فلسفة آبي أحمد لحكم إثيوبيا تواجه صعوبات جمّة، فبينما أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي نجماً دولياً مرموقاً، فإنه يواجه أزمة كبيرة في بلاده.
فقد حصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 11 أكتوبر/تشرين الأول على جائزة نوبل للسلام، لإنهاء حالة الجمود الطويلة (لا سلام ولا حرب) مع دولة إريتريا المجاورة.
ولكن من المفارقات أنَّ آبي أحمد يفتقر إلى الدعم الشعبي القوي في بلاده، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
التحدي الأكبر له يظهر بين أبناء عرقيته
حتى في موطنه الأصلي إقليم أوروميا، تواجه قيادته اعتراضات جدّية من جانب القوى الإثنية، التي يمثّلها الناشط السياسي على مواقع التواصل الاجتماعي، جوهر محمد.
أصبح هذا واضحاً بصورة مؤلمة، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، عندما هزَّت موجة من أحداث العنف المميتة إقليم أوروميا، في أعقاب سلسلة منشورات كتبها جوهر محمد على موقع فيسبوك.
أعلن الناشط، الذي يرأس أيضاً قناة تلفزيونية تدعى "شبكة أوروميا الإعلامية"، أنَّ الشرطة على وشك اعتقاله، وهو ادَّعاء نفته الحكومة الإثيوبية لاحقاً. لقي حوالي 70 مدنياً مصرعهم عندما خرج أنصاره الغاضبون إلى الشوارع، مما أدى إلى نزاع بين المجموعات الإثنية، اتّخذ طابعاً عرقياً ودينياً.
يرمز هذا الحادث المأساوي إلى الطبيعة المضطربة للسياسات القائمة على الانتماء العرقي في إثيوبيا، والتي بدأت تحطم أسس ائتلاف "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية" الحاكم في إثيوبيا. يتكون هذا الائتلاف السياسي، الذي حكم البلاد منذ عام 1991، من أربعة أحزاب تُمثّل المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد (الأمهرة والأورومو والتغراي والمجموعات الجنوبية).
كيف انتهت الهيمنة السابقة للتغراي؟
كان حزب "جبهة تحرير شعب تغراي" هو الحزب المهيمن على الائتلاف الحاكم حتى وقت قريب.
أدَّت عقود من الحكم الاستبدادي، والنزوح القسري، والهيمنة المتصوّرة لعرقية تغراي داخل ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية إلى سخط واسع النطاق أثار سلسلة من الاحتجاجات في عام 2015. بدأت الاحتجاجات في إقليم أوروميا، وامتدت بعد ذلك إلى ولاية أمهرة. قاد تلك الاحتجاجات مجموعات شبابية شعبية، أبرزها حركة الشباب الوطنية من أجل الحرية والديمقراطية "Qeerroo" في أوروميا.
وفي أبريل/نيسان عام 2018، استجاب ائتلاف الأحزاب الحاكمة في إثيوبيا تحت ضغط الاحتجاجات، واستقال رئيسه هايلي مريام ديسالين.
تولَّى آبي أحمد رئاسة الائتلاف بموجب تعديل داخلي، ليكون بذلك أول رئيس وزراء من عرقية أورومو يحكم إثيوبيا. كان آبي أحمد يُمثّل جيلاً أصغر من الإصلاحيين داخل ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، واستهلَّ فترة رئاسته على الفور بإشارات تصالحية، ووعد بتوسيع المجال السياسي. إجراءاته السريعة المتمثلة في إحلال السلام مع إريتريا، والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، والترحيب بعودة الأحزاب السياسية المستبعدة قد أكسبته تأييداً شعبياً كبيراً.
لماذا تراجع تأييد آبي أحمد؟
ومع ذلك، لم يستمر هذا التأييد لفترة طويلة. شعر الكثير من مؤيدي آبي أحمد بخيبة أمل على الفور جراء نبرته الهادئة المحسوبة، وسعيه للتوصل إلى تسويات في دولة يسود فيها الاستقطاب السياسي بقوة.
وأدَّت أعمال العنف، التي اندلعت في 23 أكتوبر/تشرين الأول في أوروميا إلى تعميق الانقسام داخل قاعدة دعمه الشعبية، وأفسدت خططه لتوحيد ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، ليصبح حزباً واحداً جامعاً لكل القوميات الإثيوبية.
تهديد العنف أصبح أسوأ من أي وقت مضى
في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات وطنية، في مايو/أيَّار 2020، في ظل وجود حزب حاكم ضعيف وناخبين منقسمين، أصبح خطر تحريض قوى إثنية راديكالية على العنف أسوأ من أي وقت مضى.
ومن المفارقات أنَّ آبي أحمد اكتشف أنَّ إقرار السلام مع إريتريا أسهل كثيراً من توحيد صفوف بلاده وحزبه.
في الواقع، يُنظر إلى إنجازه في صنع السلام مع السودان وإريتريا باعتباره في أفضل الأحوال جهداً لتعزيز ملفه السياسي الشخصي، قبل الشروع في مهمة أصعب تتمثَّل في إحلال السلام في الداخل الإثيوبي.
عليه تجنُّب مصير يوغوسلافيا
يجب أن يجد آبي أحمد طريقة لمنع تكرار التاريخ المحفوف بالمخاطر للتجارب السابقة الخاصة بالفيدرالية العرقية في دول مثل يوغوسلافيا.
سيتطلب ذلك إدخال مزيد من النظام والشفافية في عملية الانتقال السياسي. في هذه المرحلة، تعد العملية الانتقالية ضبابية للغاية من دون أي توافق في الآراء بشأن النتائج المرجوة أو جدول زمني واضح.
قد يكون كل هذا متعمداً من جانب آبي أحمد.
المشكلة أن النظام مبني على العرقية
تعود الأسباب الجذرية للأزمة السياسية الحالية في إثيوبيا إلى نظام يربط على نحوٍ خطير الانتماء العرقي بالسياسة الانتخابية.
تلك السياسة القائمة على العرق، التي استُحدثت لضمان تمثيل عرقي أكبر ومساواة داخل حدود النظام المركزي الديمقراطي في ظل حكم ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، تتسبب في تأجيج العنف والتطرف العرقي في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تقويض أسس النظام الفيدرالي الذي تستند إليه.
يستلزم التوصل إلى حل دائم إجراء إصلاح دستوري يُنشئ ضوابط وتوازنات جديدة تُخفف من خطر تحوّل تلك السياسة العرقية إلى عنفٍ مطلق.
الصفقة الضرورية بين الفيدراليين والمركزيين
ومع هذا، سيتطلب ذلك عملية موسعة مكثفة لبناء توافق في الآراء بشأن صفقة توفق بين مصالح مناصري النظام الفيدرالي ومناصري نظام الدولة المركزية الموحدة.
لسوء الحظ، إمكانية إنشاء آلية يمكنها دعم هذا النوع من الإصلاح يعتبر أمراً شبه مستحيل تقريباً في ظل المناخ السياسي الحالي، الذي يتّسم بدرجة عالية من الاستقطاب والانقسام وعدم الاستقرار. يشهد المجال السياسي في إثيوبيا سيلاً من المطالب المتضاربة من مختلف الأحزاب العرقية وغيرها من مجموعات المصالح، وذلك نتيجة حدوث انفتاح مفاجئ بعد العيش في ظل عقود من القمع.
كيف يؤسس حزباً وطنياً في مواجهة المصالح القائمة على العرقية؟
علاوةً على ذلك، فإنَّ الجهود الرامية إلى تحجيم دور الانتماء العرقي في السياسات ستثير حتماً غضب أجزاء كبيرة من البلاد. قد يلجأ بسهولة سماسرة القوة الإقليميون، الذين استفادوا مالياً وسياسياً من السياسات العرقية، إلى إثارة أحداث عنف طائفية على غرار الأحداث الدامية، التي هزَّت البلاد يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول، لحماية امتيازاتهم.
في غضون ذلك، يبدو آبي أحمد حريصاً على التغلّب على القيود المؤسسية لتهدئة قوى الاستقطاب العرقية المثيرة للانقسامات، والتي تُعرّض أمن البلاد وسلامتها للخطر.
ويبدو اندفاعه نحو توحيد الائتلاف الإثيوبي الحاكم في حزبٍ واحد جزءاً من تلك الاستراتيجية.
الهدف البعيد الذي ترمي له فلسفة آبي أحمد لحكم إثيوبيا
يعتقد آبي أحمد أنَّ خطوة التوحيد ستجعل الائتلاف يشمل المجموعات العرقية، التي لا تمثّلها الأحزاب الأربعة الأعضاء الحاليين.
وقد يوقف أيضاً اتجاه المجموعات العرقية الأصغر نحو تشكيل أحزابها الخاصة بها والمطالبة بالحكم الذاتي الإقليمي.
هذه ليست أخبار جيدة بالنسبة للجميع، بالإضافة إلى أنَّها تواجه رفضاً شديداً من جانب الجهات الفاعلة، التي تستمد قوتها من استغلال السياسات العرقية لتحقيق مصالحها.
ولهذا غضب أبناء قوميته
يعتبر توجّه آبي أحمد لتوحيد حزبه عاملاً رئيسياً وراء تدهور علاقته مع جوهر محمد، الذي يعارض بشدة تلك الخطة. يميل جوهر إلى رؤية السياسة والتاريخ الإثيوبي باعتبارهما ساحة للتنافس العرقي، ومن ثمَّ يُفضّل نظاماً يجري فيه تنظيم التمثيل السياسي على أسس عرقية.
يبدو أنَّ عملية توحيد ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية قيد التنفيذ بالفعل.
إذ يمضي آبي أحمد قدماً في وضع الخطوط العريضة للمبادئ التوجيهية للحزب الموحد المقبل، والذي سيعاد تسميته ليصبح "حزب الازدهار الإثيوبي". يتجلّى مبدأ رئيس الوزراء الإثيوبي من خلال عنوان كتابه، الذي أصدره مؤخراً، وهو "Medemer"، وهي المرادف الأمهري لكلمة Synergy، أي "التآزر". إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، ستحل هذه الفلسفة الليبرالية الواردة في الكتاب محل أيديولوجية الديمقراطية الثورية، التي تبناها الائتلاف الحاكم على مدار 30 عاماً.
تبيَّن فلسفة الكتاب حدود السياسات القائمة على الانتماء العرقي والحاجة إلى إعادة توجيهها نحو سياسات قومية مدنية.
هناك دوافع شخصية وراء هذه الفلسفة، ولكن هويته المختلطة هي نقطة ضعفه
والأهم من ذلك أنَّ آبي أحمد يؤكد الحاجة إلى التوفيق بين الاختلافات العرقية وبناء الوحدة الوطنية.
يمتلك أحمد دوافع شخصية عميقة للدعوة إلى تحقيق هذا الوئام العرقي والديني.
إذ ينتمي لعائلة مختلطة العرق، إذ وُلد لأب مسلم من عرقية أورومو وأم مسيحية من عرقية أمهرة.
لكن لسوء الحظ، قد تكون هويته المختلطة هي نفسها نقطة ضعفه.
امتلاك أصل عرقي مختلط في بلد، حيث الانتماء العرقي هو المتغير السياسي الأساسي، قد يُفسَّر ضمنياً بسهولة أنَّه شخص دخيل.
قد يكون الأصل العرقي المختلط لآبي أحمد سلاحاً ذا حدين. ففي حين أنَّه من المرجح سيحظى بدعم أشخاص غير منتمين للأرومو، لكنه قد يُنظر إليه من جانب عرقية أورومو نفسها باعتباره غير خالص النسب بالقدر الكافي، وهذا يخاطر بفقدانه الدعم في أي منافسة ضد القوميين العرقيين.
الميزة أن فلسفته الوحدوية ترضي الفيدراليين والوطنيين معاً
على الرغم من أن التركيز على الوحدة الوطنية في كتاب آبي أحمد قد يثير الجدل في بعض الدوائر، لكنه يتضمن عناصر تروق لمؤيدي الفيدرالية العرقية وأولئك الذين يفضلون وحدة وطنية أكبر. يُحتمل أن يتمثَّل نهج آبي أحمد في الحفاظ على فيدرالية عرقية إقليمية للأغراض الإدارية، مع الاعتماد على أحزاب وطنية لأغراض التنظيم السياسي على المستوى الاتحادي.
يبدو أنَّ هذه التطلعات تساعد في تمكين المنافسة السياسية التعددية بين عدد قليل من الأحزاب الوطنية التي تتجاوز مسألة الانتماء العرقي.
هذا النموذج المختلط من شأنه أن يروق لكلٍّ من أنصار الدولة المركزية الموحدة، الذين يؤكدون الهوية الإثيوبية (من خلال أحزاب وطنية موحدة)، ومؤيدي النظام الفيدرالي، الذين يؤكدون الاستقلال الذاتي العرقي (من خلال حكم ذاتي يقوم على الانتماء العرقي).
وهو يريد التحول لليبرالية الرأسمالية التي تراهن على الخارج
يتطلب تحقيق مجموعة المبادئ، الواردة في كتاب آبي أحمد، أيضاً تحولاً كبيراً في العقيدة السياسية والاقتصادية من التوجّه اليساري إلى اليميني.
كان حجر الزاوية في أيديولوجية ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التي عبَّر عنها زعيمها الراحل ملس زيناوي، يُصوّر تأسيس دولة تنموية يقودها حزب طليعي مهيمن.
في المقابل، يبدو آبي أحمد من أنصار الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الحر، الذي يعطي دوراً أكبر للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب.
لكن سماسرة السلطة الإقليميين ازدادوا قوة جراء العنف
أظهرت أحداث عنف 23 أكتوبر/تشرين الأول تدهوراً في قطاع إنفاذ القانون، ما أدَّى إلى تعزيز قوة سماسرة السلطة الإقليميين والمحليين الذين يستخدمون العنف دلالة على القوة السياسية من خلال استغلال فراغ السلطة أثناء فترات الاضطراب السياسي.
سيتطلب معالجة هذا الأمر وضع استراتيجية إنفاذ قانون فعَّالة ومنسّقة على المستوى الاتحادي لوقف تصعيد النزاعات على نحوٍ استباقي.
يؤدي ضمان اللجوء الفوري إلى العدالة في أعقاب الحوادث العنيفة دوراً في تخفيف شعور عدم اليقين والعجز، الذي يجتاح عموم المواطنين. يتطلب ذلك منح قدر أكبر من الاستقلال الذاتي لسلطة قضائية مستقلة ونزيهة لملاحقة مرتكبي جرائم العنف بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو العرقي.
والبعض يراه يجامل عرقيته
يتمثّل الاختبار الحاسم في طريقة تعامل الحكومة مع أحداث 23 أكتوبر/تشرين الأول المتعلقة بجوهر محمد. ينظر مواطنون غير منتمين لعرقية أورومو إلى تساهل آبي أحمد تجاه جوهر باعتباره دليلاً دامغاً على المعايير المزدوجة التي تفضل عرقية أورومو.
في ولاية أمهرة على وجه الخصوص، قارن النشطاء إحجام آبي أحمد عن الاستجابة بعد أعمال العنف في أوروميا بإجراءاته السريعة في أعقاب محاولة انقلاب مزعومة كانت الحكومة قد اتهمت العميد أسامينو تسيغي بتدبيرها في شهر يونيو/حزيران.
بعد هذا الإجراء الدامي، الذي أودى بحياة أربعة من كبار القادة العسكريين والإقليميين، اتَّخذ آبي أحمد نهجاً حازماً واعتقل قادة حزب "الحركة الوطنية الأمهرية" القومي الناشئ، ما أدى إلى تقويض الحركة على نحوٍ فعال.
فهم يتخوفون من هيمنة "الأرومو"
يشعر بعض النشطاء بالقلق من أنَّ تسامح آبي أحمد تجاه المعارض جوهر محمد ينذر بمستقبل تسود فيه الهيمنة لعرقية أورومو.
هم يخشون عدم التزام آبي أحمد وحزبه بتحقيق الديمقراطية الحقيقية، وأن يتركّز اهتمامهم فقط على استبدال شكل جديد من أشكال هيمنة عرقية أورومو بالهيمنة القديمة لجبهة تحرير شعب تغراي.
على الرغم من كونها أكبر مجموعة عرقية ينتمي إليها أكثر من ثلث سكان البلاد، تعرَّض شعب الأورومو للتهميش تاريخياً من الأدوار المركزية في السياسة الوطنية، كما يقول كثيرون، وتحمَّلوا العبء الأكبر من المظالم التاريخية.
ومع صعوده إلى السلطة، يتحمَّل آبي أحمد العبء الكامل لتلبية توقعات شعب الأورومو بشأن التحرر الوطني مع ضرورة الاحتفاظ بقدرٍ كافٍ من الثقة والمصداقية لدى الجماعات العرقية الأخرى، التي تخشى زيادة هيمنة الأورومو.
لماذا يحاول إرضاء جوهر محمد؟
يبذل آبي أحمد جهداً كبيراً لتلبية مطالب جوهر محمد. لكن هذا على الأرجح بدافع الخوف من فقدان ثقة شباب الأورومو المتحمسين، الذين يحتشدون خلف جوهر، أكثر من كونه رغبة في ترسيخ هيمنتهم. بعد توليه منصب رئيس الوزراء من خلال ركوب موجة الاحتجاجات، التي اندلعت بقيادة حركة "الشباب الوطنية من أجل الحرية والديمقراطية "Qeerroo" في أوروميا، يحتاج آبي أحمد إلى موافقة ضمنية من جوهر محمد لإضفاء الشرعية على الادّعاء بأنَّه يمثَّل قوى التغيير التي جلبته إلى السلطة.
لكن في حين أنَّ التحدي الوحيد الذي يواجه جوهر محمد يتمثّل في مناشدة عرقية أورومو من خلال المطالب الشعبية الراديكالية، يجد آبي أحمد نفسه ممزقاً بين تحديين متعارضين: مناشدة عرقية أورومو ومناشدة بقية إثيوبيا.
لذا، يعتبر نهجه الحالي غير قابل للاستمرار لأسباب ليس أقلها أنَّ مطالب جوهر محمد تحمل تداعيات بعيدة المدى.
حكومتان في إثيوبيا والجبهة الحاكمة سابقاً تخرج من حزب آبي أحمد
كان جوهر محمد قد قال، في مقابلة إعلامية، إنَّ هناك حكومتين في إثيوبيا، مشيراً إلى أنَّ الحكومة الثانية هي حركة "الشباب الوطنية من أجل الحرية والديمقراطية "Qeerroo"، التي يبدو أنَّها تتبع أوامره.
لمواجهة هذه التحديات، ينبغي لآبي أحمد التركيز على تنظيم أمور حزبه. ويُفترض أن يوفر له مؤتمر الائتلاف، الذي يُتوقع عقده في وقت ما من هذا الشهر الجاري، فرصة لإعادة ضبط التوافق الداخلي لحزبه.
يبدو من المؤكد تقريباً أنَّ الحزب الموحد حديثاً الجامع للقوميات في إثيوبيا لن يتضمن جبهة تحرير شعب تغراي.
تنظر جبهة تحرير شعب تغراي إلى خطة توحيد ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية وفلسفة كتاب آبي أحمد باعتبارها تنصّلاً من مفهومها للفيدرالية العرقية.
في غياب حدوث اندماج موفّق، ينبغي لآبي أحمد عقد صفقة مع جبهة تحرير شعب تغراي تسمح بوجود شراكة عمل. وعلى الرغم أنَّ كليهما لا يحب الآخر، يعتمد وجود كلٌّ منهما على الآخر. ومن ثمَّ، لن يتسبب اندلاع المشاحنات بينهما إلا في إضعاف كليهما.
من نواحٍ كثيرة، تقدم هذه الحلقة فرصة فريدة لصياغة نظام سياسي يستوعب السياسات التنافسية في إثيوبيا.
الحل الأمريكي
تستطيع جبهة تحرير شعب تغراي التعاون مع حزب آبي أحمد الموحد المقبل لإنشاء نظام يمكنهم التعايش فيه بسلام بدلاً من محاولة تدمير بعضهما البعض.
ومثلما ظهر النظام السياسي القائم على الحزبين في الولايات المتحدة الأمريكية بعد منافسة سياسية ودستورية بين القوى المؤيدة للفيدرالية والقوى المناهضة لها في تسعينيات القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، تمنح هذه الفترة فرصة لإثيوبيا لتبني نظام سياسي جديد يستوعب الرؤى المتنافسة.
لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا اتفقت الجهات الفاعلة الرئيسية على مجموعة واضحة من الاتفاقيات القابلة للتنفيذ وألزمت نفسها بالخضوع لآلية قانونية مستقلة لحل النزاعات.
سيؤدي عقد صفقة مُلزمة مع "جبهة تحرير شعب تغراي" على المدى القصير إلى قطع شوط طويل نحو تهدئة التوترات العرقية.
قد يوافق الأحزاب الأعضاء على وقف تقويض بعضهم البعض واستنباط استراتيجية مشتركة للحد من التطرف العرقي داخل صفوفهم والمناطق المعنية. بالنظر إلى أنَّ البلاد تستعد للمضي قدماً في طريق انتقال سياسي طويل ومتعرج، سيساعد وجود علاقة فعّالة بين الأحزاب الأعضاء في ائتلاف "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية" في يجعل الطريق إلى الأمام أكثر سلاسة بالنسبة للجميع.
لم يجد آبي أحمد حتى الآن الصيغة الملائمة لإنشاء آلية شرعية وشاملة وفعّالة لتحقيق تغيير سياسي أعمق.
كذلك، لم يتّضح ما إذا كان مثل هذا التغيير ينبغي أن يحدث قبل الانتخابات العامة المتوقع عقدها في مايو/أيَّار 2020 أم بعدها. لكن أفضل طريقة للمضي قدماً تكمن في إنشاء نظام سياسي فعَّال يتجاوز الانقسامات العرقية القائمة.