في خطوة ستعني القضاء على ما تبقَّى من حلم الدولة الفلسطينية، قدم أعضاء يمينيون في الكنيست الإسرائيلي مشاريع قوانين جديدة تهدف إلى ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، ومناطق واسعة في الضفة الغربية، إلى السيادة الإسرائيلية، وذلك على وقع استيلاء الاحتلال، مؤخراً، على المئات من الكيلومترات من الأراضي الفلسطينية المحتلة لأغراض الاستيطان. إذ تقدمت عضو الكنيست عن حزب "اليمين الجديد"، وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة، إيليت شاكيد، مشروع قانون لضم مناطق غور الأردن، ومستوطنتي "غوش عتصيون" و "معاليه أدوميم" للسيادة الإسرائيلية.
ويعتبر أعضاء الكنيست من أحزاب ائتلاف حكومة اليمين الإسرائيلية أن "الفرصة السياسية سانحة حالياً لفرض هذا المشروع، في ظل استعداد الولايات المتحدة لدعم تطبيق السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق"، خصوصاً بعد اعتراف ترامب بأسرلة هضبة الجولان، واعتبار القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها العام الماضي.
ماذا يعني هذا المشروع؟
يقضي مشروع القانون بفرض القانون والنفوذ والإدارة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن والكتل الاستيطانية المختلفة، الواقعة جنوب القدس المحتلة وشرقيها، ومحيط مدينة بيت لحم.
ومن أبرز المستوطنات التي يشملها مشروع القانون: "معاليه أدوميم" و "غوش عتصيون" و "أفرات" و "بيتار عيليت"، التي تشمل مناطق صناعية ومواقع أثرية وطرقات، وبؤراً استيطانية أخرى في غور الأردن.
وفي محاولاته لكسب أصوات اليمين المتطرف، كان نتنياهو أعلن خلال مؤتمر صحفي عشية الانتخابات الأخيرة للكنيست، في سبتمبر/أيلول الماضي، أنه سيسعى إلى فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت.
ما مصير الفلسطينيين المقيمين هناك؟
فيما يتعلق بالفلسطينيين المقيمين هناك، يقول موقع "راديو إسرائيل" إن "المقترح سيسمح للفلسطينيين سكان غور الأردن بالحصول على الجنسية الإسرائيلية خلال عشر سنوات من سريان قانون الضم".
وذلك شريطة عدم وجود إدانة بـ "مخالفات أمنية" أو دعوة علنية لمقاطعة سلطات الاحتلال. فيما رجحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إتمام إجراءات سن مشاريع تلك القوانين خلال فترة قصيرة، حيث يتم في البداية إقرار مشاريع القوانين في لجنة الاعتمادات، التي تحل مكان لجنة الكنيست إلى حين تشكيل حكومة جديدة التي طال انتظارها. وقد يتم تقصير فترة هذه الإجراءات إلى 45 يوماً، وبعدها تتم إجراءات سنّها، بعد إقرارها في اللجنة الوزارية للتشريع.
وكانت سلطات الاحتلال قد استولت خلال الأشهر الأخيرة على مئات الدونمات في الخليل وبيت لحم لأغراض الأنشطة الاستيطانية. وقررت سلطات الاحتلال مصادرة 129,3 دونم من أراضي الظاهرية والسموع الفلسطينية، تزامناً مع الاستيلاء على 2000 دونم من أراضي قرية الجبعة، جنوب غرب بيت لحم.
ما موقف الفلسطينيين من المشروع؟
السلطة الفلسطينية قالت في بيان لوزارة خارجيتها إن "التطبيق التدريجي للقانون الإسرائيلي في الضفة الغربية، يعد نتيجة مباشرة للتخاذل الدولي". وأضافت الخارجية الفلسطينية الإثنين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن "سلطات الاحتلال تواصل تغوُّلها على الأرض الفلسطينية المحتلة عبر فرض المزيد من الإجراءات والتدابير والخطوات الاستعمارية أحادية الجانب، بهدف تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة كأمر واقع".
وأردفت الخارجية في بيانها أن "سلطات الاحتلال تقوم بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات والطرق في الضفة الغربية تدريجياً، وتقديم مشاريع قوانين للكنيست لضمها، ما يفسر الهجمة الاستيطانية الشرسة وغير المسبوقة لخلق نظام فصل عنصري، وتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية إلى جزر معزولة تغرق في محيط استيطاني ضخم، لا يمكن لها أن تشكل جزءاً من دولة حقيقية متصلة جغرافياً وذات سيادة".
مضيفة أن "المخططات الاستعمارية تعكس حجم التواطؤ الدولي مع الاحتلال، وزيف مواقف وشعار الحرص على عملية السلام ومبدأ حل الدولتين، وزيف الادعاء بالدفاع وحماية حقوق الإنسان، إذ تنعكس هذه الحالة الدولية المتردية من خلال الازدواجية في المعايير الدولية، وسياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا والأزمات الدولية".
في السياق، وفي سبيل تقديم تسهيلات للمستوطنين، قال موقع راديو إسرائيل، الإثنين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إن تل أبيب قررت إنشاء هيئة قانونية في الضفة الغربية موازية لسجل الأراضي ستسمح لمن يريد شراء أراضٍ وشقق بالتوجه إليها دون عقبات بيروقراطية.
متى سيتم إقرار المشروع الإسرائيلي؟
يتوقع خبراء إسرائيليون أن تستغرق إجراءات سن المشروع فترة غير قليلة. ففي البداية سيتم إقرارهما من خلال لجنة الاعتمادات التي تحل مكان لجنة الكنيست إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وقد يتم تقصير فترة هذه الإجراءات إلى 45 يوماً، وبعدها تتم إجراءات سن المشروعين، بعد إقرارهما في اللجنة الوزارية للتشريع. وبعدها يحتاج المشروعان إلى ثلاث قراءات في الكنيست.
لكن من المستبعد جداً أن يتم تعطيل هذه المشاريع في الكنيست، لأنها تحظى بإجماع كبير بين القوى المختلفة، باستثناء الكتلة العربية. إذ تعتبر مستوطنات غور الأردن بالنسبة لتل أبيب "كنزاً استراتيجياً وأمنياً" من الدرجة الأولى. وبُعيد المنافسة في الانتخابات الأخيرة الإسرائيلية، ظهر تأييد كامل بين الأحزاب المتنافسة، حيال ضم مناطق غور الأردن والضفة للسيادة الإسرائيلية.
وكان بيني غانتس، خصم نتنياهو من ائتلاف "أزرق أبيض"، قد أعلن مراراً أنه "ينبغي فرض سيادة إسرائيل على الأغوار"، مضيفاً أنه سيدعم أي مشروع قانون في الكنيست حيال ذلك.
وبحسب خبراء إسرائيليين، فإن مشروع القانون سيضع نتنياهو وغانتس أمام "امتحان الوفاء بوعودهم بضم بعض المناطق كالأغوار قبل الانتخابات".
ما الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن؟
تشكل منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت حوالي ثلث الضفة الغربية، واحتلت إسرائيل الضفة الغربية، إلى جانب القدس الشرقية وغزة ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو/حزيران عام 1967. وأعلنت ضمَّ القدس الشرقية رسمياً عام 1980، ومرتفعات الجولان في عام 1981، رغم عدم وجود أي قبول دولي لهذه التحركات طوال عقود.
الغور أو وادي الأردن هو سهل منخفض يقع في القسم الجنوبي من شرق المتوسط، ويرتبط تعريفه بنهر الأردن الممتد من بحيرة طبريا، منحدراً حتى أخفضِ نقطةٍ على سطح اليابسة عند شاطئ البحر الميت بحدود 410 أمتار عن مستوى سطح البحر. ويقسم غور الأردن إلى مناطق كثيرة، منها الأغوار الشمالية والأغوار الوسطى.
ويتميز مناخ الغور بكونه أدفأ بعدة درجات من الأراضي المحيطة به، وهو من أخصب الأراضي الزراعية، ويطلق عليه "سلة الغذاء"، ولأن مناخه دافئ شتاءً وحار جداً صيفاً فهو مناسب للكثير من الخضر والفاكهة وأشجار أخرى كثيرة، كما أن المناخ الحار يناسب نبات الموز، حيث توجد في الغور مساحات شاسعة من مزارع الموز.
إضافة للأهمية الاقتصادية التي يتمتع بها غور الأردن أو وادي نهر الأردن، والذي توجد به مدينة أريحا التي يوجد بها مقر السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو منتصف التسعينيات، والتي أطلق عليها اتفاق غزة وأريحا، يتمتع غور الأردن بأهمية استراتيجية قصوى؛ لأنه يمثل الحدود الشرقية لفلسطين.
وتعتبر محافظة أريحا والأغوار منطقة استراتيجية مهمة، وتشكل مع منطقة طوباس غور فلسطين، لذلك أصبحت المنطقة هدفاً للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي منذ احتلال الضفة الغربية، فقد تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات تدريب الجيش الإسرائيلي، أتت على مساحات واسعة من أراضي المحافظة، خاصة بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي بفصل منطقة الأغوار وعزلها.
لا سلام ولا دولة فلسطينية
في النهاية، يعد إقرار هذه المشاريع الخطيرة، إلغاء فكرة وجود دولة فلسطينية من الأساس، حيث إن غور الأردن يمثل الحدود الشرقية للدولة التي يفترض إقامتها بموجب اتفاقيات السلام، لكن ضم تلك المنطقة التي تمثل ثلث الضفة الغربية، وضم المستوطنات الأخرى، يعني أن أي دولة فلسطينية في المستقبل لن تكون سوى جيوب منعزلة من الأراضي داخل إسرائيل.
كما أن هذه المشاريع التي تعتبر جزءاً أسياسياً من صفقة القرن كما يقول الإعلام العبري، من المؤكد أنها ستقضي تماماً على أي حل سياسي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.