بعد أكثر من سبعة أشهر من الهجوم الذي شنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس مقر حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، أصبح المدنيون في ليبيا هم من يدفعون ثمن الحرب التي لا تبدو لها نهاية، فمتى يتحرك المجتمع الدولي؟
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تناولت معاناة الليبيين في تقرير بعنوان: "أهل ليبيا المدنيون يُعانون وطأة حصار طرابلس منذ سبعة أشهر"، ألقت فيه الضوء على ما يتعرض له الطرف الأضعف في معركة طرابلس.
حياة تحت القصف
يومياً، قبل مغادرة منزلها الكائن في العاصمة الليبية طرابلس، تتصفَّح خديجة بوعيشي الإنترنت بحثاً عن تقارير إخبارية بشأن اندلاع قتال أو شنِّ غارات جوية على طريقها.
تقول خديجة، وهي أستاذة جامعية تعاني مدينتها الحصار الذي تفرضه القوات الموالية للقائد العسكري النافذ، خليفة حفتر، منذ سبعة أشهر: "إننا لا نشعر بالأمان، ولكن الحياة تستمر".
وأضافت خديجة، في محادثة هاتفية أجرتها مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "لدي دائماً حقيبة معبأة بمتعلقاتي تحسُّباً لحدوث شيء ما وإذا احتجت للفرار. إننا نسمع أصوات القصف، وهو أمر مخيف خاصّة بالنسبة للأطفال، والمشكلة هي أن تلك الحرب استمرت لفترة طويلة".
ويقاتل الجيش الوطني الليبي المزعوم بقيادة الجنرال حفتر، والذي تدعمه مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا، منذ أبريل/نيسان الماضي بغرض الاستيلاء على طرابلس من قبضة الميليشيات المتحالفة مع الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة.
ورغم ذلك، لا يبدو أن أياً من الطرفين ينتصر، بينما يقع المدنيون البالغ عددهم 3 ملايين في المدينة بشكل متزايد تحت وطأة إطلاق النار، وقد واجهوا القتل والإصابات خلال الهجمات العشوائية بالطائرات بدون طيار، والغارات الجوية، والقذائف المدفعية.
ماذا يعني التحول في الموقف الأمريكي تجاه حفتر؟
وطيلة تلك المدة، طالما وُجِهت للقوى الغربية اتهامات بالضعف الشديد في الرد على عدوان الجنرال حفتر، رغم أنه يستهدف إدارة البلاد المُعترف بها دولياً في طرابلس، ولكن، شهد هذا الأسبوع علامات على حدوث تحول في واشنطن؛ إذ دعت الولايات المتحدة لأول مرة صراحةً الجيش الوطني الليبي إلى إنهاء هجومه.
وفي وقت سابق، امتدح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجنرال ذا النفوذ حفتر لِما وصفه بـ"الدور المهمّ في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد النفط الليبية"، ولكن بعد محادثات مع مسؤولين من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، قالت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الجمعة 15 نوفمبر/تشرين الثاني، إن وقف الهجوم "سيحول بين التدخل الأجنبي غير المبرر، ويعزز سلطة الدولة الشرعية ويعالج القضايا الكامنة وراء الصراع".
يأتي بيان الولايات المتحدة قبيل مؤتمر دولي مُتوقَّع انعقاده في برلين خلال الأسابيع المقبلة، ويهدف إلى إقناع داعمي الأطراف المتحاربة من القوى الأجنبية باحترام حظر الأسلحة الذي يفرضه على ليبيا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وقبل أن تدعو واشنطن الجنرال حفتر لإنهاء الهجوم، اعتقد محللون أنه لا يوجد سوى أمل ضئيل في تقليص دعم القوى الخارجية -بما في ذلك حليفتيّ الولايات المتحدة؛ مصر، والإمارات- لحفتر بهدف إنهاء ما أصبح حرباً بالوكالة في البلاد.
ضغوط دبلوماسية تسبق مؤتمر برلين
لكن جليل هرشاوي، وهو زميل باحث في مركز أبحاث معهد كلينجيندال في لاهاي، يقول إنه ربما تكون هناك ضغوطٌ دبلوماسية في نهاية المطاف على حفتر، وأضاف قائلاً: "لا يتسنى لحفتر أو لداعميه الأجانب الرئيسيين؛ الإمارات العربية المتحدة، ومصر، تجاهل هذا البيان الأمريكي، وسيتعيّن عليهم أن يُظهروا أخذهم الطلب الأمريكي بعين الاعتبار بطريقة أو بأخرى".
وأفردت وزارة الخارجية الأمريكية أحد تصريحاتها لمسألة دعم موسكو للجنرال حفتر، قائلة إن واشنطن "تؤكِّد على دعمها لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا استغلال الصراع على عكس إرادة الشعب الليبي".
وجدير بالذكر أنه لطالما أفادت تقارير بزيادة أعداد المقاتلين الروس الذين انضموا إلى قوات الجيش الوطني الليبي في ضواحي طرابلس، ويقول ولفرام لاخر، وهو خبير بالشأن الليبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن عزوف الحكومات الغربية عن مواجهة الداعمين الخارجيين للجنرال حفتر هو "السبب الأكثر أهمية لانعدام وجود موقف دولي أقوى مناهض لهذه الحرب".
وتناولت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي تقرير سري للأمم المتحدة يتهم الإمارات والأردن وتركيا، التي تدعم الميليشيات الداعمة لنظيرتها المتحالفة مع الحكومة، بارتكاب انتهاكات متكررة لقرارات حظر الأسلحة.
وخلص تقرير الأمم المتحدة إلى أن الدول الثلاث "تقدِّم الأسلحة بشكل روتيني وأحياناً على نحو سافر دونما بذلِ جهدٍ ضئيل لإخفاء مصدره". وتقول تقارير أخرى، نقلاً عن دبلوماسيين، إن الجنرال حفتر -الذي يسيطر على معظم أنحاء الدولة الغنية بالنفط- يتلقّى أسلحة متطورة من الإمارات، بما في ذلك طائرات بدون طيار تُستخدم لضرب أهداف في العاصمة.
وعلى الرغم من أن حكومة طرابلس تمثِّل السلطة الشرعية الرسمية في البلاد، فهي لا تتمتَّع بالقوّة الفعلية الكافية، وتعتمد على الميليشيات في الدفاع عنها. وتحظى تلك الحكومة بدعم قطر وتركيا، اللتين تزوّدانها بطائرات بدون طيار ومركبات عسكرية مُدرَّعة.
استهداف غير متعمد للمدنيين
على صعيد آخر، اتهمت منظمة العفو الدولية جميع الأطراف المتحاربة بوضع المدنيين في طريق الأذى وشن هجمات عشوائية، وقالت دوناتيلا روفيرا، وهي محققة لدى المنظّمة المعنية بحقوق الإنسان إن "الجانبين سيئان للغاية في إصابة الأهداف المشروعة".
وورد أن غارة جوية شنها الجيش الوطني الليبي مؤخراً قتلت ثلاث فتيات صغيرات في منزلهن في طرابلس بالقرب من منشأة تابعة للميليشيات، وجاء ذلك بعد أيام قليلة من إصابة الأطفال في هجوم جوي على ناد للفروسية بالقرب من قاعدة للأمم المتحدة في العاصمة.
وفيما كان معظم القتلى بين أكثر من 1000 شخص لقوا حتفهم في معركة طرابلس من المقاتلين، لقي كذلك عشرات المدنيين، بمن فيهم العشرات من المهاجرين الأفارقة المحتجزين في أحد مقار الاحتجاز، حتفهم أيضاً. واضطر المطار الوحيد الذي يعمل في طرابلس إلى الإغلاق بسبب الضربات المتكررة من جانب الجيش الوطني الليبي، لا سيّما أنه غالباً ما يكون هناك قصف وهجمات بالصواريخ بأنحاء ساحات القتال في الضواحي الجنوبية للمدينة.
ويجادل البعض بأن الجنرال حفتر ومؤيديه ربما لم يعودوا يهدفون إلى تحقيق نصر عسكري حازم على الميليشيات، بل يريدون إجبار الحكومة على الدخول في مفاوضات من موقف ضعف.
وقال هرشاوي: "يبدو أنه كان هناك قبول دولي عام لوجوب تعرُّض طرابلس للقصف دون أن يطالب أحد بوقف إطلاق النار، ودون إدانات لانتهاكات حظر الأسلحة".
أما عن سكان طرابلس، فإن هذا يعني التعايش مع الحرب والغارات الجوية؛ وتقول هالة بوقعيقيص، وهي محامية في طرابلس: "الناس هنا يشعرون بالتخلّي عنهم، فإن العالم ينتظر حتّى يكون هناك فائزٌ ليدعمه، وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي بإمكانه حقاً فعل شيء حيال الأمر، فإنه يغض الطرف عنَّا".