مدينة منبج الاستراتيجية في شمال سوريا .. ماذا تعني للطرف الذي يسيطر عليها؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/17 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/17 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان/ رويترز

تردد اسم مدينة منبج في شمال سوريا أكثر من أي مكان آخر منذ بداية العمليات التركية العسكرية في شمال سوريا، فأين تقع منبج، وما أهميتها الاستراتيجية، وما خريطة القوى فيها قبل بدء العمليات، ومن يسيطر عليها الآن، والأهم من الأقرب للانتصار في تلك المعركة متشابكة الأطراف؟

أين تقع، وما أهميتها؟

تقع مدينة منبج شمال شرق محافظة حلب في شمال سوريا قرب الحدود التركية وتبعد 30 كم غرب نهر الفرات و80 كم من مدينة حلب ويظهر آخر تعداد سكاني هناك قبل 15 عاماً أنه كان يعيش فيها حوالي 100.000 نسمة، كانت غالبيتهم من العرب السنة إضافة إلى أقليات من الأكراد والشركس.

وقعت منبج تحت سيطرة داعش في يناير/كانون الثاني 2014، وفي يونيو/حزيران 2016 دخلتها قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردية (قسد) وذلك بدعم جوي من قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة داعش في معركة تعرف باسم معركة منبج.

منبج
منبج

نظراً لقربها من الحدود التركية وأهميتها الاستراتيجية استعدت أنقرة للهجوم عليها لطرد القوات الكردية منها، لكن واشنطن أقنعت الجانب التركي بوقف الهجوم وأرسلت قوات من التحالف الدولي وأقامت ثلاث قواعد أمريكية في المدينة لتهدئة الهواجس التركية، وبدأت مفاوضات إنشاء منطقة آمنة على الحدود.

ومنذ صيف العام الماضي 2018، كان مجلس منبج العسكري التابع للإدارة الذاتية الكردية يسيطر على المدينة، وذلك بعد انسحاب الوحدات الكردية منها بموجب اتفاق أبرمته واشنطن مع تركيا، وقبل عدة أسابيع تم تسيير دوريات مشتركة بالفعل من قوات تركية وأمريكية، لكن لم يتم التوصل لاتفاق وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية وبدأت العمليات العسكرية التركية.

ما خريطة القوى في منبج قبل العمليات الحالية؟

منبج تحتل موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري لوقوعها قرب نقطة التقاء ثلاث مناطق منفصلة تمثل مجالاً للنفوذ التركي والأمريكي والروسي، بحسب القوى المحلية التي تتبع كل منهم.

وقبل بدء العمليات العسكرية الحالية، الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول، كانت هناك  تعزيزات عسكرية تركية مدعومة بعشرات المدرعات والآليات في ريف حلب الشمالي، إلى جانب قوات الجيش السوري الحر المعارضة لنظام بشار الأسد وكانت تتخذ مواقعها في القرى المتاخمة للمدينة.

تلك القوات كانت تتمركز على تخوم منبج الغربية وعلى طول شريط يبلغ 70 كيلومتراً، يمتد من غرب بلدة العريمة إلى شرق جرابلس ووصولاً لضفة نهر الفرات الغربية.

قوات سوريا الديمقراطية أو القوات الكردية والفصائل المتحالفة كانت تسيطر على مركز مدينة منبج والقرى المحيطة بالكامل، من خطوط التماس المنطقة الممتدة من شمال منبج حتى مدينة الباب غربها.

وتتمركز في هذه المنطقة قوات مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية، وقوات حماية الشعب الكردية، وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي)، وقوات حماية المرأة الكردية وعدد من الفصائل المحلية.

كما كانت تتواجد في مركز منبج قوات أمريكية، تقوم بتسيير دوريات في أنحائها، حيث تحافظ على النظام الأمني هناك منذ هزيمة داعش عام 2016.

أما جنوب منبج مباشرة وفي بلدة العريمة فتتواجد قاعدة عسكرية روسية أتاحت الفرصة لقوات الجيش السوري الانتشار في مناطق قريبة تمثل خطاً فاصلاً في الغرب والشمال بين الوحدات الكردية ومسلحي المعارضة السورية الذين تدعمهم تركيا.

هل انتشرت قوات النظام السوري في منبج؟

مع بدء العمليات العسكرية التركية، أعلنت القوات الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية توصلها لاتفاق مع روسيا يسمح بنشر قوات النظام السوري على الشريط الحدودي في مدينة مبنج، ونشر إعلام النظام السوري، الإثنين الماضي 14 أكتوبر/تشرين الأول، بالفعل مقاطع لوصول وحدات من قواته مصحوبة بعناصر من الشرطة العسكرية الروسية إلى المدينة.

منطقة شرق الفرات
منطقة شرق الفرات

التقارير في هذه النقطة متضاربة ولا شيء يبدو مؤكداً، فـ "قسد" يقولون إن اتفاقهم مع الروس وليس مع النظام السوري وهو ينص فقط على تولي قوات النظام حماية الحدود وليس السيطرة على مدينة منبج نفسها، بينما يقول إعلام النظام إن قواته سيطرت بالفعل على المدينة.

ماذا عن القواعد الأمريكية في منبج؟

تواصل القوات الأمريكية انسحابها وتدمير قواعد تمركزها في المنطقة وأعلن ترامب أمس الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول أنه لم يعد هناك سوى 26 جندياً أمريكياً فقط في شمال سوريا وهم بعيدون عن مناطق القتال.

ما الوضع في منبج الآن؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز

المؤكد أن قوات "قسد" التركية قد انسحبت بالكامل من منبج وسيطرت عليها فصائل معارضة سورية تدعمها تركيا، لكن ذلك لا يعني أن الوضع في المدينة قد تم حسمه بشكل نهائي، فالأهمية الاستراتيجية للمدينة ووجود جميع أطراف الصراع فيها أو في محيطها يعني أن حسم معركة منبج ربما لا يتم بشكل سريع.

ماذا عن رؤية تركيا لوضع منبج؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توقّع الإثنين الماضي انسحاب الفصائل الكردية من مدن رئيسية على غرار ما فعلته في منبج، وقال: "عندما يتم إخلاء منبج لن ندخل إليها نحن كتركيا. بل سيعود إليها أشقاؤنا العرب -العشائر- هم أصحابها الحقيقيون"، مضيفاً: "يتمثل نهجنا بضمان عودتهم وأمنهم هناك".

وشاهد مصور لوكالة فرانس برس المئات من مقاتلي الفصائل الموالية لأنقرة خلال تجمعهم بعد ظهر اليوم في قرية غرب مدينة منبج مع تعزيزات تركية. بدورها نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر عسكرية قولها إن مقاتلي المعارضة السورية دخلوا إلى مناطق ريف منبج.

وأضافت المصادر أن فصائل المعارضة المسلحة حشدت قواتها منذ مدة وأنها "تبدأ اليوم عملية السيطرة على منبج وطرد مسلحي قسد من المدن وإعادة المدينة إلى أهلها".

منبج تجسيد لأهداف تركيا

هذه العوامل تشير إلى أن مدينة منبج ترمز إلى الأهداف التي تريد أنقرة تنفيذها وهي إبعاد قوات قسد التركية بعمق 30 إلى 35 كيلومتراً عن حدودها، وإنشاء منطقة آمنة تسمح بعودة أكثر من مليوني لاجئ سوري إلى بلادهم.

في هذا السياق لا يوجد خلاف بين تركيا وروسيا حتى مع انتشار قوات النظام السوري على الحدود، وهو ما ألمح إليه أردوغان بالفعل، وهذه النقطة تحديداً تجعل من القوات الكردية عدواً مشتركاً للنظام السوري وأنقرة، وبالتالي تبدو السيطرة على مدينة منبج أبعد بكثير عن القوات الكردية التي أصبحت بلا حليف قوي بعد الانسحاب الأمريكي.

أما وقوع احتكاك بين القوات التركية وقوات النظام السوري فرغم أنه أمر وارد بقوة وهناك تقارير غير مؤكدة عن وقوع مناوشات بالفعل في محيط منبج، يظل التفاهم التركي الروسي ضمانة قوية تجعل تحول مثل تلك المناوشات إلى صراع حقيقي أمراً مستبعداً.

تحميل المزيد