شهدت السنوات القليلة الماضية تطوراً لافتاً في علاقات إسرائيل مع دول الخليج، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية أو سياسية مباشرة، واتسمت تلك العلاقات بالسرية، وغالباً ما تظهر في صورة تقارير إعلامية، لكن العام المقبل سيشهد التدشين العلني لتلك العلاقات، كيف ذلك؟
وكالة بلومبيرج الأمريكية نشرت تقريراً حول تلك العلاقات بعنوان: "علاقة إسرائيل بدُول الخليج تخرج إلى النور"، ألقت فيه الضوء على تاريخ تلك العلاقات والحدث الأبرز الذي سيدشنها.
الاستعداد لرفع الستار عن التطبيع العلني
لا تزال الدول العربية في الخليج غير مُعترفةٍ بإسرائيل رسمياً، ولا تزال غالبيتها مُحافظةً على المُقاطعة الاقتصادية لإسرائيل من قبل أن تصير دولة. ورغم ذلك، تُعتبر الروابط التجارية والعلاقات الدبلوماسية الدافئة بين الدولة اليهودية وبين جيرانها في الخليج سراً يعرفه الجميع منذ سنوات.
لكن الستار سيُرفع عن تلك الروابط تحت الأضواء الكاشفة في أكتوبر/تشرين الأول من العام المقبل، حين تفتتح إسرائيل جناحها في معرض إكسبو الدولي بدبي، أكبر إمارةٍ في الإمارات العربية المتحدة. والمُشاركة في هذا المعرض هي أشبه بإقامة سفارةٍ تستمر لستة أشهر: إذ سيتطلَّب الأمر تنسيقاً وثيقاً بين إسرائيل ومُضيفتها في عددٍ لا يُحصى من المهام الروتينية، مثل تعيين البنَّائين وتخطيط الفعاليات التي ستُقام على هامش المعرض. وربما يبدو الحدث غير جوهري، لكن وجود إسرائيل بين أكثر من 190 دولة أخرى يُمثِّل إشارةً واضحة إلى الصورة الجيوسياسية المُتغيِّرة في الشرق الأوسط.
زيارة تاريخية وتحوُّل تدريجي
إذ كان تطبيع العلاقات مع الدول العربية أولويةً بالنسبة لإسرائيل منذ عام 1979، حين وقَّعت مصر وإسرائيل على معاهدة السلام التاريخية في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018، تصدَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عناوين الأخبار العالمية بزيارته عمان، الدولة الصغيرة ذات الروابط القوية بالخليج والعلاقات السابقة مع إسرائيل. وقال يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، إنَّ المُشاركة في المعرض "تعكس مكانة إسرائيل المُتنامية في العالم والمنطقة على حد سواء".
تراجع الأولويات بالنسبة لقضية فلسطين
وصارت مشاركة إسرائيل في المعرض ممكنةً جزئياً بفضل تغيُّر الأولويات الإقليمية، ومنها تركيز دولٍ مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية على مواجهة إيران، فضلاً عن أنَّ تلك الدول ترغب في تعزيز مكانتها الدولية باستضافة فعاليات عالمية من هذا النوع، إلى جانب الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية. وفي الوقت ذاته لم يعُد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي ظلَّ أكثر قضايا المنطقة إلحاحاً لوقتٍ طويل، على رأس أجندة أولويات أولئك الزعماء. ويُمكن أن تتبلور هذه الديناميات المُتغيِّرة في صورة الإصدار الموعود لخطة سلام "صفقة القرن" برعاية البيت الأبيض.
ومع ذلك، لا تزال إسرائيل تُمثِّل قضيةً حساسة في كافة أرجاء العالم العربي. ورغم أنَّ الهيئة الدولية المسؤولة عن تنسيق معرض إكسبو الدولي قالت إنَّ الدول المُضيفة هي من تختار هوية الدول المدعوة، لكن وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية أحالت الأسئلة المُتعلِّقة بمشاركة إسرائيل إلى مُنظِّمي الحدث. وقال ديفيد بيشوب، المُتحدِّث باسم معرض إكسبو 2020 في دبي، إنَّ "الحدث غير سياسي. وأهميته الحقيقية لا تتعلَّق بمشاركة دولةٍ بعينها، بل تتعلَّق بقدرة الإمارات على الوفاء بالتزاماتها عند استضافة الأحداث العالمية الكبرى".
وسيحصل الفلسطينيون أيضاً على جناحهم الخاص في المعرض، وهم يرون في مشاركة إسرائيل قضيةً شائكة بالدرجة نفسها. وهم يحذرون من أيّ أمرٍ قد يزيد الفجوة بينهم وبين حلفائهم العرب، ولكنهم في الوقت نفسه لم ينتقدوا مشاركة إسرائيل علناً، لأنَّهم يعتمدون بشكلٍ كبير على المساعدات الخليجية والنوايا الحسنة مع تلك البلاد. ورفض صائب عريقات، الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، التعليق على مشاركة إسرائيل.
جناح إسرائيل في "إكسبو دبي"
وتتوقَّع الحكومة الإسرائيلية دخول ملايين الزوار لجناح معرضها الذي يحمل عنوان "نحو الغد Towards Tomorrow"، والذي سيُروِّج للتقدُّم الذي أحرزته البلاد في كافة المجالات بدايةً من التكنولوجيا الطبية وحتى إدارة المياه.
وقال ديفيد كنافو، المُهندس المعماري لجناح المعرض، إنَّ تصميم الجناح نفسه مُستوحى من الكثبان الرملية ويقع على مساحة 1,500 مترٍ مربَّع بين جناحَي الهند وإيطاليا. وإلى جانب الترويج للتقدم التكنولوجي، سيُذيع الجناح الأغاني المحلية، وسيضُم مُذيعاً تلفزيونياً شهيراً ناطقاً بالعربية. وتتوقَّع الحكومة إنفاق مبلغٍ يتجاوز الـ55 مليون شيكل (15.5 مليون دولار) التي أنفقتها في معرض إكسبو 2015 بميلان، رغم تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية حول نقص التمويل الذي يُقيِّد إنفاق الدبلوماسيين.
زيارة لأبوظبي ومكتب تمثيل إسرائيلي
وزار كاتس الإمارات مع مسؤولين آخرين من قبل، وافتتحت إسرائيل مكتباً في أبوظبي لتمثيلها بالوكالة الدولية للطاقة المُتجدِّدة، لكن لا يزال هناك الكثير لفعله قبل افتتاح المعرض. إذ يجب التعاقد مع مقاولين ومستشارين لإدارة الكهرباء والعمارة والسلامة، ويجب أن يُوافق المنظمون على الخطط الفنية للجناح، إلى جانب توفير المزيد من المعلومات حول برنامج المعرض. وقضى إليعازر كوهين، المسؤول عن المشروع بوزارة الخارجية، قرابة العام في السفر ذهاباً وإياباً إلى دبي من أجل إنهاء الترتيبات. ولم يُواجه أيّ صعوبات كُبرى مع المنظمين حتى الآن، بل على العكس تماماً. إذ قال: "تشعر باهتمامٍ من جانبهم. يُحاولون منحنا شعوراً بأنَّ كل شيءٍ طبيعي، وأنَّنا مثل أيّ بلدٍ آخر".
وهذه العملية السلسة من شأنَّها أن تُعزِّز التجارة مستقبلاً بين إسرائيل وبين دول الخليج؛ إذ يُمكنهم العمل معاً في مجالاتٍ مثل الأمن السيبراني والتكنولوجيا الزراعية، لتعزيز العلاقات التي بدأت على المستوى السياسي. وقال إريل مارغاليت، مؤسس شركة Jerusalem Venture Partners: "إلى جانب الحديث بين الزعماء، بدأ رُوَّاد الأعمال في التواصل أيضاً. وهذا عنصرٌ من عناصر التغيير الحقيقي".