ما وضع «داعش» الآن في سوريا والعراق؟ «الأزمات الدولية» تحذر من عودة صعوده باستغلال الفوضى

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/16 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/16 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
حتى مع تراجعه لصورة حركة متمردة، لا يزال يشكل خطراً على السوريين والعراقيين/ Getty

تعرّض تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" للهزيمة في سوريا والعراق لكن لم يخرج من المعركة تماماً. إذ لا يزال التنظيم نشطاً، لكن في نطاق جغرافي ضيق. ويتطلب إبقاء التنظيم في هذا الوضع جهداً متواصلاً. إذ هناك أحداث عديدة يمكن أن تفسح المجال لصعوده مرة أخرى؛ سواء التدخل التركي في شمال شرقي سوريا أو غياب الاستقرار في العراق أو خروج التوترات الأمريكية الإيرانية عن السيطرة، بحسب تقرير لـ "مجموعة الأزمات الدولية"، نشره موقع Lobe Log الأمريكي.

ما أهمية هذا الأمر؟

دفع العراقيون والسوريون وشركاؤهم الدوليون ثمناً باهظاً في سبيل طرد التنظيم المسلح من أراضي "خلافته" المزعومة. لكن حتى مع تراجعه لصورة حركة متمردة، لا يزال يشكل خطراً على السوريين والعراقيين في الداخل، وإذا تمكن من توحيد صفوفه فقد يعود ليهدد العالم بأكمله.

ما الذي يتعين فعله؟

تقول المجموعة الدولية إن إبقاء التنظيم ضعيفاً يستلزم "تجنب اندلاع أي صراع جديد" سواء في سوريا أو العراق قد يعرقل جهود محاربة "داعش"، على رأسه العملية التركية في شمال شرقي سوريا. فالسوريون، والعراقيون كذلك، بحاجة لفترة هدنة لملاحقة مسلحي "داعش" وإعادة الاستقرار النسبي لبلديهم.

ولم يستعد تنظيم "داعش" قوته في العراق أو سوريا حتى الآن، لكن استطاع الاستمرار في صورة جماعة متمردة مسلحة ووحشية في كلا البلدين. وأصبح، مقارنة بما كان عليه سابقاً، ضعيفاً ومقيداً جغرافياً. وحالت الأوضاع الداخلية، لا سيما في العراق، دون عودته.

ومع ذلك، يواجه كل من العراق وسوريا حالياً أخطاراً داخلية وتهديدات خارجية؛ تزعزع استقرار البلدين. ومن ثم، إذا تداخل عدم الاستقرار الداخلي أو الصدمات الخارجية مع جهود مكافحة "داعش" في أي من الدولتين، فمن المحتمل أن ينتهز التنظيم الفرصة للعودة. لذا يتطلب منع صعوده مرة أخرى بذل جهود حثيثة على الصعيد الوطني للتصدي للجماعة والحفاظ على الاستقرار، وفي الوقت نفسه يتعين على جميع الأطراف المنخرطة في جهود مكافحة "داعش" -المحلية والدولية- العمل على تجنب نشوب صراعات جديدة مدمرة فيما بينها، مهما كانت خلافاتها.

"عصابات صغيرة".. ربما تكبر

في عام 2015، أطيح "داعش" من على عرش قوته، بعدما كان في وضع هجومي على جبهات عدة ومسيطراً على شبه دولة مسلحة تمتد على مساحات شاسعة من العراق وسوريا. وفي مواجهة حملة عسكرية ساحقة شنتها مجموعة من خصومه المحليين والدوليين، فقد "داعش" آخر مناطق سيطرته في العراق عام 2017، وفي سوريا في أوائل عام 2019. لكن في كلا البلدين، استطاع التنظيم الصمود بالتحول من الحرب شبه التقليدية إلى شن هجمات متمردة بأسلوب الكر والفر.

وفي العراق، تعمل "داعش" في صورة عصابات صغيرة شبه مستقلة ومنتشرة في أكثر المناطق الوعرة في البلاد، بما في ذلك الجبال والصحاري. ومن هذه المخابئ، يخرج مقاتلو "داعش" للاعتداء على المناطق الريفية؛ فيخطفون السكان ويبتزونهم ويقتلون ممثلي الدولة. وأصبحت عناصر "داعش" لا تشن سوى هجمات بسيطة، ولم تُنفِذ عمليات معقدة أو على نطاق واسع إلا على فترات متقطعة. وحتى الآن، لا يبدو أنها تمكنت من التسلل للمدن الرئيسية في العراق.

وتغير العراق بطرق قد تحول دون عودة "داعش" فيه إلى سابق قوته. إذ تلاشى الاستقطاب الطائفي الذي استفاد التنظيم من انتشاره في الدولة بأكملها. بالإضافة إلى ذلك، بعد أن عانى العديد من العرب السنة من صدمة مزدوجة جراء انتشار "داعش" الوحشي والحملة العسكرية لاستعادة مواطنهم التي سيطر عليها التنظيم. ومن جانبها، توقفت قوات الأمن العراقية عن تجاوزاتها، وبدأت ترتبط بعلاقة أكثر فاعلية مع العرب السُّنة.

تهديدات قائمة

تقول مجموعة الأزمات إنه على الرغم من هذه الأسباب التي تدعو للتفاؤل، فهناك تهديدات قائمة. إذ سيشكل تأمين المناطق النائية التي لا تزال عناصر "داعش" تعيث فيها فساداً تحدياً كبيراً. ولا يزال يتعين على الحكومة إعادة بناء اقتصاديات هذه المناطق وغيرها من المناطق التي تضررت بسبب الحرب ضد "داعش"؛ وهو ما أدى إلى تثبيط النازحين عن العودة. إضافة إلى ذلك، يبدو شفاء جروح المجتمع صعباً. 

إذ يهدد نهج العراقيون الانتقامي لتحقيق العدالة في مرحلة "ما بعد داعش" بتوسيع انقسامات البلاد. ويبدو أنَّ "عائلات داعش" -وهم مدنيون لهم روابط أسرية مزعومة مع متشددي "داعش" وتعرضوا للنفي من مسقط رأسهم- في خطر أن يصبحوا طبقة متدنية في المجتمع موصومة بعار هذه الروابط. إلى جانب ذلك، قد تمتد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى العراق؛ ما يهدد بشن حلفاء إيران شبه العسكريين في الداخل هجمات على أهداف أمريكية. ولا يمكن التنبؤ بما قد يسفر عنه ذلك، لكن من المؤكد أنه سيهدد الوجود المستمر لقوات التحالف المناهض لداعش الذي تقوده الولايات المتحدة؛ ومن ثم إثارة اضطرابات أشد.

احتمالات عودته في سوريا

ويُحتمَل كذلك أن يعود تنظيم "داعش" للصعود في سوريا المجاورة. في 6 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنَّ تركيا ستشن عملية عسكرية في شمالي سوريا، والقوات الأمريكية "لن تكون موجودة في المنطقة المجاورة".

وبدا أنَّ بيان ترامب -مع ما حمله من تلون وتشوش وتناقضات- يعطي الضوء الأخضر للتدخل التركي أحادي الجانب في شمال شرقي سوريا ضد شريك واشنطن الرئيسي في الحرب ضد "داعش": تنظيم "قوات سوريا الديمقراطية". وهي قوة كردية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحزب العمال الكردستاني، وهي مجموعة خاضت حرباً دامية استمرت لعشرات السنوات مع تركيا. وبعد أن غادرت القوات الأمريكية القليلة الموجودة على الحدود السورية مواقعها، أعلنت تركيا بدء عملية التدخل في 9 أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من أنَّ نطاقها الكامل لا يزال غامضاً.

تخفيف الضغط على "داعش"؟

تقول مجموعة الأزمات إنه من شبه المؤكد أنَّ الصراع بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود السورية-التركية سيخفف من الضغط على "داعش"، الذي فقد آخر مواقع سيطرته في المنطقة بهزيمته في شرق سوريا في مايو/أيار 2019، لكنه لا يزال قائماً بوصفه جماعة متمردة وحشية. ومنذ مايو/أيار، واصلت "قسد" ملاحقة فلول "داعش" في الشمال الشرقي واحتجزت الآلاف منهم وأفراد عائلاتهم. ومع ذلك، حذَّر التنظيم الكردي من أنها سيضطر إلى إعادة توجيه قواته نحو الحدود الشمالية لسوريا في حال هاجمتها تركيا. ويُنذِر هذا بعواقب كارثية في المناطق أقصى الجنوب حيث ينشط تنظيم (داعش)، وفي السجون والمعسكرات التي تحتجز مسلحي "داعش"، التي كانت بالفعل عرضة للهجمات قبل الأحداث الأخيرة.

حتى مع احتمالات صمود "داعش" بشكل ما في كل من العراق وسوريا، يتعين على أعدائه العديدين أن يكونوا قادرين على احتواء التنظيم أو حتى إنزال مزيد من الضعف بصفوفه. ولهذا السبب يتعين حماية البلدين من أية صدمات خارجية جديدة قد تعرقل جهود مكافحة "داعش". 

ومن شأن هذا أن يتيح وقتاً لترتيب مؤقت جديد يعالج المخاوف الأمنية التركية إلى أن يتوصل لاتفاق نهائي بشأن تلك المنطقة. وإذا فشل ذلك الخيار، فالبديل هو أن تتفاوض "قسد"، على الأرجح بوساطة روسية، على تسوية مباشرة مع النظام السوري قد يحبط أي هجوم تركي. إلى جانب ذلك، يجب على الحكومات استعادة أكبر عدد ممكن من مواطنيها المدنيين من مخيمات النازحين في الشمال الشرقي، قبل أن يبتلع الصراع أطفال المخيمات.

ما الذي يجب فعله؟

ويحتاج كذلك الفاعلون المحليون إلى بذل جهود من جانبهم في هذا الصدد. فينبغي للحكومة العراقية، بمساعدة من شركائها الدوليين، مضاعفة جهودها لتأمين المناطق الريفية المتضررة من "داعش" ضد عودته في حال انزلقت سوريا المجاورة إلى الفوضى. ويجب على بغداد أيضاً منح الأولوية لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب وعودة النازحين، بما في ذلك "عائلات داعش". 

تقول المجموعة الدولية: إذا كان بالإمكان تأجيل هجوم تركيا أو على الأقل تحديد نطاقه، فسيظل يتعين على "قسد" السماح لشركائها المحليين المساهمة بدور أنجع في الحوكمة والأمن في تلك المنطقة، بما في ذلك في دير الزور، والمساعدة في الدفاع عنها ضد افتراس "داعش".

لا يزال بالإمكان منع صعود "داعش" مرة أخرى في العراق وسوريا. لكن يتطلب ذلك أن يبذل أعداء التنظيم محلياً ودولياً جهوداً متواصلة، وتجنب اندلاع صراعات مميتة فيما بينهم قد تبعث "داعش" للحياة مرة أخرى.

تحميل المزيد