حين فرض لبنان رسوماً على مكالمات "واتساب" لدعم خزائن الحكومة، كان ذلك مثالاً آخر على إساءة فهم الساسة العرب للمزاج العام. ففي غضون ساعات، كان مئات الآلاف من اللبنانيين في الشوارع وخيبة أملهم إزاء قادتهم تبرز إلى السطح بعد اندلاع احتجاجات جماهيرية في بيروت وغيرها من المدن.
تقول صحيفة The Financial Times البريطانية، إن هذه الاحتجاجات كانت مجرد مثال آخر على الغضب الشديد الذي اجتاح العالم العربي، الذي تشرف فيه النخب الحاكمة على أنظمة سياسية فاسدة تفشل في توفير الاحتياجات الاقتصادية الأساسية.
خبراء يحذرون من الانفجار
في الشهر الماضي، كان إعادة نشر قائد شعبي لقوات مكافحة الإرهاب العراقية هو ما أشعل أعنف اضطرابات شهدتها بغداد منذ سنوات. وقبلها، كان هجوم مقاول غير معروف على عبدالفتاح السيسي، الرئيس المصري، ومزاعم الفساد هما ما أثارا احتجاجات نادراً ما تحدث في واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط قمعاً.
اختلف توقيت الاحتجاجات ولكل دولة ظروفها الخاصة. لكن أسباب الغضب متشابهة وتُردد صدى تلك التي غذت الانتفاضات التي هزت العالم العربي عام 2011: وهي فشل القادة في تحقيق تطلعات الشباب.
تقول فاينانشال تايمز، إن الخبراء يحذرون كثيراً من هشاشة الوضع الراهن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي منطقة تعاني قمعاً وتفشياً للبطالة بين شبابها.
وهتف المتظاهرون في لبنان والعراق ومصر بالشعار نفسه: "الشعب يريد إسقاط النظام". وفي الأردن، أجبرت تظاهرات اندلعت العام الماضي رئيس الوزراء على ترك منصبه. وفي أبريل/نيسان الماضي، أطاحت المظاهرات الشعبية زعيمين مخضرمين في غضون أيام، عمر البشير في السودان وعبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر. وتواصلت الاحتجاجات في الأخيرة.
الاحتجاجات لن تتوقف
وقالت الباحثة داليا غانم يزبك التي تعمل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ومقره بيروت لفاينانشال تايمز: "طالما استمر انعدام المساواة والظلم اجتماعي والتهميش -السياسي والاقتصادي- والفساد والمحسوبية والمحاباة، فلن يتوقف الناس ولن تتوقف الاحتجاجات، بل ستتوسع. الشباب نفد صبرهم، ويريدون التغيير".
وفيما يتصاعد الغضب في العالم العربي، تتصاعد معه الضغوط الاجتماعية. إذ يُذكر أن حوالي 60% من سكان المنطقة تقل أعمارهم عن 30 سنة. ويقدر صندوق النقد الدولي أن 27 مليون شاب سوف يدخلون سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن متوسط النمو الاقتصادي في المنطقة منذ عام 2009 كان أبطأ بنسبة الثلث من السنوات الثماني السابقة. ويقول صندوق النقد الدولي إن دخل الفرد "شبه متوقف" وإن البطالة بين الشباب "ازدادت بشكل كبير".
طبقية حادة في الشرق الأوسط
والدولة هي أكبر جهة عمل في العديد من البلدان. لكن الباحثين عن عمل من الشباب يشكون من أن شبكات المحسوبية تشكل حواجز تحول دون حصولهم على وظائف. وفي الوقت نفسه، اتجهت العديد من الحكومات إلى اتخاذ تدابير تقشفية لسد العجز في الميزانية وضبط ارتفاع الديون. لكن ذلك كان يعني تقليل الدعم للغذاء والوقود والطاقة، والضغط على ميزانيات الأسر.
وطوال هذا الوقت، كان ظاهراً للعيان أن النخب الحاكمة والمقربين منها يتمتعون بحياة مرفهة دون مساءلة.
فمحمد علي، المقاول الذي نشر مقاطع فيديو تدعو إلى الاحتجاجات المصرية، هاجم القصور التي شيدها السيسي وأموال الدولة المهدرة على مشاريع لا طائل منها.
وسعد الحريري، الملياردير الذي يحتل منصب رئيس وزراء لبنان، البلد الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات، شعر بالحرج مؤخراً إزاء الكشف عن دفعه 16 مليون دولار لعارضة أزياء من جنوب إفريقيا قبل توليه منصبه.
وفي العراق، ثمة شكاوى دائمة من أن النظام يشكل ائتلافات ضعيفة تعزز الفساد المستشري، بينما يخفق في تحقيق التطور الذي وعد به العراقيون بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي أطاح صدام حسين.
إذكاء نيران الاضطرابات
إلا أن هذه الاحتجاجات في معظم الأحوال تُجابَه بالقوة. ففي مصر، اُعتقل أكثر من 3500 شخص منذ سبتمبر/أيلول. وفي العراق، مات أكثر من 100 شخص وسط تقارير عن استهداف القناصة للمتظاهرين.
في لبنان، تراجعت الحكومة عن قرارها بفرض رسوم على مكالمات واتساب وأعلنت عن إصلاحات. ولكن الاحتجاجات تواصلت.
لكن الحكومات ليس لديها خيار سوى المضي في "الإصلاحات" الاقتصادية. فلبنان، على سبيل المثال، مثقل بنسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 150%، ما يضعف الاحتياطيات الأجنبية ويسبب ركود الاقتصاد. ولكن ما دامت هذه التدابير تفرضها أنظمة تفتقر إلى المساءلة السياسية وتفشل في التعامل مع غضب الناس إزاء الظلم، سيستمر الزعماء العرب في إذكاء نيران الاضطرابات.