لا شك أنَّ حملة "الضغط القصوى" التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران قد سلَّطت ضغوطاً على البلاد، مؤديةً إلى إجبار البنوك والشركات الدولية على تجنُّب ممارسة الأعمال مع طهران. وتعزو النسبة الأكبر من الإيرانيين (55%) مشكلات بلادهم الاقتصادية إلى سوء الإدارة الداخلية للاقتصاد والبلاد وليس العقوبات الخارجية، التي ترى نسبة 38% أنَّها سبب عِلل إيران.
لكنَّ تلك المساعي أدَّت إلى نتائج غير متوقعة؛ إذ أَّدت إلى زيادة درجة العدائية الإيرانية للولايات المتحدة، وتعزيز شعبية المتشددين الإيرانيين على حساب قادة البلاد الميَّالين للدبلوماسية، وذلك بحسب استطلاع رأي أجرته شركة IranPoll ومقرها مدينة تورونتو الكندية، والتي أجرت أكثر من 3000 مقابلة عبر الهاتف مع أشخاص إيرانيين لاستطلاع آرائهم، بالاشتراك مع مركز الدراسات الدولية والأمنية التابع لكلية السياسة العامة بجامعة ميريلاند الأمريكية.
الشخصية الأكثر شعبية في البلاد
تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، في السنوات الثلاث الماضية، برز اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي يمثل وحدة نخبة تابعة للحرس الثوري الإيراني تشرف على عملياته العسكرية الخارجية، باعتباره الشخصية الأكثر شعبية في الحياة السياسية الإيرانية، متجاوزاً بذلك آية الله خامنئي، أو حتى الرئيس حسن روحاني، الذي منح الضوء الأخضر لانطلاق المفاوضات من أجل الاتفاق النووي الإيراني التاريخي لعام 2015. ومنذ يناير/كانون الثاني 2016، شهد سليماني -المُدرَج على لائحة عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة- تزايد معدلات شعبيته داخل البلاد من 72.7% من المُستَطلَعة آراؤهم إلى 81.6% في أغسطس/آب 2019.
جاء هذا على النقيض من روحاني، أول رئيس إيراني منذ عقود يتحدث مع رئيس أمريكي حين استقبل مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2013. فعلى مدار نفس الفترة، تراجعت نسبة شعبية روحاني من 82.1% إلى 42.3%. وشهد وزير خارجيته محمد جواد ظريف، وهو دبلوماسي تلقّى تعليمه بالولايات المتحدة وقاد المفاوضات النووية الإيرانية، هو الآخر، تراجعاً في شعبيته، فهبطت نسبة شعبيته إلى 67% في أغسطس/آب 2019، بعدما كانت وصلت إلى 77.5% في يناير/كانون الثاني 2016.
تغيّرات كبيرة في الشارع الإيراني
ويُظهِر الاستطلاع المثير هذا، تغيُّرات مذهلة في وجهات النظر الإيرانية إزاء الولايات المتحدة منذ تولّى ترامب السلطة في يناير/كانون الثاني 2017. إذ تنظر نسبة ساحقة من الإيرانيين (86%) الآن إلى الولايات المتحدة بصورة سلبية، مُفضِّلين العلاقات مع بلدان مثل الصين (58%) وألمانيا (55%) واليابان (70%) وروسيا (57%). وتعتقد نسبة هائلة من الإيرانيين المُستطلَعة آراؤهم تبلغ 66% أنَّ "أمريكا دولة خطيرة تسعى للمواجهة والسيطرة".
يعكس الاستطلاع كذلك افتقاداً متزايداً للثقة في الاتفاق النووي. ففي أغسطس/آب 2015، أي بعد شهرٍ واحد من توقيع الولايات المتحدة وإيران والقوى العالمية الأخرى على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، كان نحو 76% من الإيرانيين ينظرون إلى الاتفاق نظرة إيجابية. لكن حالياً، ينظر 42% فقط من الإيرانيين المستطلعة آراؤهم إليه نظرة إيجابية. وقال نحو 59% من المستطلعة آراؤهم إنَّه الآن وقد انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، يجب على إيران أن تنسحب هي أيضاً.
دعم ساحق لتطوير الصواريخ الباليستية
ووفقاً للاستطلاع، فإنَّ جهود الولايات المتحدة لحشد الدعم الدولي من أجل كبح برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني واتخاذ خطوات صارمة ضد شبكة من الميليشيات الشيعية التي تدعمها في مختلف أرجاء المنطقة كان له تأثير بسيط على الإيرانيين.
وهناك دعم ساحق -بنسبة 92%- لمواصلة تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، ويعتقد 61% من الإيرانيين أنَّ تطوير صواريخ باليستية أكثر تطوراً يُقلِّص خطر وقوع هجومٍ أجنبي، وهو ما يجعل الإيرانيين أكثر أمناً. وكان هناك كذلك دعم ساحق لأنشطة إيران العسكرية الخارجية، فقال 61% إنَّهم يعتقدون أنَّ إيران ينبغي أن تبقي جيشها في سوريا، وعبَّر 48% عن ثقتهم في قدرة إيران على حل مشكلاتها من خلال تحولها إلى أقوى دولة بالمنطقة.