قد تسبب الأبقار أزمة جديدة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بعدما تم حل أزمة الضرائب بين الطرفين، إثر تراجع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن رفضه السابق لتسلم أموال السلطة منقوصة.
ولكن نشبت أزمةٌ جديدة بين الجانبين، تعود لرفض السلطة استيراد الأبقار والمواشي الإسرائيلية، مما دفع إسرائيل لتهديد السلطة بفرض عقوبات اقتصادية جديدة.
موقف السلطة جاء في إطار مساعيها لتحقيق الاستقلال عن إسرائيل، فيما يُعرف بالانفكاك الاقتصادي، ولكنَّ تجاراً ومراقبين يخشون من تأثيرات القرار على المستهلك الفلسطيني، فيما لمَّح البعض إلى أن هناك مصالح خاصة وراء هذا الموقف، وليس الهدف الانفكاك الاقتصادي كما تقول السلطة.
"عربي بوست" يسلط الضوء في هذا التقرير على الأزمة الجديدة، وبواعث موقف السلطة لاستيراد الأبقار الإسرائيلية، وحجم استهلاك الفلسطينيين منها، ومدى الفائدة العائدة على السوق الفلسطيني من القرار، وبدائل الفلسطينيين عن المواشي الإسرائيلية.
في المقابل، ما المنتجات الزراعية الفلسطينية التي تُصدّر لإسرائيل، وهل يتعرض السوق الفلسطيني لخسائر في حال توقفه عن استيراد منتجاته الزراعية، وارتباط القرار الفلسطيني بمحاولة السلطة الاستيراد من مصر، تزامناً مع تنفيذ الخطة الفلسطينية بالاستغناء الاقتصادي عن إسرائيل.
قرار من السلطة يقابَل بتهديدات إسرائيلية
قرَّرت الحكومة الفلسطينية، في سبتمبر/أيلول 2019، وقف استيراد العجول والأبقار من السوق الإسرائيلية، كجزء من سياسة الانفكاك الاقتصادي عنها، والانفتاح على أسواق عربية وأوروبية، مما دفع الجنرال كميل أبو ركن، المنسق الإسرائيلي لشؤون المناطق الفلسطينية بوزارة الدفاع الإسرائيلية لتهديد السلطة بعقوبات وخيمة على السوق الفلسطينية، تشمل وقف إدخال المنتجات الزراعية الفلسطينية للأسواق الإسرائيلية.
"عربي بوست" تواصَل مع المسؤولين بوزارة الاقتصاد الفلسطينية للتعرف على أسباب القرار، واحتياطاتهم في حال نفذت إسرائيل تهديداتها، لكنهم اكتفوا ببيان الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، الذي رفض فيه التهديد الإسرائيلي، وأكد أن الحكومة الفلسطينية متمسكة بحقها بتنويع مصادر استيرادها من المواشي والأبقار، ومواصلة سعيها لإحلال البضائع والمُنتجات العربية محل الإسرائيلية.
نصر عبدالكريم، أستاذ الاقتصاد بجامعة بيرزيت، قال لـ "عربي بوست" إن "الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي خطوة سياسية في الاتجاه الصحيح، ولذلك قد تتجه السلطة إلى هولندا وبلجيكا وأستراليا ومصر لاستيراد المواشي والأبقار، لكن الإشكال الذي سيواجه تنفيذ القرار هو سيطرة إسرائيل على المعابر، وقدرتها على منع إدخال أي مواشي تحت أي مبرر.
وأضاف قائلاً: "إني أشك أن يكون هناك توجه حقيقي للسلطة بعدم الاعتماد الكلي على إسرائيل في استيراد المنتجات الغذائية، فنحن ليست لدينا ثروة حيوانية، ولذلك هناك تساؤلات مشروعة تطرح حول إمكانية أن يغطي الاستيراد من الخارج حاجة السوق الفلسطيني المحلي من المواشي والأبقار".
ونبّه إلى أنه "في حال نفّذت إسرائيل تهديداتها بغرض عقوبات على السلطة، فستكون النتائج صعبة، لأن قيمة صادرات فلسطين لإسرائيل سنوياً تتراوح بين 700 إلى 800 مليون دولار، بنسبة 85% من صادراتنا الإجمالية للعالم، أما وارداتنا منها فتبلغ 3 مليارات دولار".
وقال "إنْ قاطع الفلسطينيون المنتجات الإسرائيلية فإن لديها أسواقاً بديلة، تصدر إليها ما قيمته 10 مليارات دولار".
وكشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنَّ العدد الكلي للأبقار في فلسطين 34 ألف رأس، 73% في الضفة الغربية، و27% في قطاع غزة، ونسبة الأبقار الهولندية 70%، والبلدية 20%، وما تبقى مهجنة ومنوعة، أي أن حصة الإنتاج الفلسطيني لا تتعدى 20%.
وفيما تستورد فلسطين 130 ألف عجل سنوياً من إسرائيل، فإن نصف استهلاك أسواقها من لحوم الأبقار، وبقية الكمية يأتي عبر استيراد اللحوم المجمَّدة من الخارج والإنتاج المحلي.
لكن السؤال المطروح بين الفلسطينيين: مادامت السلطة قررت وقف استيراد المواشي الإسرائيلية، فكيف انخفض سعر كيلو لحم العجل من 55 شيكلاً إلى 42 شيكلاً، أي 15-12 دولاراً، مع أن الأصل أن ترتفع الأسعار!.
سليمان العبد، أحد تجار العجول الفلسطينيين قال لموقع "عربي بوست" إننا "مع توفير أي بديل عن المواشي والأبقار الإسرائيلية، ولا نرفض أي انفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، لكنه مهم أن تنسق الحكومة معنا عند اتخاذها أي قرار يمس مصدر دخلنا".
وأضاف: "نحن في هذه المهنة منذ عشرات السنين، ولدينا مخاوف أن يكون قرار الاستيراد من دول عربية وأوروبية ذا دوافع سياسية، بعيداً عن الأخذ بعين الاعتبار التبعات الاقتصادية السلبية، على صعيد التجار والمواطنين معاً، سواء في ارتفاع أسعار المواشي المستوردة، أو الجودة والنوعية".
وهكذا تخطط إسرائيل لمعاقبة الفلسطينيين
ومن المتوقع أن تشمل العقوبات الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، في حال استمرت السلطة بقرارها مقاطعة استيراد المواشي والأبقار الإسرائيلية، عدمَ إدخال جزء ملموس من المنتجات الزراعية الفلسطينية للأسواق الإسرائيلية، كالأغذية المصنعة، ومنتجات الألبان، وزيت الزيتون، بجانب المحاصيل الزراعية.
وفيما بدأت السلطة تعد قوائم بالسلع التي يمكن استيرادها من الأسواق العربية بدلاً من الإسرائيلية كالأغذية والمواد التموينية والصحية ومواد البناء والأجهزة الكهربائية والملابس والأحذية والجلود والمواد الخام، فإن إسرائيل قد تفرض عقوبات اقتصادية على السلطة كوقف تحويل أموال الضرائب، وكميات الطاقة اللازمة لتشغيل الكهرباء، وغيرها من العقوبات السياسية والاقتصادية.
هل هناك مصالح خاصة وراء القرار؟
محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية الأسبوعية في غزة، قال لـ "عربي بوست" إن "قرار المقاطعة الفلسطينية لسلع المواشي والأبقار من السوق الإسرائيلية بحاجة لمزيد من الدراسة والبحث، فحجم الإنتاج المحلي منها لا يتعدى 15-20%، والبحث عن أسواق بديلة لإسرائيل، كأوروبا والدول العربية، سيواجه بخطوات إسرائيلية تحول دون تنفيذ القرار كإغلاق المعابر البرية والبحرية، ومنع إدخال أي كمية مواش مستوردة من خارج أسواقها".
وقال إن "القرار يقف خلفه شركات ورجال أعمال فلسطينيين قريبين من السلطة بغرض احتكار الاستيراد من الخارج، مما يؤكد أننا أمام قرار لإدارة المصالح الاقتصادية لهذه الطبقة المستفيدة، وليس توجهاً سياسياً وطنياً"، حسب قوله.
واعتبر أن قصة الانفكاك الاقتصادي باتت دعاية ليس أكثر، تريد من خلالها السلطة تحسين شعبيتها المتراجعة بين الفلسطينيين، من خلال هذه الشعارات التي تجد رواجاً بينهم.
المزارعون الإسرائيليون يتظاهرون
المزارعون الإسرائيليون غضبوا من القرار الفلسطيني بوقف استيراد أبقارهم ومواشيهم.
ووصل الأمر إلى أنهم تظاهروا احتجاجاً على عدم قيام حكومتهم بأي إجراءات ضد القرار الفلسطيني، ووصفوه بـ "الحرب الاقتصادية"، لأن أكثر من 500 عائلة إسرائيلية تعمل في مجال تربية العجول خسرت دخلها، ووجدت نفسها في مواجهة خسائر مالية ضخمة تصل مئات ملايين الشواكل.
وفي ظل تراجع السلطة في موضوع أموال المقاصة مع إسرائيل، فلا يبدو مستبعداً أن تكرر نفس الموقف وتتراجع عن وقف استيراد المواشي والأبقار من الأسواق الإسرائيلية، خاصة إن أبدت إسرائيل جدية بمنع استقبال منتجات فلسطينية بأسواقها، فالاقتصاد الفلسطيني هشّ، مما سيكبّد المزارعين الفلسطينيين خسائر مالية كبيرة جداً، لأن حجم المنتجات الزراعية المصدرة من الضفة لإسرائيل يصل 300 طن يومياً.
وكان مسؤول إسرائيلي لم يُفصح عن اسمه قد قال إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وافق على تسلم المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية لدى "إسرائيل"، وبالتالي حلّ "أزمة المقاصة"، بحسب القناة التلفزيونية الإسرائيلية.
وحسب المسؤول الإسرائيلي، فإن السلطة وإسرائيل لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن تحويل الأموال إلى الأسرى الفلسطينيين وأسر الشهداء.
وقال المسؤول إن "إسرائيل ستواصل تطبيق القانون، واقتطاع جزء صغير من أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، وذلك كرد على استمرار السلطة تحويل الأموال إلى الأسرى الفلسطينيين وأسر الشهداء".