انطلقت حركة النهضة، الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية التونسية في مفاوضات واتصالات أولية عسيرة لتشكيل الحكومة. ورغم أنه لم يتم الإعلان حتى الآن عن نتائج ملموسة لهذه المفاوضات، فإنه من المنتظر أن يكون الأسبوع المقبل حاسماً في هذا الملف.
مشاورات "محتشمة"
فتحت حركة النهضة منذ الإعلان عن فوزها بالانتخابات التشريعية قنوات الاتصال مع عدد من الأحزاب ذات الكتل البرلمانية، بهدف تكوين تحالف حكومي، غير أن الموقف الرافض للتحالف مع الحركة من بين أغلب الأحزاب التي فازت بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، قلص من الثمار التي جنتها النهضة خلال الأيام الماضية.
وتشير مصادر مطلعة مقربة من موقع صنع القرار داخل الحركة إلى أن النهضة لم تنجح حتى الآن سوى في ضمان مشاركة قائمة "ائتلاف الكرامة" في الائتلاف الحكومي.
وأوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ "عربي بوست"، أن المشاورات لا تزال جارية مع حزب "التيار الديمقراطي" الذي رفع سقف شروطه كثيراً للمشاركة في الحكومة، وحزب "تحيا تونس" الذي من المنتظر أن ينضم للتحالف الحكومي رغم رفضه المعلن التحالف مع النهضة.
إذ تعي قيادات "تحيا تونس" أن المشاركة في الحكم أمر حيوي للحزب ليراكم تجربته في إدارة الدولة ويكون فاعلاً في تسييرها.
قلب تونس والحر الدستوري خط أحمر
وفي هذا السياق، يؤكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري لـ "عربي بوست" أن مجلس شورى الحركة سيعقد يومي السبت والأحد اجتماعات للنظر في خريطة التحالفات الممكنة لتشكيل الحكومة، وتحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي ستعمل على تنفيذها خلال الخمس سنوات المقبلة.
وأضاف أن النهضة منفتحة على كل الأحزاب والشركاء الاجتماعيين للمشاركة في تكوين الحكومة بما يتناسب مع رؤية الحركة لمستقبل تونس خلال السنوات المقبلة.
وشدد الخميري على أن هذه المفاوضات المفتوحة تستثني حزبين فقط، وهما حزب "قلب تونس"، الذي تتعلق برئيسه نبيل القروي ملفات وقضايا فساد، و "الحزب الحر الدستوري" الذي وصفه بـ "الحزب الفاشي" بسبب مواقفه المعادية للنهضة والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، مؤكداً أن التحالف مع هذين الحزبين خط أحمر بالنسبة للحزب الفائز بالانتخابات التشريعية.
قلب تونس خارج الحكومة
من جهتها قالت الناطقة الرسمية باسم حزب "قلب تونس" سميرة الشواشي لـ "عربي بوست"، إن الحزب الفائز بالمرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية لم يتلق أي اتصالات من حركة النهضة حول تشكيل الحكومة المقبلة.
وأشارت إلى أن موقف الحزب ثابت من التحالف مع النهضة، "نرفض أي تحالف حكومي مع هذه الحركة، ونرفض الحصول على أي حقيبة وزارية في الحكومة المقبلة، لكننا سنغلب المصلحة الوطنية في التصويت لصالح الفريق الحكومي تحت قبة البرلمان"، على حد تعبيرها.
وأضافت الشواشي أنه في إنتظار أي مفاوضات أو اتصالات أو مبادرات من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية والذي يخول له الدستور تكوين الحكومة المقبلة، فإن حزب قلب تونس أعلن موقفه من التحالف مع حركة النهضة لتشكيل الحكومة للعلن منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات".
التيار الديمقراطي: مستعدون للتحالف لكن بشروط
وفي سياق متصل، أوضح القيادي في حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن "الحزب منفتح على المشاركة في تشكيل الحكومة المقبلة وفق شروط واضحة"، على حد تعبيره.
وذكر أن أول هذه الشروط هو ألا يكون رئيس الحكومة المقبل من داخل حركة النهضة أو من بين قاداتها، بل يكون شخصية سياسية ذات تكوين اقتصادي، "نظراً لأن طبيعة المرحلة المقبلة هي اقتصادية بامتياز"، على حد وصفه.
وأضاف أن ثاني الشروط هو الإعلان عن برنامج حكومي للناس تقع مناقشته وتقييمه نهاية كل شهر. بينما الشرط الثالث هو حصول التيار الديمقراطي على 3 حقائب وزارية، هي وزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري، لأنه يعتبرها بوابات مهمة لمكافحة الفساد.
وأوضح الشواشي أن حزب التيار الديمقراطي يعي جيداً أن تشكيل الحكومة المقبلة مع حركة النهضة سيكون رهين نتائج المفاوضات معها، مشدداً على أنه ورغم ما تقتضيه كل مفاوضات من تنازلات، إلا أن حزبه يضع مكافحة الفساد وبأن يكون رئيس الحكومة من خارج حركة النهضة كشروط لا يمكن التنازل عنها في كل الأحوال.
وتابع: "في حالة فشل هذه المفاوضات فإن التيار الديمقراطي سيغلب المصلحة الوطنية، ويصوت لتشكيل الحكومة حتى لا تتعطل هياكل الدولة".
كما أكد محمد العربي الجلاصي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، أن حركة النهضة وافقت على خُمس (20%) من شروط الحزب للتحالف معها في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات في الأيام المقبلة.
خلاف على رئيس الحكومة
رغم أن وسائل الإعلام المحلية تحدثت عن قائمة مطولة من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة المقبلة، إلا أن الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري قال لـ "عربي بوست" إن كل الأسماء التي تم تداولها إعلامياً غير مطروحة لمنصب رئاسة الحكومة.
وأوضح أنه من السابق لأوانه الحديث عن هوية رئيس الحكومة في الوقت الذي لم تتفق فيه حركة النهضة بعد مع عدد من الأحزاب ذات الكتل البرلمانية الوازنة على تشكيل الحكومة.
وفي ذات السياق، تؤكد مصادر "عربي بوست" المطلعة على كواليس المناقشات، أن هناك خلافاً كبيراً داخل حركة النهضة حول هذا الملف.
ففي الوقت الذي تدافع فيه عدد من القيادات على أن يكون رئيس الحكومة من داخل الحركة، وتقترح اسمين لتولي هذا المنصب وهما رئيس الحكومة الأسبق علي العريض وزياد العذاري، فإن جزءاً آخر يعارض هذه الفكرة ويدعو لاختيار رئيس حكومة توافقي من خارج الحركة لضمان حزام برلماني قوي للحكومة، ومشاركة أكبر عدد من الأحزاب في الائتلاف الحكومي.