في حين يتركز اهتمام العالم حالياً على شمال شرقي سوريا المحاصر، فإن هجوم النظام الذي يلوح في الأفق، على محافظة إدلب الشمالية الغربية، يضع على المحك حياة نحو ثلاثة ملايين مدني يعيشون في آخر معقلٍ للمعارضة المسلحة بالبلاد، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
معركة إدلب المؤجلة
انتهت المحادثات المضنية التي عُقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء، باتفاقية من شأنها إبعاد مقاتلين تحت قيادة كردية من المنطقة الحدودية التركية مع سوريا.
ويتضمن الاتفاق احتفاظ أنقرة بالمناطق التي دخلتها خلال الأسابيع الأخيرة، مع إعطاء روسيا وقوات النظام السيطرة على بقية المناطق الحدودية.
على الرغم من أن محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، لم يرد ذكرها في مذكرة التفاهم المكونة من 10 نقاط والتي وقَّعها الزعيمان، فإن خبراء يقولون إنه من المحتمل أن يكون الطرفان قد توصلا إلى تفاهم خاص بينهما بشأنها.
وتقول ياسمين الجمل، وهي زميلة كبيرة في "المجلس الأطلسي" الأمريكي ومستشارة سابقة في الشؤون السورية بوزارة الدفاع الأمريكية، إن "هناك شعوراً -وإن لم يكن بإمكان أحدٍ إثبات ذلك حقاً- بأن الاتفاق يتضمن أن يحصل [الرئيس بشار] الأسد على إدلب، وأن يبقى الأكراد في مواقع داخلية أبعد بالمنطقة الشمالية الشرقية".
وقالت الجمل: "تركيا ستحصل على ممرها الآمن، وبذلك ستتمكن روسيا من القول للجميع إنها ذراع التأثير الرئيسة في الشرق الأوسط".
بعد ثماني سنوات من الحرب، تظل محافظة إدلب الجزء الوحيد من سوريا الذي لا يزال تحت سيطرة المعارضة التي تحاول الإطاحة بالأسد.
من يسيطر على إدلب؟
أصبحت إدلب، مع سقوط المدن المعارضة الأخرى في قبضة النظام، آخر معقل للمقاتلين المسلحين والمدنيين النازحين من الغوطة وإدلب وحلب وغيرها من معاقل المعارضة السابقة. ومنذ عام 2012، تزايد عدد سكان المقاطعة البالغ عددهم قبل الحرب 1.5 مليون نسمة، ليصل إلى ضعف هذا العدد تقريباً الآن.
تقول غونول تول، وهي المديرة المؤسسة لـ "مركز الدراسات التركية" في "معهد الشرق الأوسط"، إن الاتفاق بين تركيا وروسيا مؤخراً على أراضٍ في شمال شرقي سوريا، يمنح بوتين فرصة لانتزاع تنازلات من تركيا، التي تعد الداعم الرئيس لقوات المعارضة.
تستضيف إدلب والمنطقة المحيطة بها عدداً من فصائل المعارضة المتنافسة، تشمل مقاتلين تدعمهم تركيا، إضافة إلى مقاتلي "هيئة تحرير الشام" المهيمنة على المنطقة، والتي تتزعمها قيادات سابقة في تنظيم القاعدة بسوريا.
وكان النظام السوري شنَّ حملة قصف كبرى على المنطقة أواخر أبريل/نيسان الماضي، بذريعة أنها تستهدف الجماعات الإرهابية، غير أن الأمم المتحدة أفادت بأن الحملة قتلت أكثر من 1000 مدني، وأجبرت ما يقدَّر بنحو 600 ألف آخرين على الفرار من ديارهم.
تسبّب القصف الروسي والسوري شبه اليومي لمدن المعارضة وقراها في ضربةٍ كبيرة للبنية التحتية الصحية بالمنطقة. وتقول الأمم المتحدة إن 51 منشاة صحية قد تضررت أو دُمّرت، وكذلك 87 منشأة تعليمية.
في الوقت الذي تنفي فيه كلٌّ من دمشق وروسيا استهداف المدنيين.
كل شبرٍ من سوريا
تعهد الأسد، الذي تسيطر قواته الآن على نحو ثلثي البلاد، مراراً وتكراراً، باستعادة سوريا بالكامل. وتمكنت قواته، في أواخر الصيف الماضي، من استعادة مدينة خان شيخون الاستراتيجية، وكذلك امتدادات طريق سريع رئيسي يربط العاصمة دمشق بمدينة حلب الكبرى الواقعة في شمال سوريا.
تقول دارين خليفة، وهي كبيرة محللين في منظمة "مجموعة الأزمات الدولية"، إن "دمشق لم تتزحزح قط عن رغبتها في استعادة كل شبر من سوريا".
وأضافت دارين أن وقف إطلاق النار من جانب واحد والذي أعلنته روسيا في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، جرى تنفيذه إلى حدٍّ ما، لكن الأسد الذي استمر في الحكم فترة طويلة، لطالما أعرضَ عن أي ترتيب يُبقي إدلب أو أجزاء أخرى من سوريا خارج سيطرته.
تركيا قلقة من أي هجوم على إدلب
من جانبها، تحرص تركيا المجاورة على تجنُّب شنِّ هجوم واسع النطاق. فهي تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري، وتحذر منظمات حقوق الإنسان من أن مزيداً من العنف قد يطلق كارثة إنسانية على الحدود الجنوبية لتركيا، تفوق كل كارثةٍ شهدتها البلاد على مدار ما يقارب عقداً من الحرب.
وتقول دارين إن "تركيا تدرك أن قوات المعارضة في حال هجوم النظام على المنطقة قد تكلفه كثيراً، لكن ليس بإمكانها أبداً موازنة الدعم الجوي الروسي للنظام. ومن ثم فإن الطريقة الوحيدة للحيلولة دون وقوع هجوم هي من خلال عقد اتفاق جديد مع روسيا".
عندما التقى أردوغان وبوتين يوم الثلاثاء، شهدت إدلب ظهوراً نادراً لبشار الأسد فيها.
تجوّل الأسد في منطقةٍ استعادت قوات النظام السيطرة عليها مؤخراً ببلدة الهبيط في الخطوط الأمامية، مهاجماً نظيره التركي، وأكد ضرورة إنهاء مهمة فرض السيطرة على إدلب، وفقاً لوسائل إعلامية حكومية.
وقال لقواته: "نحن الآن في قلب معركة، والعمل الصحيح هو فقط حشد الجهود"، حسبما ورد.
وفي اليوم ذاته، نشر مكتبه خريطة للجبهات الأمامية بإدلب، مصحوبة بعبارة "ابقوا معنا".
تعتقد تول أن تصرفات الأسد مؤخراً هي طريقته للإشارة إلى تركيا بأن إدلب ما تزال مهمة له.
وتقول: "متى ما حدث شيء على الجبهة التركية، تعود روسيا والنظام لتذكير تركيا بواجبها إزاء اتفاقهما معها في إدلب. كما لو أن الاسد، بطريقة ما، يقول إنه ما يزال لديه اليد العليا هنا".