واجه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من شمال شرق سوريا عاصفة من التنديد من جانب خصومه وحلفائه على السواء، ولم يكن سبب الانتقاد فقط هو الأوضاع على الحدود السورية التركية ولكنه ركز أيضاً على المستفيد من هذه الخطوة وهو إيران، كيف ذلك؟
موقع المونيتور الأمريكي تناول القصة في تقرير بعنوان: "انسحاب ترامب من سوريا يُحدث الانقسامات بين صقور الشأن الإيراني"، أعده جوليان بيكيه، محرر الموقع من واشنطن.
معركة بين صقور واشنطن
في الوقت الذي حاربت فيه القوات التركية المقاتلين الأكراد على مدار الأسبوع الماضي، اندلعت معركة موازية لكن غير دموية بين صقور الشأن الإيراني في واشنطن حول الحكمة من الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سوريا.
أدان الحزبان الأمريكيان الديمقراطي والجمهوري بشكل سريع ترامب لإعطائه ضوءاً أخضر ملموساً لأنقرة من أجل تنفيذ هجومها على حلفاء الولايات المتحدة السابقين من الأكراد. وفي حين أن مسؤولي الإدارة الأمريكية يرفضون الاتهامات بأن هذه الخطوة تفيد طهران، يجادل عدد قليل من الخبراء بأنها تفعل العكس تماماً.
حليف غير فعال
أما منتقدو ترامب، فيرون أن الانسحاب الأمريكي العشوائي عرّى الولايات المتحدة كأنها حليف غير فعال، فيما دفع حلفاءها السابقين من الأكراد إلى أحضان نظام الرئيس السوري بشار الأسد وداعميه الإيرانيين والروس.
قال جاسون برودسكي، مدير السياسة لدى منظمة متحدون ضد إيران النووية، في حديثه إلى موقع Al-Monitor: "عندما نقطع شراكاتنا مع الحلفاء، فإنهم سيبحثون في مكان آخر. سوف يسعون إلى مساعدة أنفسهم. وهذا ما نراه الآن".
ويجادل مايكل ماكوفسكي، الرئيس والمدير التنفيذي للمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، بأن تآكل التحالفات الأمريكية لا يضر بالولايات المتحدة فحسب، بل بإسرائيل أيضاً.
وقال ماكوفسكي خلال حديثه إلى وكالة أنباء Jewish News Syndicate هذا الأسبوع: "الأكراد، الذين كانوا يشكلون عقبة أمام التوسع الإيراني، تحالفوا بشكل طبيعي الآن مع الأسد للمساعدة في حمايتهم، وهو ما يخدم مصالح إيران ويقوض المصالح الإسرائيلية. وتواجه إسرائيل الآن المزيد من الضغوط والتهديدات من إيران".
تحالف محكوم عليه بالفشل
لكن بعض صقور الإدارة الأمريكية يجادلون بأن التحالف الأمريكي مع فصيل كردي مسلح، تضعه تركيا في خانة الجماعات الإرهابية، كان مصيره الفشل منذ البداية. إذ إن أنقرة تنظر إلى وحدات حماية الشعب، المدعومة من الولايات المتحدة، على أنها تابعة لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي تخوض تركيا صراعاً ضده منذ أربعة عقود.
وغرد طوني بدران، وهو زميل باحث لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، قائلاً: "حزب العمال الكردستاني محاصر بين الأتراك وبين الأكراد المعادين في العراق وبين العرب الحذرين. وبالتالي فإن التحول نحو إيران (والأصول العراقية الإيرانية) وروسيا هو أمر طبيعي".
يتعارض ذلك الرأي تعارضاً حاداً مع الخط الرئيسي للمؤسسة، التي كان مديرها التنفيذي مارك دوبويتز، أحد أكثر الصقور صخباً في معارضة قرار ترامب، إذ يصف إياه بأنه "هزيمة كاملة". وقد وجه دوبويتز كلمات قاسية لتركيا على وجه الخصوص، وأدانها واصفاً إياها بأنها دولة ثيوقراطية تتبع الطراز الإيراني في صنع القرار.
فرصة لضبط العلاقات مع تركيا
يبدو هذا الاستنتاج خاطئاً في رأي مايكل دوران، كبير خبراء شؤون الشرق الأوسط في معهد هدسون المحافظ. بدلاً من ذلك، يجادل دوران بقوله إن انسحاب ترامب يوفر فرصة طيبة لإعادة ضبط العلاقات مع أحد حلفاء الناتو، الذي كان من أوائل أعداء الأسد.
وقال دوران في اجتماع معهد هدسون يوم الثلاثاء 14 أكتوبر/تشرين الأول: "هؤلاء الرجال من وحدات حماية الشعب يفضلون البقاء مع الأسد والإيرانيين بدلاً من أكراد العراق. لهذا السبب نرى هذا التحرك السريع للغاية، حيث يغادر الأمريكيون ويتولى الروس والسوريون الهيمنة، لأنهم كانوا دائماً متحالفين مع الروس والإيرانيين".
وأضاف دوران: "كل ما فعلناه هو اقتراض أحد وكلاء روسيا وإيران، وهذا كان غبياً من الناحية الاستراتيجية. يعلم الجميع أننا سنغادر عاجلاً أم آجلاً. تركيا ستبقى هناك إلى الأبد، والأتراك يعرفون ذلك أيضاً. لذلك علينا أن نعمل من خلالهم، وبدرجة كبيرة وفقاً لشروطهم".
ويبدو أن مثل هذا الرأي غير التقليدي والقادم من واشنطن، جعل من اسم دوران أكثر رواجاً بين وسائل الإعلام التركية ومحبوباً لديهم، لدرجة أن احتفت به صحيفة Daily Sabah الموالية للحكومة، وأجرت معه مقابلة عبرة قناة TRT المملوكة للدولة، ودعته مؤسسة سيتا التركية للأبحاث لإلقاء كلمة في واشنطن.
لكن كثيراً من المراقبين لديهم شكوك جدية حول ما إذا كانت تركيا ستثبت أنها الشريك الأفضل لاحتواء إيران من الأكراد السوريين، ففي هذا الأسبوع فقط، وجه المدعون الفدراليون في نيويورك الاتهام إلى ثاني أكبر بنك تركي مملوك للدولة بزعم محاولته التحايل على العقوبات الأمريكية على إيران.
وقال برودسكي "لا أعتقد أن تركيا كانت حليفة لإيران. وهناك أيضاً التقارب الأوسع بين تركيا وروسيا الذي شهدناه في الأشهر الأخيرة"، خاصة مع شراء نظام الدفاع الصاروخي S-400.
إيران الرابح الأكبر
وفي توبيخ غير مسبوق للرئيس، صوت ثلثا الجمهوريين في مجلس النواب مع الديمقراطيين يوم الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول لإصدار قرار يوضح بشكل صريح أن خصوم الولايات المتحدة سيستفيدون من الانسحاب.
إذ يؤكد القرار: "أي انسحاب مفاجئ للعسكريين الأمريكيين من أجزاء معينة من شمال شرق سوريا مفيدٌ لخصوم حكومة الولايات المتحدة، بما في ذلك سوريا وإيران وروسيا".
يتشارك كثيرون هذا الرأي مشاركة واسعة في مجلس الشيوخ، حيث انتقد المشرعون من كلا الحزبين هذا الأسبوع براين هوك، المبعوث الأميركي الخاص بإيران، الذي أصر على أن حملة "الضغط القصوى" ضد طهران لا تتأثر بالتطورات في سوريا.
وأخبر السيناتور ليندسي غراهام براين هوك في جلسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ المثيرة للجدل يوم الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول: "إن أكبر مستفيد من هذا القرار الذي اتخذه الرئيس بالتخلي عن سوريا -إذا استمر فيه- ستكون إيران" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
لكن هوك دافع بإصرار قائلاً: "قرار الرئيس فيما يتعلق بسوريا لن يغير استراتيجيتنا تجاه إيران أو فاعليتها". وأشار إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يهدف إلى محاربة داعش، وليس إيران، بينما تظل سياسة العقوبات الأمريكية سارية المفعول.
سياسة العقوبات القصوى غير فعالة
ومع ذلك، يعد وجود القوات الأمريكية منذ وقت طويل عامل ردع حاسماً ضد التوسع الإيراني في سوريا. وفي تقريرها النهائي الذي صدر قبل مدة وجيزة من إعلان ترامب، خلصت مجموعة دراسة سوريا المؤلفة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى أنه "ليس هناك أحد ممن تشاورت معهم المجموعة يعتقد أن سحب القوات الأمريكية سيقلل احتمالية إعادة تنظيم داعش صفوفه أو احتمالية ترسيخ إيران أقدامها في المنطقة، أو سيزيد من احتمالية التوصل لتسوية متفق عليها".
وفي الواقع، يجادل بعض الخبراء بأن سياسة العقوبات غير فعالة إلى حد كبير.
قال برودسكي: "الانسحاب من سوريا يتعارض مع استراتيجية الضغط الأقصى على إيران. فالعقوبات لا تشكل سوى جزء واحد من السياسة، هناك أيضاً جوانب عسكرية ووجود في المنطقة. يقوض الانسحاب من المنطقة نفوذنا للتأثير على السلوك الإيراني أو التحقق منه".
في هذه الأثناء، دخلت إيران بفرحة إلى المعركة. ففي مقال رأي نشرته وكالة مهر الإيرانية للأنباء يوم الإثنين 14 أكتوبر/تشرين الأول أدان فيه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني الولايات المتحدة لـ "إعطاء ظهرها لحلفائها الأكراد"، ورفض فكرة أن الولايات المتحدة تمثل شيئاً أكثر من مجرد كونها ورقة تهديد غير فعال.
كتب شمخاني: "لقد أدركت الإدارة الأمريكية أنها اليوم، ولأي من الأسباب، لا تمتلك أياً من أدوات القوة، وأن العودة إلى عصر القمة أمرٌ مستحيلٌ وبعيد المنال لأن عجزها قد ثبت للجميع في تنفيذ مشاريع استراتيجية مثل "تقسيم الشرق الأوسط" و"صفقة القرن" و"تغيير نظام الحكم في إيران" و"تنصيب السعودية شرطة إقليمية" و"حرب اليمن" و"السلام في أفغانستان" و"الأزمة السورية"".