هل أوقفت السعودية توريد النفط المجاني لمصر بسبب خلاف سياسي أم أن الاتفاق غير مُلزِم أصلاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/01 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/01 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري وولي العهد السعودي/ رويترز

أثارت معلومة أوردها موقع ميدل إيست آي البريطاني تنص على أن السعودية أوقفت  إمداد النفط المجاني عن مصر عدداً من التساؤلات، خصوصاً في ظل عدم صدور أي تعليق رسمي من الجانبين حول القصة، فما حكاية "النفط المجاني" من بدايتها حتى اللحظة؟

ماذا حدث؟

نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني مقالاً بعنوان: "مات البغدادي لكن دعم الغرب للديكتاتوريين يُبقي الحرائق مشتعلة"، كتبه الصحفي البريطاني المخضرم ورئيس تحرير الموقع ديفيد هيرست، ذكر فيه معلومة تخص شحنات النفط المجاني من أرامكو السعودية لمصر.

وفي معرض تناوله للأوضاع الاقتصادية في مصر والتي تسير من سيئ لأسوأ بسبب "سوء إدارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي"، قال هيرست: "بداية هناك شقاق بين السيسي وداعمه الرئيسي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فمصر لم تعد تتسلم نفطاً مجانياً من المملكة، بحسب ما أخبرني مسؤول رفيع في السعودية".

لماذا وكم ترسل السعودية لمصر نفطاً مجانياً؟

وبعيداً عن قصة الخلاف بين السيسي وولي العهد ومدى عمقها أو أسبابها، ترجع قصة النفط المجاني إلى شهر أبريل/نيسان عام 2016، عندما اتفقت مصر والسعودية على قيام شركة أرامكو بتوريد 700 ألف طن من المنتجات النفطية المكررة شهرياً لمدة خمس سنوات، منها 500 ألف طن مجاني والباقي تدفع مصر ثمنه بالتقسيط مع وجود فترة سماح.

شعار أرامكو

هذا الاتفاق تم في سياق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض، التي بموجبها تنازلت مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، وهي القضية التي تسببت في احتجاجات كبيرة في مصر، وشهدت الكثير من الشد والجذب وصدور حكم قضائي بأن الجزيرتين مصريتان، لكن في النهاية تم قمع الاحتجاجات واعتقال ومحاكمة مئات المتظاهرين والحكم عليهم بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية ضخمة ثم إلغاء السجن في الاستئناف والاكتفاء بالغرامة.

ليست المرة الأولى التي يتوقف فيها النفط المجاني

بعد أن قمع السيسي الاحتجاجات الداخلية بشأن التنازل عن الجزيرتين للسعودية وتم الاتفاق فعلياَ والذي أعلنت الحكومة المصرية أن ذلك الاتفاق تم مقابل حزمة مساعدات سعودية بقيمة 23 مليار دولار، وتم بدء تنفيذ الاتفاق في أبريل/نيسان 2016، شهد أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام توقف شحنات النفط المجانية في ظل خلافات حادة بين البلدين بشأن الملف السوري، ووصلت الأمور وقتها لاستدعاء الرياض لسفيرها في القاهرة للتشاور.

الخلاف وقتها خرج للعلن بعد أن صوتت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي بشأن سوريا، بينما صوتت السعودية ضده، وتحدث السيسي عن وقف شحنات النفط المجاني، نافياً أن تكون بسبب الخلاف السياسي، ووصلت الأمور به إلى القول إن "مصر لن تنحني لأحد غير الله"، في نبرة متحدية كانت غريبة وقتها.

آخر تصريح مصري بشأن النفط السعودي

في نهاية فبراير/شباط الماضي قال طارق الملا، وزير البترول المصري، إنه جرى الاتفاق مع شركة "أرامكو" السعودية على تمديد توريد الخام إلى مصافي التكرير المصرية لمدة 6 أشهر جديدة بدءاً من يناير/كانون الثاني الماضي، بحسب صحيفة الوطن المصرية، مضيفة في تقريرها أن شركة النفط السعودية بدأت توريد الخام للمصافي المصرية بشكل تجريبي في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من 2017، ثم بدأت التوريد المنتظم في 2018.

ولم يوضح الملا وقتها في تصريحاته لرويترز إذا ما كان قيام أرامكو بتوريد "أكثر من 500 ألف برميل شهرياً من النفط الخام في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى يونيو/حزيران (الماضي)"، يأتي في إطار اتفاق التنازل عن الجزيرتين أم اتفاق جديد، خصوصاً أن اتفاق أبريل/نيسان 2016 كان يتحدث عن 700 ألف طن من المواد البترولية المكررة منها 500 ألف طن مجاناً.

هل هذا التوقف إشارة على وجود خلافات غير معلنة؟

في ضوء تلك المعلومات وفي ظل غياب تصريحات رسمية من الجانبين عن المعلومة الذي ذكرها هيرست الأربعاء الماضي 30 أكتوبر/تشرين الأول، يكون الباب مفتوحاً على عدد من التفسيرات، أولها أن يكون وقف شحنات النفط المجاني من السعودية لمصر سببه ببساطة هو ما تعرضت له أرامكو من هجمات 14 سبتمبر/أيلول الماضي قلصت إنتاجها بأكثر من النصف، وبالتالي توقفت الشحنات المجانية أول أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

تظاهرات طالبت برحيا السيسي سبتمبر/أيلول الماضي / أرشيفية

التفسير الآخر هو أن يكون الاتفاق الذي تم توقيعه في أبريل/نيسان 2016 لمدة خمس سنوات غير ملزم للجانب السعودي أو يتم تجديده كل ستة أشهر (التوقف الأول للشحنات المجانية جاء بعد ستة أشهر من توقيع الاتفاق)، وبالتالي مع أول أكتوبر/تشرين الأول الماضي توقفت الشحنات ولم تقرر أرامكو تمديد الاتفاق لستة أشهر أخرى، وربما يكون الصمت الرسمي من الجانبين انتظاراً لتمديد الاتفاق.

في كل الأحوال لا يمكن استبعاد وجود سبب سياسي وراء وقف شحنات النفط المجاني في ظل التطورات الكثيرة الحاصلة في المنطقة واحتمالات وجود مواقف مصرية لا يرضى عنها ولي العهد السعودي، وإذا كان الأمر هكذا فالأيام القادمة كفيلة بأن تتكشف الحقائق.

وهناك تفسير ربما يكون أكثر احتمالاً من غيره وهو حالة الغضب المكتوم داخل المؤسسة العسكرية المصرية بسبب تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، مما دفع الرئيس المصري إلى التلكؤ في تسليم الجزيرتين إلى السعودية خوفاً من اتهامه فيما بعد بالخيانة العظمى، وهو ما عبر عنه المقاول المصري محمد علي أكثر من مرة في المقاطع المصورة التي ينشرها عن الفساد داخل الجيش، ولمّح فيها إلى أن هناك حالة استياء كبيرة في المؤسسة العسكرية بسبب تنازل القاهرة عن الجزيرتين، في نفس الوقت تتزايد شريحة الغاضبين من السيسي داخلياً بسبب ممارسات النظام القمعية، مما جعل فكرة تراجع السعودية عن الإمدادات النفطية لمصر قد تبدو  منطقية.

تحميل المزيد