"إنه إنجاز عظيم"، هكذا وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق بين نائبه مايك بنس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وقف إطلاق النار لمدة 5 أيام في شمال سوريا حين التقيا في أنقرة الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول.
وتم هذا الاتفاق بعد عملية عسكرية تركية ضخمة. وأصبح يتعين على المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب الآن الانسحاب من "المنطقة الآمنة" التي سيجري إنشاؤها على طول الحدود السورية التركية. ويخطط الرئيس التركي لإنشاء منطقة تمتد بعمق 32 كيلومتراً على طول الحدود البالغ طولها 444 كم.
هل يصمد هذا الاتفاق؟
يقول موقع Deutsche Welle الألماني إن المصطلحات المستخدمة في هذه الاتفاقية المكونة من 13 بنداً تدلّ على هشاشتها: فلا توجد إشارة لوقف حقيقي لإطلاق النار، بل إلى "وقف مؤقت".
غير أن الإنشاء العملي لمنطقة آمنة يعتمد على عدد من العوامل. وهذا أيضاً أدى إلى تشكك الخبراء. يقول الموقع الألماني نقلاً عن الخبير أُيتون أورهان من مركز ORSAM لدراسات الشرق الأوسط: "كان ثمة اتفاق سابق لإنشاء منطقة آمنة، لكن الأمريكيين لم يدعموه. وهذا ما أدى إلى بدء العملية العسكرية. لكن الوضع تغير الآن. ولكن كيف سيكون شكله في خمسة أيام؟ من الصعب إجابة هذا السؤال".
وبالفعل، قال متحدث باسم تحالف الميليشيات التي يقودها الأكراد، صباح الجمعة 18 أكتوبر/تشرين الأول، إن بلدة رأس العين الحدودية ما زالت محاصرة وتتعرض لهجوم من تركيا وقوات المعارضة المتحالفة معها. وأكد مصطفى بالي، المتحدث باسم "قسد"، للموقع الألماني أن "الهجمات الجوية والمدفعية التركية ما زالت تضرب مواقع المقاتلين"، على حد تعبيره.
تضارب حول حدود المنطقة الآمنة
في السياق، تتضارب تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا حول حدود المنطقة الآمنة، فبينما قال أردوغان إن عمق المنطقة الآمنة هو 32 كيلومتراً، وإن طولها هو 444 كيلومتراً من أقصى الغرب في سوريا إلى أقصى الشرق عند الحدود العراقية، تحدث المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري عن حدود مختلفة لهذه المنطقة خلال تصريحه للصحفيين، الجمعة.
وقال جيفري إن "الولايات المتحدة وتركيا حددتا المنطقة الآمنة بأنها المنطقة التي تعمل فيها تركيا حالياً بعمق 30 كيلومتراً، في جزء رئيسي من شمال شرقي سوريا". ويقصد جيفري بذلك المنطقة الممتدة من مدينة رأس العين حتى تل أبيض، ويبلغ طول هذه المساحة تقريباً 120 كيلومتراً، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
وأوضح جيفري في حديثه عن المنطقة الآمنة قائلاً: "إنَّنا هنا نتحدث عن المنطقة الآمنة، ويتحدث الأتراك عن منطقة آمنة يطمحون إليها، تستند إلى ما قمنا به معهم في أغسطس/آب الماضي، حيث كانت المنطقة الآمنة تمتد من نهر الفرات حتى الحدود العراقية، وكانت لدينا مستويات مختلفة من الرصد التركي أو التحرك، أو أيَّاً كان، بمسافة 30 كيلومتراً جنوباً، مع انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من بعض تلك المناطق".
وحتى ظهر اليوم السبت، لم يصدُر أي تعليق رسمي تركي حيال ما قاله جيفري عن المنطقة الآمنة، التي تبدو بحدودها مختلفة تماماً عن المنطقة التي تتحدث عنها أنقرة.
هل ثمة فرصة لنزع السلاح؟
يدعو الاتفاق الذي وُقع في أنقرة أيضاً إلى تسليم التنظيمات الكردية أسلحتها وجمعها. ويدعو أيضاً إلى هدم المواقع والتحصينات الخاصة بهم، رغم أنه ما زال من غير الواضح من سيكون مسؤولاً عن ذلك. وتقول السلطات التركية إن الولايات المتحدة هي المسؤولة، لكن الخبراء يشيرون إلى حقيقة أن الولايات المتحدة مشغولة حالياً بالمسائل اللوجستية المرتبطة بسحب جنودها من المنطقة. ويقول الخبير الأمني متين غوركان للموقع الألماني: "لقد انسحب الجنود الأمريكيون بالفعل من المنطقة الواقعة شرق الفرات. لذلك، الاعتقاد بأنهم سيتولون أمر نزع أسلحة ميليشيات وحدات حماية الشعب في شمال سوريا غير واقعي".
لكن الجانب الأهم في الاتفاقية هو إنشاء منطقة آمنة. إذ يقول دبلوماسيون أتراك إن الاتفاقية شفهية. ويزعم خبراء أن الغموض الناجم عن هذا الاتفاق الشفهي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل خطيرة في المستقبل: إذ يقول الخبير السياسي المقيم في موسكو، كريم هاس للموقع الألماني: "كان ثمة اتفاق مماثل في أغسطس/آب عام 2019. وفي ذلك الوقت، كان من المفترض أن تمتد المنطقة الآمنة على طول الحدود السورية بأكملها. لكن الأبعاد الدقيقة للمنطقة الآمنة الجديدة لم تحدد في نص الاتفاقية على الإطلاق".
عامل سوتشي
لاقى الاتفاق بين أنقرة وواشنطن ترحيباً بوصفه نجاحاً دبلوماسياً لوقف المعارك العسكرية مؤقتاً. وبإمكان الطرفين أن يتطلعا للحصول على اعتراف العالم به. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤدي دوراً أيضاً في سوريا، لأن بلاده تحمي بشار الأسد. وحين يجتمع بوتين وأردوغان في مدينة سوتشي الروسية في 22 أكتوبر/تشرين الأول، ستسعى أنقرة للتوصل إلى اتفاق مع موسكو بشأن شمال سوريا.
وحتى الآن، رفض بوتين الموافقة على دعم منطقة أنقرة الآمنة. وفي سوتشي، سيكون الروس أكثر اهتماماً بإحدى أولوياتهم: وهي اتفاقية أضنة. وتنص الاتفاقية التي عُقدت عام 1998 على حظر حزب العمال الكردستاني في سوريا، واستخدمتها أنقرة لتبرير عملية "نبع السلام" التي بدأتها في 9 أكتوبر/تشرين الأول.