على مدار السنوات الثماني الماضية منذ حصول جنوب السودان على استقلاله من السودان، شوّه تاريخ من العنف العلاقات بين الدولة الجديدة وجارها الجنوبي، والأن يمكن أن يكون النفط سبباً للتقارب بين السودان وجنوب السودان.
فبينما أنهت المظاهرات السودانية حكم عمر البشير الذي استمر 30 عاماً في وقت سابق من العام الجاري، لدى الدولتين الآن فرصة لإعادة تعريف علاقتهما.
وأحد الأشياء التي من شأنها المساعدة على تقوية العلاقة بينهما هو النفط، حسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
هل يجددون اتفاق تقاسم إيرادات النفط؟
مع قرب انتهاء اتفاق استمر لسبع سنوات بحلول ديسمبر/كانون الأول، أعلن وزير البترول أوو دانيال شوانق في شهر سبتمبر/أيلول أن النقاشات تدور لتجديد اتفاق يبرز تعاون البلدين في إنتاج، ونقل، وتكرير البترول.
ويحتاج جنوب السودان للسودان لكي يتمكن من استغلال مصادر النفط لديه، والسودان يحتاج للدفعة المالية التي تأتي من أرباح البترول من جنوب السودان.
لكن في ظل كفاح الدولتين داخلياً مع مشكلاتهما السياسية، هل ستكونان قادرتين على التركيز على الاتفاقات الاقتصادية التي من شأنها دعم اقتصادهما؟
تاريخ مشحون.. النفط للجنوب
عندما انفصل جنوب السودان عن السودان في عام 2011 بعد استفتاء صوّت فيه 99% من الناخبين لصالح الاستقلال، لطالما جمعت الدولة الوليدة علاقات متوترة بالخرطوم.
مزقت الحرب الأهلية السودان على مدار 22 عاماً بداية من عام 1983 وحتى عام 2005، بين الحكومة في الخرطوم، وجيش التحرير الشعبي السوداني وهو إحدى مجموعات حرب العصابات، في صراع يتضمن انقسامات عرقية ودينية وقبلية، فضلاً عن رفض الفساد الحكومي.
في أعقاب الاستقلال، انتهى الأمر بسيطرة جنوب السودان على 75% من مصادر النفط التي كانت في دولة السودان المتحدة قبل الانقسام والتي كان يسيطر عليها نخبة الدولة السابقة. وفقاً لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية، يُصنف جنوب السودان في المرتبة التاسعة من بين 20 دولة منتجة للبترول في إفريقيا.
والأنابيب في الشمال
لكن شبكة الأنابيب الوحيدة التي تنقل نفط جنوب السودان إلى خارج الدولة هي شبكة أنابيب شركة النيل الكبرى للبترول التابعة لدولة السودان، التي تنقل الخام إلى مصفاة بورتسودان الواقعة على البحر الأحمر، مما يجبر جنوب السودان على استخدام البنية التحتية السودانية، مما يمنح السودان نفوذاً على موارد الدولة الناشئة.
لم تكن العلاقات بين البشير وجوبا ودية على الإطلاق، وسرعان ما تحول النفط إلى مسألة سياسية عالقة بين السودان وجنوب السودان.
وجوبا تدعم المتمردين
في عام 2012 توقف إنتاج النفط عدة مرات، لأن الخرطوم اتهمت جوبا بدعم المتمردين السودانيين، وهو ما أنكره جنوب السودان.
قال جيمس أوكوك، وهو دبلوماسي من جنوب السودان ومحاضر في جامعة جوبا، لموقع Middle East Eye البريطاني: "توقف إنتاج النفط في جنوب السودان أوشك على إثارة حرب شاملة مع السودان في عام 2012".
لكن في ظل الاضطرابات الاقتصادية المتفاقمة التي تمر بها الدولتان، فالتعامل مع البترول على أنه أداة ضغط في خصام سياسي هو انتحار اقتصادي.
في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2012، وقع البلدان سلسلة من اتفاقيات التعاون، من بينها واحدة متعلقة بالنفط.
وافق جنوب السودان، بموجب اتفاق النفط، على استئناف الإنتاج في حقول النفط الخاصة به، بينما يُنقل النفط بعد ذلك إلى السودان عبر خطوط الأنابيب عبر الحدود حتى يُكرر هناك.
تضمن الاتفاق ترتيب تحويلات مالية للتحكم في رسوم النفط التي دفعها جنوب السودان لتعويض السودان عن خسارة العوائد بعد انفصال الجنوب. في البداية كان من المفترض أن يستمر هذا لمدة ثلاث سنوات ونصف، ثم مُد ترتيب التحويلات المالية لثلاث سنوات أخرى في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016 انعكاساً لتغيرات الأسعار العالمية للبترول وتدهور الإنتاج.
يقول أوكوك: "النفط هو ما حافظ على تقارب الخرطوم وجوبا بالرغم من بغضهما المشترك لبعضهما البعض سياسياً في ظل نظام عمر البشير البائد".
بدايات جديدة
لكن منذ عام تقريباً، بدأ يتغير الواقع السياسي الذي ظننا أنه لن يتغير أبداً.
فالتظاهرات التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 اعتراضاً على ظروف المعيشة، مثل نقص الوقود، سرعان ما تطورت إلى تظاهرات كبرى تطالب بإنهاء حكم البشير الذي استمر 30 عاماً. وفي 11 أبريل/نيسان عُزل البشير.
بعد أشهر عصيبة من الكر والفر بين الجيش السوداني وجماعات المعارضة المدنية، تأسس مجلس سيادي انتقالي مشترك في شهر أغسطس/آب.
فتح التحول السياسي في السودان الباب أمام فرص لعلاقة جديدة مع جنوب السودان.
قال رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت في جوبا في وقت سابق من الشهر الجاري أكتوبر/تشرين الأول: "أدركنا الآن فقط أن الجلوس فقط من أجل المفاوضات يمكنه حل المشكلات، وليس بارود البنادق. أريد أن تخرج الدولتان من هذه الأزمة حتى يتسنى لهما التركيز على التنمية فقط من أجل شعب السودان، وشعب جنوب السودان".
ومنذ ذلك الحين استضافت جوبا مباحثات السلام بين القيادة الجديدة في الخرطوم وجماعات المتمردين، مما أسفر عن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 21 أكتوبر/تشرين الأول.
والعلاقات الدافئة تعني أيضاً أن موضوع النفط عاد لطاولة المفاوضات مرة أخرى.
ناقش رئيس وزراء السودان الجديد عبدالله حمدوك مع المسؤولين في جوبا، فأثناء زيارته الأولى إلى جنوب السودان بعد أن أدى اليمين الدستورية، مذكرة تفاهم للتعاون في المستقبل بشأن التعاون في مسألة رسوم النفط وحرية الحركة بين البلدين.
ونظراً لاقتراب انتهاء اتفاق التحويلات المالية في شهر ديسمبر/كانون الأول، بدأت مرحلة جديدة من المحادثات في سبتمبر/أيلول لإعادة صياغة الشروط في الاتفاقية الثنائية.
قال مسؤولون في قطاع النفط في جوبا لموقع Middle East Eye البريطاني يوم الجمعة 25 أكتوبر/تشرين الأول إنهم وافقوا على مد الاتفاق مع السودان، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
لكن جنوب السودان أيضاً كان يتعامل مع مشكلاته السياسية الداخلية. ففي شهر سبتمبر/أيلول، التقى رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير ميارديت بخصمه رياك ماشار في جوبا للمرة الأولى منذ 2018، لكن الموعد النهائي لتكوين حكومة وحدة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني يلوح في الأفق دون أي علامة على وجود أي تقدم.
قال جوما بيتر، الصحفي والمحلل الذي يعيش في جوبا، لموقع Middle East Eye، إن منظور العلاقة بين جوبا والخرطوم يعتمد فقط على الإرادة السياسية للحكومتين على إعادة الالتزام بتنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة في 2012.
وقال بيتر: "في نهاية اليوم، يعتمد جنوب السودان كثيراً على خطوط أنابيب دولة السودان ومينائها لنقل نفطه إلى السوق العالمية"، مضيفاً: "يعتمد السودان كذلك بالتساوي على نفط جنوب السودان لتغطية العجز الاقتصادي لديه".
ما يحمله المستقبل.. المشكلة في الحرب الأهلية
قال شوانق وزير البترول في جنوب السودان لموقع Middle East Eye، إنه منذ 2012 دفعت جوبا للخرطوم 2.4 مليار دولار من أصل 3.2 مليار دولار تعهدت بها باعتبارها جزءاً من الاتفاق لتعويض خسارة السودان لعائدات النفط.
ووفقاً لمراجعة احتياطي النفط في جنوب السودان، هناك تقريباً ما يساوي 1.1 مليار برميل من احتياطات النفط المستخرجة أو غير المستخرجة في يناير/كانون الثاني من عام 2015.
يساوي إنتاج جنوب السودان للنفط حالياً حوالي 170 ألف برميل يومياً من منطقتي امتياز نفطي يعرفان باسم المنطقة 3 و7، والمنطقة 1 و2 و4.
هبط سعر خام برنت الذي تعتمد عليه كل مبيعات جنوب السودان بنسبة تفوق 60% منذ شهر يونيو/حزيران من عام 2014، عندما كان يباع بحوالي 112 دولاراً للبرميل. انخفض سعر خام النفط في السوق ووصل إلى 47.86 دولار للبرميل في يناير/كانون الثاني من عام 2015 قبل أن يقفز مرة أخرى إلى ما بين 50 إلى 54 دولاراً في نهاية آخر فترة إعداد التقارير المالية.
تعطل استكشاف النفط وتطويره في جنوب السودان منذ بداية 2014 بسبب الصراع المستمر في الدولة، خاصة بين الحكومة والمتمردين في المناطق الشمالية حيث يقع عدد من حقول النفط.
تجري المباحثات منذ سبتمبر/أيلول بين الخرطوم وجوبا لإصلاح منشآت النفط في المنطقة 5A المعروفة باسم ولاية الوحدة بالقرب من الحدود مع السودان، التي دمرها الصراع.
أوضح شوانق: "يكمن التحدي في منطقة 5A في أن نوعية النفط الخام الذي يأتي من هذه المنطقة لا تتوافق مع الذي تنتجه الخرطوم"، مضيفاً أن هناك اتفاقاً توصلوا إليه في بداية الشهر الجاري لإنتاج ما يصل إلى 16 ألف برميل يومياً في المنطقة 5A، على أمل أن يبدأ الإنتاج هناك في شهر ديسمبر/كانون الأول.
اختبار حمدوك الأهم
يرى إبراهام أوليتش، وهو محلل سياسات كبير لدى معهد السد، في حديثه مع موقع Middle East Eye، أن الأسلوب الأخير على مدار الشهور الأخيرة هو "طريق النجاح"، وقال إن كلتا الدولتين عليها التخلي عن السياسات الماضية التي كانتا تحاولان فيها إسقاط بعضهما البعض.
وقال: "بعد الثورة في السودان، يبادر النظام الجديد ويريد الحفاظ على هذه العلاقة"، مضيفاً: "يجب على السودان أن يمنح جنوب السودان درجة ما من المرونة لكي يمكنه الاستفادة من العلاقة، ويجب أن يكون جنوب السودان مرناً أيضاً وأن يعطي السودان ما يكفي ليثبت أن علاقتهما مفيدة للطرفين".
وأضاف أوليتش أن خلفية حمدوك باعتباره اقتصادياً زادت من فرص أن يرى بصفته رئيس وزراء السودان فوائد زيادة التعاون.
وتابع: "رئيس الوزراء السوداني الجديد خبير في الاقتصاد ويفهم أن كلتا الدولتين تعتمدان على بعضهما البعض، وأن النفط له أهمية كبرى لكلا البلدين".
وقال: "في السنوات الثماني الماضية كنا نحاول إسقاط بعضنا البعض ونجحنا فقط في إسقاطنا جميعاً". واختتم بالقول: "التعاون هو طريق النجاح".