المبادرة التي طرحتها إيران للسلام في منطقة الخليج بمشاركة فرقاء المنطقة تطرح كثيراً من التساؤلات حول إمكانية تطبيقها بالفعل في ظل حالة فقدان الثقة المتبادل، إضافة لتداخل وتشابك قضايا النزاع وتدخل أطراف دولية عديدة لها مصلحة مباشرة في المنطقة، خاصة حماية حرية الملاحة في مضيق هرمز، فما مدى إمكانية تحقق تلك المبادرة؟
ما أبرز بنود المبادرة الإيرانية؟
بشكل مجرد ومن خلال ما أعلنه الرئيس الإيراني حسن روحاني من على منصة الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، وما تلى ذلك من تفسيرات وشرح من وزير الخارجية محمد جواد ظريف وغيره من المسؤولين الإيرانيين، يمكن القول إن المبادرة الإيرانية تحمل في طياتها عدة عناصر فريدة من نوعها، أولها مفهوم "التحالفات الموضوعية" التي تركز على الالتزامات الجماعية، على عكس الخطط الأمنية التقليدية التي تركز على التحالفات المنفردة لكل دولة على حدة، بحسب الدكتور كايان بارزينجر، مدير معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في طهران، في تحليله للمبادرة المنشور على موقع لوب لوغ الأمريكي.
فالمبادرة تغطي مجالات متعددة وليس فقط موضوع الأمن، حيث تدعو إلى اتفاقات حول مواضيع مثل احترام السيادة والحدود الدولية وحرمتها والحل السلمي للنزاعات ورفض استخدام القوة وأمن الطاقة وحرية الملاحة والسيطرة على التسليح وإجراءات بناء الأمن وجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الموضوعات الأخرى ذات الصلة.
وهذا، بحسب الرؤية الإيرانية، من شأنه أن يتغلب على أزمة الثقة المفقودة حاليا وأجواء الصراع والكراهية، والخطوة الأولى في هذا الطريق هي التوقيع على "معاهدة مجتمع هرمز لعدم التدخل وعدم الاعتداء"، وهو المسمى الرسمي للمبادرة الإيرانية، وما يلي ذلك من إجراءات على الأرض مثل تحديد خطوط ساخنة وتركيب أجهزة إنذار مبكر وتواصل عسكري وتبادل للبيانات والمعلومات لمحاربة تجارة المخدرات والاتجار بالبشر والإرهاب كونها تهديدات مشتركة للمجتمع الدولي.
تنازل إيران عن الشرط المستحيل
وفي البداية كانت طهران تشترط مغادرة القوات الأمريكية منطقة الخليج كشرط أساسي لنجاح المبادرة، لكن استحالة تنفيذ ذلك الشرط جعلها تتراجع عنه، وهو ما انعكس في تصريحات ظريف وعلي لاريجاني، رئيس البرلمان، وغيرهما حيث أكدوا أن إيران "لا تضع شروطاً مسبقة" لتأسيس ذلك التحالف الجماعي وتنفيذ آليته التي ربما تشمل أبعاداً إقليمية ودولية، وهنا يأتي التركيز على الدور الحيوي للأمم المتحدة في الحفاظ على مصالح المجتمع الدولي.
لكنّ كثيراً من المحللين السياسيين يعتقدون أن المبادرة الإيرانية تتسم بتفاؤل لا يوجد على أرض الواقع ما يؤيده، حيث إن موقف كل دولة ينطلق بالأساس من تصورها عن أسباب التوتر في المنطقة، وفي هذا الصدد ليس سراً أن السعودية والبحرين والإمارات ترى أن طهران هي السبب الوحيد لذلك التوتر، وبالتالي فإن طريقة مواجهة التوتر مرتبطة بالأساس للرؤية حول أسبابه، والأهم هنا أن لكل دولة مصالحها الجيوسياسية القائمة على قدراتها ومواردها المتاحة والقيود الاستراتيجية التي تواجهها.
مؤشرات إيجابية
وفي هذا السياق يأتي حديث مسؤولين إيرانيين عن أن الرئيس روحاني بعث في أعقاب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة برسائل إلى قادة دول مجلس التعاون بالإضافة إلى العراق، لعرض "مبادرة هرمز للسلام" الخاصة بتأمين الملاحة البحرية في المنطقة، لحثهم على المساهمة في تطبيقها بما يعكس السياسات الإيرانية "الجديدة" التي تولي ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربي أهمية كبيرة. وتحدثت تقارير لوسائل إعلام عربية عن أن كلاً من السعودية والبحرين ردّتا بشكل "إيجابي" على المبادرة الإيرانية، لكن أياً من الدولتين لم تصرّحا بشكل رسمي بما يؤكد أو ينفي صحة هذه التقارير التي أحجم وزير الخارجية الإيرانية عن التعليق عليها.
ونقلت صحف محلية خليجية عن مصدر بوزارة الخارجية الإيرانية قوله إن طهران تلقت رداً إيجابياً من السعودية والبحرين على رسالة رسمية وجهتها إيران للمملكتين عبر دولة الكويت بخصوص "خطة السلام في المنطقة"، وحظيت المبادرة الإيرانية بتأييد عدد من قادة دول العالم، بمن فيهم المستشارة الألمانية ووزير الخارجية الروسي، بحسب تحليل لوكالة الأناضول.
ولكن ماذا عن التحالفات والمصالح الأخرى؟
المبادرة الإيرانية، في المرحلة الراهنة على الأقل، تبدو غير واقعية في ظل الحرب الخفية بينها وبين عدد من الدول الخليجية بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة سترفض أية دعوات إيرانية أو غير إيرانية لإخراج قواتها سواء من الدول الخليجية أو العراق أو من مياه الخليج العربي والبحر الأحمر، وهو ما سترفضه دول أخرى مثل السعودية والإمارات وإسرائيل.
وتعتمد "معظم" الدول الخليجية على القدرات العسكرية الأمريكية على أراضيها وفي المنطقة، سواء ما يتعلق بحماية أمنها الداخلي أو ما يتعلق بمواجهة التهديدات الخارجية الإيرانية بشكل خاص. وإذا كانت المبادرة الإيرانية وفق ما أعلن عنها ستحقق نوعاً من السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، فإن أمراً كهذا بحاجة إلى خطوات عملية لإعادة بناء الثقة بين هذه الدول وإيران التي "تعتقد" دول، مثل السعودية، بأن إيران تمارس أدواراً في زعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمنها الداخلي مباشرة أو عبر القوات الحليفة لها (الحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثي في اليمن).
النقطة الأخرى هنا هي أن معظم دول الخليج ربما تنظر إلى المبادرة على أنها محاولة إيرانية لفرض الهيمنة على المنطقة والتصرف على أنها القوة الإقليمية الأبرز التي تمتلك زعزعة الاستقرار أو فرضه حسب رؤيتها، وهو عامل نفسي لا يمكن استبعاده عند تحليل الموقف في ظل وجود حاكم فعلي للسعودية هو ولي العهد محمد بن سلمان يطمح في أن تكون المملكة تحت قيادته قوة إقليمية لها نفوذها.