى خسارته الشعبية والأرضية بين مجتمعه.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.