كشفت الوكالة اليهودية عن خطة سرية ستقوم بتنفيذها خلال العقد القادم لتشجيع الهجرات اليهودية لإسرائيل، والعمل بثلاثة مسارات: سياسية وأمنية ودعائية لزيادة معدلاتها، وهي الخطة الأولى من نوعها على صعيد الوكالة منذ تأسيسها، وبدأت بإعدادها خلال الشهور الماضية بإشراف رئيسها يتسحاق هرتسوغ.
هذه الخطة الاستراتيجية أطلقتها الوكالة في مؤتمر للمئات من كبار قادتها في القدس أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019، تتركز على تعزيز الهجرات اليهودية من العالم لإسرائيل، وتنظيم حملات هجرة طارئة سرية، وإقامة جسور ودية بين الدولة العبرية وبين يهود الشتات، وجسر الفجوات المتزايدة بينهما في السنوات الأخيرة، وزيادة انتماء يهود العالم إليها.
لماذا يرحل اليهود من إسرائيل ومن أين سيأتي هؤلاء المهاجرون الجدد؟
ليست المرة الأولى التي يتم إصدار دعوات يهودية لتشجيع الهجرات اليهودية، لكن خلفيتها هذه المرة تختلف عن سابقاتها، فهي تتركز حالياً باستقدام يهود الولايات المتحدة أكثر من باقي الدول، حيث تبلغ نسبتهم فيها من مجموع يهود العالم 40%.
وهناك 500 ألف إسرائيلي يحملون جواز سفر أمريكياً، مع تنامي مظاهر معاداتهم فيها، وما يواجهونه من سلوكيات عنصرية، بسبب تحكمهم بالمال والقرار في ظل إدارة ترامب الجمهورية الأنجيليكانية المسيحية المتصهينة.
صالح لطفي، الباحث بمركز الدراسات المعاصرة بأم الفحم في إسرائيل، قال لـ"عربي بوست"، إن "دوافع دعوة الوكالة اليهودية لاستقدام مزيد من الهجرات اليهودية للتعامل مع ما يواجه إسرائيل من مشاكل متفاقمة، أهمها زيادة الاكتظاظ السكاني من الحريديم المتدينين مقابل تراجع أعداد العلمانيين اليهود، وهذا تطور مقلق للحركة الصهيونية العالمية، فالمتدينون اليهود يستغلون نفوذهم لحكم إسرائيل، والسيطرة عليها خلال 15-20 عاماً، بينما معظم يهود أمريكا من العلمانيين، وبذلك فإن هذه الهجرة المقترحة سوف تحدث توازناً ديموغرافياً في إسرائيل".
وأضاف أن "دافعاً آخر يتعلق ببدء عودة اليهود من إسرائيل لبلدانهم الأوروبية مثل بولندا وألمانيا والدانمارك، وتحول نسبة كبيرة منهم عن اليهودية، وربعهم يتزوجون غير يهوديات، والمخاوف الصهيونية المتنامية من أن يهود العالم لم يعودوا يشعرون أن إسرائيل تمثلهم، مع القناعة السائدة أن وزارة الهجرة المكلفة بتشجيع الهجرات اليهودية مقصرة في عملها، بل فاسدة، لأنها محتكرة للمتدينين منذ سنوات، وهم يركزون على تهجير نظرائهم الحريديم، خاصة من أستراليا وأوروبا".
تركز الخطة الإسرائيلية على إعادة اليهود الذين هاجروا من إسرائيل، ويزيدون عن 700 ألف مع صعوبة إقناعهم بالعودة، حيث يعود 5 آلاف سنوياً مقابل هجرة 20 ألفاً، ويزيد صافي الهجرة اليهودية المعاكسة عن 13 ألفاً سنوياً.
تؤكد الإحصائيات أن 3 ملايين يهودي هاجروا لإسرائيل منذ عام 1948، وتراوحت أعداد من وصلوها في الأعوام الأخيرة بين 27-31 ألفاً، أكثرهم من الولايات المتحدة وفرنسا، والمئات من البرازيل وبريطانيا وروسيا وجنوب إفريقيا، بعد أن بلغ معدل الهجرة السنوي 100 ألف في التسعينيات.
ويرتبط تراجع أعدادهم باستقرار الأوضاع الأمنية في الدول التي يقيمون فيها، كما أن إسرائيل لم تعد مكاناً جذاباً لهم.
والخطة ستكون على حساب العرب
وفيما تتركز إقامة المهاجرين اليهود بمدن تل أبيب والقدس ونتانيا وحيفا وأسدود وبات يام ورعنانا وبئر السبع وعسقلان، فإن الخطة الجديدة تدعو لإسكانهم بمناطق العمق الاستراتيجي لإسرائيل، خاصة الجنوب والنقب وبئر السبع، بالتزامن مع تهجير العرب منها.
إذ حيث باتت هذه المناطق (المشار إليها أولاً) تحوي المقدرات الاقتصادية للدولة، خاصة إمكانيات السايبر، وبالتالي فإن الخطة تهدف إلى ما تسميه "إعادة التوازن السكاني داخل إسرائيل باتجاه الجنوب".
عماد أبو عواد، من مركز القدس للشأن الفلسطيني والإسرائيلي في رام الله، قال لـ"عربي بوست" إنه "يصعب إحصاء هجرة اليهود العكسية من إسرائيل، لأن اليهود حاملي جنسيتها يبقون مقيمين في الخارج فترات طويلة، وعددهم 80 ألفاً، في المقابل تركز إسرائيل جهودها نحو الدول الغربية وأمريكا اللاتينية لاستقطاب الهجرات اليهودية منها، علماً بأن الوضع الداخلي في إسرائيل يسمح باستيعاب هذه الهجرات، فالأرقام ليست كبيرة، وبإمكانها إسكانهم، خاصة في المناطق الفارغة بالنقب".
وأضاف أن "كثيراً من المهاجرين اليهود تجاه إسرائيل يأتون بدوافع اقتصادية، فيما تحاول الوكالة اليهودية إضفاء دوافع قومية وعقائدية عليها، مع الحاجة الإسرائيلية لزيادة عدد المهاجرين اليهود في ظل الفجوة الكبيرة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة، وتزايد نسبة يهود العالم الذين لا يشعرون أن إسرائيل وطنهم القومي، قياساً بالبلد الذين يعيشون فيه حالياً".
من البنود التي تركز عليها الخطة الجديدة للوكالة اليهودية ضمن تعزيز هجرة اليهود لإسرائيل، زيادة شعور اليهود بالانتماء لها، مع تراجع هذه النسبة، حيث أكد 52% من يهود أمريكا عدم مبالاتهم بإبادة إسرائيل، ونسبة الشبان اليهود الذين يشعرون بارتياح لوجود إسرائيل لا تتعدى 54%.
المشكلة أن أفضل العقول هي من تهاجر
تتزامن الدعوة اليهودية الجديدة مع ظاهرة الهجرة المعاكسة من إسرائيل التي وصلت ذروتها في انتفاضة الأقصى والعمليات الفدائية، لكنها اليوم باتت لأسباب أخرى وتتمثل بهجرة الأدمغة والعقول والكفاءات العلمية ممن يهاجرون إسرائيل لأمريكا بالذات، فتريد الوكالة اليهودية تعويض النقص في هذه الكفاءات.
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للدراسات الإسرائيلية في غزة، قال لـ"عربي بوست" إن "صدور الدعوات اليهودية الأخيرة لتشجيع الهجرات من الخارج تتزامن مع زيادة الحديث الإسرائيلي عن ضم الضفة الغربية، والأزمات الأمنية التي يعاني منها العالم، بما فيها تنامي مظاهر معاداة اليهود في الدول، وكثرة الحديث عن الخطر الديموغرافي الفلسطيني، وتركز الوكالة على استجلاب اليهود من فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى وأمريكا اللاتينية وأوكرانيا".
وأضاف أن "الخطة اليهودية الجديدة لتعزيز الهجرة لإسرائيل تتزامن مع المعطيات الإحصائية الإسرائيلي التي تكشف نسباً متفاوتة من أعداد اليهود المهاجرين من إسرائيل إلى الخارج، حيث يبلغ متوسطها سنوياً هاجر منها 14 من كل ألف إسرائيلي، ومن تفسيرات هذه الهجرة الفجوة في الناتج المحلي للفرد بين إسرائيل والدول الغربية، وبات واضحاً أن قوة جاذبية الاقتصاديات الغربية، والأمريكية خصوصاً، تدفع الإسرائيلي للتوجه نحو زيادة معدلات ربحه، واستفادته المالية، بما يزيد على ضعف ما يحصله في إسرائيل".
تسلط الخطة الإسرائيلية الجديدة لتشجيع الهجرة اليهودية الضوء على ما يميزها عن دعوات سابقة، ومنها أن الهجرات اليهودية تشهد حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، لكن السبب المباشر اليوم وجود حالة متراجعة من العلاقة بين يهود العالم وإسرائيل، ورغبة الوكالة اليهودية بجسر الفجوة بينهما، وزيادة انخراط يهود العالم بشؤون إسرائيل بعيداً عن حالة الاغتراب التي يعيشونها، فضلاً عن محاولة الحركة الصهيونية استغلال ظواهر معاداة اليهود حول العالم لتشجيعهم على الهجرة لإسرائيل، خاصة في دول غرب أوروبا.