اتفقت الولايات المتحدة وتركيا على وقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا لمدة 120 ساعة، عقب أسبوع من سحب الرئيس ترامب القوات الأمريكية من مناطق سيطرة الأكراد، الذي أفسح المجال لشن عملية عسكرية تركية فعالة ضد التنظيمات الكردية المسلحة.
لكن لم تتضح إلى الآن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعلنه نائب الرئيس الأمريكي مايك بومبيو، الخميس، 17 أكتوبر/تشرين الأول، عقب اجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة أنقرة، كما لم يُفصَح عن كيفية تنفيذه.
هل شاور الأمريكيون التنظيمات الكردية حول هذا الاتفاق؟
يقول موقع Vox الأمريكي، إن ثمّة أسئلة عديدة لا تزال مطروحة حول هذا الاتفاق الذي يتفاخر ترامب بإنجازه:
يقول الموقع الأمريكي، إنه من غير الواضح ما إذا أجريت مشاورات أمريكية مع الأكراد حول هذا الاتفاق أم لا، أو لو كانوا سيمتثلون له أم لا. فمن جانبه، قال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات "سوريا الديمقراطية" أو ما يعرف بـ"قسد" إنهم سيقبلون وقف إطلاق النار، لكنه أشار تحديداً إلى أنَّ "هذا الوقف يسري على المنطقة التي يدور فيها القتال حالياً"؛ أي المنطقة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، وقال "يتعين التفاوض حول وقف إطلاق النار في المناطق الأخرى".
إضافة إلى ذلك، لا يأتِي الاتفاق على ذكر بشار الأسد (أو داعميه الروس والإيرانيين)، الذي تحالف مع الأكراد منذ إعلان العملية التركية في شمال سوريا، ودخلت قواته إلى أماكن سيطرتهم. ونظراً لأنَّ الأسد وتركيا هما فعلياً خصوم في الحرب السورية، فلا يبدو أنه سيتقبل بسهولة فكرة سيطرة تركيا على أراض شمال سوريا.
وأثنى بنس على ترامب "قيادته القوية" للمسألة التركية، لكن يبدو أنَّ أنقرة حصلت على ما تريد بالضبط -أو على الأقل إلى الآن- وتنازلت الولايات المتحدة عن آخر مواطن نفوذها في سوريا، بالتخلي عن شركائها المسلحين الأكراد مرة أخرى.
هل افتقر الاتفاق الذي يفاخر به ترامب إلى التفاصيل المهمة؟
يصف ترامب وأردوغان الاتفاق بأنه انتصار -وهو ما قد يكون بالضبط مهماً لهما؛ فحتى لو لم يكن الاتفاق ضخماً، سيمنح ترامب الفرصة لادعاء النجاح، بينما حصل الرئيس التركي على كل ما يريد، بما في ذلك تخفيف بعض الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة على بلاده.
وفي هذا الصدد، علَّقت ياسمين الجمل، الباحثة في المجلس الأطلسي الأمريكي، قائلة إنَّ هذا "فوز كبير للأتراك"؛ إذ حصل أردوغان على "تأكيد من الولايات المتحدة بأنَّ مخاوفه مشروعة. حتى إذا لم تتفق الولايات المتحدة معها".
بحسب الموقع الأمريكي، فقد تكون الولايات المتحدة ساعدت في إيقاف الحرب مؤقتاً، لكن قرار ترامب بالانسحاب من المنطقة هو الذي سمح في المقام الأول بوقوع الحرب. بمعنى آخر، وقف إطلاق النار هو إسعافات أولية لمشكلة تسببت بها الإدارة الأمريكية نفسها.
تركيا خرجت بانتصار كبير.. فلمَ لا يفعل الأسد وروسيا المثل!
إلى جانب التنظيمات الكردية وتركيا، هناك فاعلون آخرون منخرطون في هذه المسألة، على وجه التحديد النظام السوري وداعمته روسيا.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، وهو اليوم الموافق لانتهاء سريان وقف إطلاق النار، سيلتقي الرئيس أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الراعي الأساسي لبوتين، في مدينة سوتشي. ونظراً لأنَّ القوات الروسية انتشرت في بعض المناطق التي هجرتها القوات الأمريكية، أصبحت موسكو على الأرجح الوسيط المؤثر الأساسي بين الأسد وتركيا؛ وهو ما ينذر بتحول كبير في مسار الحرب السورية.
فعلى الرغم من أنَّ تركيا والأسد يقفان فعلياً في جبهتين متعارضتين في هذه الحرب، فإنَّ أردوغان في طريقه لتحقيق هدفه الأساسي المتمثل في إضعاف التنظيمات الكردية المسلحة ودحرهم بعيداً عن حدود بلاده. إلى جانب أنَّ الأسد الآن على وشك استعادة مساحات شاسعة من أراضي بلاده.
ومن ثم، يقول سونير چاغاپتاي، رئيس برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "يمهد هذا الطريق لتسوية عالمية بين الأسد وأردوغان".
وأشار چاغاپتاي إلى أنَّ الأسد قد يكون مستعداً لاستغلال علاقته الجديدة مع الأكراد السوريين وسيلة أداة ضغط على تركيا. وأضاف أنه إذا حدث ذلك، فمن المتوقع "استحواذ تحالف الأسد وروسيا على سوريا بالكامل" على المدى القريب. أما الولايات المتحدة وأوروبا فلن تكونا في الصورة.
أما السؤال الثاني الأهم في كل ذلك، فيتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذي قالت ياسمين الجمل إنه يمثل مخاطرة كبيرة أخرى ستظل عالقة برغم اتفاق وقف إطلاق النار. إذ كانت "قسد" تحرس حوالي 12 ألف سجين من "داعش" ونحو 70 ألفاً من نسائهم وأطفالهم النازحين في مخيم (الهول). وينص الاتفاق الأمريكي-التركي على أنَّ الجانبين سوف "يُنسِقان" مسألة أماكن الاحتجاز.
لكن ليس كل مراكز الاعتقال هذه موجودة في المنطقة العازلة التي تحاول تركيا إنشاءها، ويبدو من غير المرجح أن تسيطر الولايات المتحدة عليها؛ لأنها انسحبت من هناك. وبحسب الموقع الأمريكي، ستبقى هذه المشاكل قائمة حتى لو سار وقف إطلاق النار وفق الخطة الموضوعة له. أما إذا فشل، فلا يوجد في الوقت الحالي بديلٌ واضح.