يواجه مسؤولون أمريكيون في البيت البيت عقبةً كبيرةً حول انعكاسات سياسة الرئيس دونالد ترامب نفسه تجاه سوريا والحلفاء في الحرب على داعش. تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إنه في اجتماعٍ رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأمريكية، عُقد الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني، طلَب من دبلوماسيين من 35 دولة ومنظمة دولية، التمسًّك بالحملة الرامية للقضاء على داعش، حتى بعد مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي في غارة أمريكية، الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول.
لكنَّ الارتباك بشأن سياسة إدارة ترامب في شمال شرقي سوريا تسبَّب في تثبيط الحلفاء، وذلك بحسب العديد من الدبلوماسيين، الذين أضافوا أيضاً أنَّ هذا الارتباك أثار الشكوك بشأن إمكانية تراجع الرئيس عن أي اتفاقٍ يُبرم.
سياسة ترامب تُربك الحلفاء
قال ترامب الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ المئات من القوات الأمريكية لا تزال في سوريا، لكن فقط بغرض تأمين المناطق الغنية بالنفط هناك.
وقال ترامب في البيت الأبيض قبل اجتماعٍ مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "سنحتفظ بالنفط. لدينا النفط، والنفط آمن، وقد تركنا قوات هناك فقط من أجل النفط".
وقبل ذلك بيوم، قال مسؤول كبير بالخارجية الأمريكية، إنَّ الدور الرئيسي للعدد الصغير نسبياً من الجنود الأمريكيين المنتشرين شمال شرقي سوريا هو التصدي لداعش. فصرَّح جيمس جيفري، الدبلوماسي الذي يشرف على قضايا سوريا والمبعوث الرئيسي إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم المتطرف، أنَّ تأمين حقول النفط "مهمة ثانوية".
وأضاف جيفري: "القوات الأمريكية موجودة في شمال شرقي سوريا بموجب تفويضٍ لمحاربة الإرهاب، وعلى وجه الخصوص لضمان الهزيمة الدائمة لداعش. هذه هي مهمتنا العامة".
عطب في السياسة الخارجية الأمريكية
تقول نيويورك تايمز، كان هذا مجرد مثال واحد فقط على عطب السياسة الذي يتحدث عنه الدبلوماسيون الأجانب منذ المكالمة الهاتفية التي تمت بين ترامب وأردوغان، يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
فعقب المكالمة أصدر الرئيس ترامب أوامره بخروج القوات الأمريكية من سوريا، مباغتاً بذلك مساعديه والحلفاء الأجانب. وبعد أيام أطلق أردوغان هجوماً على المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، وهم يعتبرون في الوقت نفسه حلفاء للقوات الأمريكية ضد داعش.
تراجع ترامب منذ ذلك الحين عن أوامره بالانسحاب من أجل الإبقاء على أقل من 1000 من القوات الأمريكية في سوريا، لكن بالنظر إلى حالة عدم اليقين بشأن مهمتهم –والفترة التي سيبقونها هناك- يتأنَّى الحلفاء قبل دعم استمرار المعركة.
وعُلِّقَت إلى حدٍّ كبير الجهود الأوروبية الرامية لتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة توطين اللاجئين، وإزالة المتفجرات إلى أن تتمكَّن الولايات المتحدة من ضمان أمن المنطقة. وأشارت الخارجية الفرنسية في بيانٍ، الأربعاء الماضي، إلى أنَّ الأراضي السورية انتُزِعَت من داعش قبل سبعة أشهر فقط، وحثَّت على تجنُّب "المبادرة الأحادية التي قد تُقوِّض هذا الإنجاز".
وقال دبلوماسي أجنبي، الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّه يجري مناقشة ما وصفه بأنَّه افتقاد الولايات المتحدة لاستراتيجية واضحة في سوريا.
يقول تشارلز ليستر، الباحث بمعهد الشرق الأوسط: "من الواضح تماماً أنَّه جرى إقناع الرئيس بإبقاء قوات على الأرض على أساس الشيء الوحيد الذي قد يكون مثار اهتمام بالنسبة له، ألا وهو وجود النفط، لكنَّ الجهاز الحكومي الأمريكي الأكبر بكثير يحاول استخدام هذا كغطاء لتشكيل استراتيجية أكثر وضوحاً وأقل غموضاً وأكثر استدامة، تُركز على مكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه إعادة التأكيد على أوراق الضغط على دمشق".
ماذا عن مقاتلي داعش المحتجزين؟
ومن بين الموضوعات الأساسية التي نوقشت في مباحثات الخميس، كيفية التعامل مع ما يُقدَّر بألف مقاتل من داعش محتجزين في المعسكرات التي يسيطر عليها الأكراد شمال شرقي سوريا.
تُعَد الغالبية العظمى من المقاتلين –نحو 8 آلاف مقاتل- من السوريين والعراقيين. وقال مسؤولون إنَّ هؤلاء خطيرون للغاية، بحيث لا يمكن إطلاق سراحهم، لكنَّهم مع ذلك عُرضة جداً للانتهاكات من جانب القوات الأمنية إذا ما نُقِلوا إلى عُهدة حكومتيهما من أجل الخضوع للمحاكمات.
وقال مسؤول بالخارجية الأمريكية، إنَّ بقية مقاتلي داعش أصبحوا طيّ النسيان إلى حدٍّ بعيد، وذلك نظراً إلى أنَّ معظم البلدان الأوروبية رفضت استعادة مواطنيها لإخضاعهم للمحاكمات.
وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، أنَّ الولايات المتحدة استعادت ستة على الأقل من مقاتلي داعش.
قال سيموس هيوز، نائب مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن، إنَّ الأمريكيين الـ13 الذين انضموا إلى داعش في العموم قد أُعِيدوا إلى الولايات المتحدة، لكن لم يكن جميعهم مقاتلين، وبعضهم عاد من تلقاء نفسه.
يوجد أيضاً 70 ألفاً من زوجات وأطفال مقاتلي داعش في المعسكرات، وتعاني البلدان الغربية مع فكرة إن كان ينبغي عليها إعادة هؤلاء أم لا، وكيفية تنفيذ ذلك، نظراً لأنَّ بعضهم بات متطرفاً وإما عنيفاً.
تركيا تبدأ ترحيل المقاتلين الأجانب
بدأت الحكومة التركية هذا الأسبوع عملية ترحيل مقاتلي داعش المحتجزين في مراكز الاحتجاز التركية إلى مراكز احتجاز في فرنسا وألمانيا والدنمارك وأيرلندا. ورحَّلت كذلك رجلاً يُعتَقَد أنَّه مواطن أمريكي متهم بالانضمام إلى داعش إلى الحدود التركية اليونانية.
أشاد ترامب في البيت الأبيض، الأربعاء، بأردوغان، لما وصفه بأنَّه اعتقل أكثر من 100 من مقاتلي داعش. وقال إنَّ إحجام أوروبا عن استعادة مواطنيها "ليس بالأمر الصحيح وليس عادلاً".
قال دبلوماسيون إنَّ فرنسا وقطر تعملان على مقترحات لإقامة محكمة دولية لمحاكمة مقاتلي داعش، بدلاً من تركهم إلى الحكومات الفردية.
ومنذ مصرع البغدادي، سعى مسؤولون كبار في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، وجنرالات كبار كذلك، لتفسير استمرار وجود القوات الأمريكية في شمالي سوريا، باعتباره أولوية لهزيمة داعش، والعمل مع الحلفاء الأكراد السوريين أكثر منه لحماية حقول النفط.
فأكَّد الجنرال مارك ميلي هو الآخر، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، على أنَّ المهمة المنوطة بالجنود الـ600 إلى الـ700 الذين سيبقون على الأرجح في سوريا هي مكافحة الإرهاب.
قال ميلي في برنامج This Week على قناة ABC الأمريكية: "لا يزال هناك مقاتلون لداعش في المنطقة، وما لم يُبقَ على الضغط، وما لم يُبقَ على الاهتمام المنصبّ على هذا التنظيم سيكون هناك احتمال كبير حقيقي للغاية بأن يُعاد تهيئة الظروف الملائمة التي تسمح بمعاودة ظهور داعش. الوجود على الأرض سيكون صغيراً، لكن الهدف سيظلّ هو نفسه: الهزيمة الدائمة لداعش".
لكنَّ خبراء أمنيين ذوي خبرة في المنطقة يحذرون من الترتيبات الآخذة بالتبلور، بل والفوضوية، التي تبنَّتها الولايات المتحدة بخصوص القوات في شمال شرقي سوريا على الأرجح لن تؤدي إلا لتجنُّب نشوب صراع كبير آخر بين الأكراد السوريين والجيش التركي في البلاد.