تمثل زيارة رئيس وزراء باكستان عمران خان إلى طهران والرياض أول وساطة مباشرة وعلنية بين إيران والسعودية، ما يطرح تساؤلات حول كون الرياض أصبحت أكثر قبولاً لفكرة الحوار مع إيران، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وما هي أسباب ذلك؟ إضافة لفرص نجاح وساطة خان حيث فشل الآخرون.
من الذي طلب وساطة باكستان؟
وصل عمران خان إلى طهران، الأحد 13 أكتوبر/تشرين الأول، وسيتوجه اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر/تشرين الأول إلى الرياض، في وساطة بين البلدين تضاربت الأقوال حول من طلبها، أو بمعنى أدق من طلب من رئيس وزراء باكستان لعب دور الوساطة.
خان كان قد أعلن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب منه التوسط لإقناع طهران بالحوار، كما أعلن أيضاً أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان حمّله رسالة لقادة طهران، وكان ذلك خلال تواجد جميع الأطراف في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.
وعقب اجتماعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، قال خان إنه سيتوجه إلى الرياض اليوم الثلاثاء، وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك مع روحاني نقله التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة: "لا تريد باكستان صراعاً بين إيران والسعودية… يسرني تسهيل إجراء محادثات بين طهران والرياض… يحدوني أمل كبير لأنني أجريت محادثات بناءة مع الرئيس (الإيراني)"، بحسب رويترز.
ما هي بنود المبادرة الباكستانية؟
بعيداً عما إذا كان ترامب أو ولي العهد قد طلبا من خان التوسط أو أن رئيس الوزراء أقدم على التوسط بمبادرة شخصية منه، المهم الآن هو فحوى مبادرة الوساطة ومضمونها.
بحسب أمير موسوي، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في طهران، لقناة روسيا اليوم بالعربية، تركزت المبادرة الباكستانية على ثلاث نقاط رئيسية، الأولى وقف إطلاق النار في اليمن وجلوس أطراف الصراع هناك على طاولة المفاوضات، والثانية تتعلق بالملفات الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والعلاقات الثنائية بين إيران والسعودية وإعادة العلاقات الثنائية بينهما، والثالثة ترتبط بالبرنامج النووي الإيراني وتأمين إنتاج وتصدير النفط من المنطقة.
كيف استقبلت إيران رسائل الرياض؟
وزارة الخارجية الإيرانية كانت قد أعلنت قبل زيارة خان أن طهران مستعدة لإجراء محادثات مع السعودية بوسيط أو بدون وسيط.
وقال روحاني أثناء المؤتمر الصحفي مع خان: "أي جهد على أساس النوايا الطيبة موضع ترحيب… اتفقنا خلال الاجتماع على أن من الممكن حل المشاكل الإقليمية عبر الدبلوماسية ومن خلال الحوار بين الدول".
وفي نفس الوقت، قال خامنئي لرئيس الوزراء الباكستاني إن دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة "خاضعة لإرادة الولايات المتحدة". ونقل التلفزيون عن خامنئي تحذيره بأن أي طرف يهاجم إيران سيندم على اتخاذه مثل هذا القرار، مضيفاً أن "إنهاء الحرب في اليمن سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة".
ماذا عن رد فعل السعودية على وساطة خان؟
كان وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير قد أعلن، الأحد يوم وصول خان لطهران، أن الرياض لم تطلب من إسلام آباد التوسط، وأضاف للصحفيين في الرياض أن رئيس الوزراء الباكستاني يتصرف بمبادرة منه، مشيراً إلى أن الإيرانيين بحاجة إلى تغيير سلوكهم وسياساتهم إذا كانوا يرغبون في أن تتعامل معهم الدول مثلما تتعامل مع الدول العادية.
لماذا تغير الموقف السعودي من فكرة الحوار؟
بعيداً عن التصريحات المعلنة، فإن وصول خان إلى طهران وتوجهه إلى الرياض في حد ذاته يعد نقطة إيجابية في اتجاه خفض التوتر الذي وصل ذروته بعد استهداف منشآت أرامكو النفطية، لكن أيضاً هناك عامل أساسي وراء التحول في موقف الرياض والانفتاح أكثر على فكرة الحوار والدبلوماسية وهو موقف ترامب.
أصبح واضحاً تماماً أن فكرة المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران في وجود ترامب غير قائمة من الأساس، ولن يتغير هذا الموقف مهما اتخذت إيران من إجراءات عدوانية على الأرض، وبالتالي كان على ولي العهد السعودي أن ينظر في اتجاه خفض التوتر والحوار، سواء بشكل مباشر أو عبر وسيط، قبل أن يقع اعتداء آخر يجعل ذلك مستحيلاً.
ماذا تريد الرياض الآن؟
من خلال مبادرة خان ونقاطها يمكن قراءة الأهداف السعودية من إجراء حوار مع طهران، وأول تلك الأهداف هو وضع حد للحرب في اليمن بعد أن ثبتت استحالة الحسم العسكري هناك، وما تريده السعودية هو اتفاق على وقف إطلاق النار يتبعه حوار تشارك فيه الأطراف اليمنية ويكون برعاية دولية، وعلى الرغم من تعقيدات الموقف، إلا أن تنفيذ ذلك ممكن ووارد، فهو مطلب لجميع الأطراف.
لكن المشكلة هنا هي أنه من غير الوارد أن تتفق الرياض وطهران على حل الملف اليمني بمعزل عن باقي الملفات العالقة بينهما، وأبرزها الملفات الإقليمية سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو البحرين، إضافة بالطبع للملف النووي والعلاقات الثنائية.
الجديد هو الإشارات الإيجابية واللغة الهادئة التي بدأت تسود، فعلى سبيل المثال قال خالد باطرفي، المحلل والكاتب السعودي، لقناة روسيا اليوم، أيضاً في برنامج جمعه مع موسوي، إن ولي العهد مستعد للحوار المباشر أو غير المباشر مع إيران.
هذه الأجواء، إضافة للزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السعودية، أمس الإثنين 14 أكتوبر/تشرين الأول، تمهد لحدوث انفراجة كبرى في الموقف بين العدوين الإقليميين، وربما يحدث لقاء مباشر بينهما على مستوى وزراء الخارجية أو حتى مستوى أعلى في إسلام آباد كما يريد عمران خان، أو حتى في موسكو.