قالت صحيفة Independent البريطانية، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قدم هدية مجانية لفلاديمير بوتين في سوريا من خلال إجبار التنظيمات الكردية على عقد اتفاق مع نظام بشار الأسد يقضي بتسليم منبج، وعين العرب، وغيرهما من المناطق الحدودية إلى الجيش السوري في محاولة أخيرة للنجاة أمام الهجوم التركي.
تقول الصحيفة: كان هذا هو الاتفاق منذ البداية. كان ترامب يمهّد الطريق للأسد وروسيا لإعادة السيطرة على شمال شرق سوريا، واستخدم الهجوم التركي غطاءً لهذه الغاية.
وبالرغم من "ثرثرته المتواصلة" عن فشل أوباما في سوريا، يكرر ترامب نفس سياساته. غضَّ أوباما الطرف عما يحدث عندما قررت روسيا في 2015 التدخل الكامل وسحق المعارضة، فيما منح ترامب ترخيصاً لروسيا للقضاء على الحلفاء من التنظيمات الكردية (باستخدام الوسيط التركي) في 2019.
روسيا النجم الأبرز في الشرق الأوسط
تقول الإندبندنت إن روسيا تتصدر المشهد الآن في الشرق الأوسط بدورها الوسيط الوحيد في أي نزاعات، والضامن الوحيد لمن يبحثون عن الحماية. وتريد روسيا أن يُنظر إليها على أنها الوسيط العادل في أي اتفاق، والراعي المستقبلي للاستقرار في سوريا. وقد ساعد ترامب على تمهيد الطريق لبوتين نحو هذا الهدف.
تسبب التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي بخصوص سوريا، وقال فيه إنه لم يتبق فيها إلا "الرمال والموت"، في وقف أي تدخل غربي وتوافق بشدة مع هدف بوتين بعيد المدى، المتمثل في إبعاد الأمريكيين والأوروبيين. وفي إطار عملية السلام السورية التي نوقشت في أستانا، أجبرت روسيا الأمم المتحدة على دعم اللجنة الدستورية السورية التي روج لها بوتين الشهر الماضي، خطوته الأولى تجاه الحل السلمي.
تقول الصحيفة البريطانية: وبذلك يتحقق "الحلم الكردي" بإنشاء منطقة حكم ذاتي على الحدود مع تركيا، وكذلك الحال بالنسبة للمعارضة السورية. وفي نفس الوقت، سوف تتحمل تركيا عودة داعش، ولا يزال أمام الأسد طريق طويل في قتال القوات التابعة لتنظيم القاعدة في إدلب وتعامله مع الكوارث الإنسانية في جميع أنحاء البلاد.
الفائز الوحيد هو روسيا
ومن موضع القوة الجديد، بإمكان روسيا أن تضمن عقود حق الوصول الحصري إلى المناطق الغنية بالنفط في شمال شرق سوريا، والسيطرة على منصة ضخمة لبسط نفوذها في أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا. تشارك روسيا بالفعل في دعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وما زالت تضغط لإقامة قواعد عسكرية في مصر.
تقول الإندبندنت إن ترامب ترك ناخبيه في حيرة. فإذا كان قراره بسحب 1,000 جندي من سوريا يرجع إلى وعوده الانتخابية بـ"إعادة قواتنا إلى الوطن"، لماذا قرر إرسال حوالي 3,000 جندي إلى السعودية في الأسبوع الماضي؟ ربما لأن الحلفاء الأكراد ليس لديهم ما يكفي من المال بالتأكيد.
عند النظر إلى الهجوم على منشأة النفط السعودية في بقيق، وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، والتوغل التركي في شمال شرق سوريا، وزيارة الرئيس بوتين إلى منطقة الخليج اليوم، نجد تحولاً سريعاً في المنطقة بعيداً عن الهيمنة الأمريكية التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
بديل للولايات المتحدة الأمريكية؟
تقول الصحيفة البريطانية إنه لا يزال أمام روسيا طريق طويل لكي تكون بديلاً حقيقاً للولايات المتحدة، ولكن يبدو أنها تُسرع في طريقها لتحقيق ذلك.
ويبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بالإحباط لدرجة أنها أصبحت على استعداد دائم لمنح روسيا تفويضاً جديداً وواضحاً في منطقة الخليج. بالنسبة لها، كانت الرسالة الواضحة وراء "خيانة" ترامب للأكراد في سوريا: "الولايات المتحدة ليس لديها استراتيجية ثابتة أو متماسكة لاحتواء تصاعد نفوذ إيران في المنطقة، وليس لديها رغبة في حماية حلفائها"، وكل هذا بالرغم من المدفوعات الخليجية الضخمة التي تحوّل إلى الاقتصاد الأمريكي.
أبدى ترامب ممانعة كبيرة لتجاوز العقوبات الاقتصادية اتضحت في تحركاته التجريبية ضد إيران، غير أنه واصل خطاباته العدائية المرسلة، آملاً على ما يبدو في استمرار التدفق النقدي من دول الخليج.
عرض بوتين على السعوديين بالفعل نظام S-400 المضاد للطائرات لحمايتها من هجمات الطائرات بدون طيار وهجمات الصواريخ الباليستية التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن.
ما سيحدث إذا ظل ترامب في البيت الأبيض لـ5 سنوات أخرى؟
ربما كان السعوديون والإماراتيون ينظرون إلى ترامب في يوم من الأيام على أنه فرصة تاريخية للحد من نفوذ الخصوم الإقليمية في المنطقة، لكن قناعاتهم تغيرت بكل تأكيد. تأتي زيارة بوتين إلى السعودية والإمارات في إطار حسبة استراتيجية دقيقة أجراها البلدان الثريان، وهو ما يعكس قلقهما إزاء التعامل مع ترامب المتردد (إذا فاز في انتخابات 2020) للسنوات الخمس المقبلة.
وقد يكون تقدم بوتين في الشرق الأوسط يقدم له فرصة جيدة أيضاً في أوكرانيا، حيث سيكون الرئيس الجديد غاضباً بسبب تورطه في قضية عزل الرئيس الأمريكي. وتبحث روسيا بين أنقاض تلك الأزمة على طريقة لتأمين نفوذها على جارتها الغربية. قد يتحقق ذلك في وقت لاحق، لكن الأمر المؤكد أن الواقع الجديد في سوريا يدفع تركيا إلى التقارب أكثر مع روسيا، وبعيداً عن القوى الغربية المضطربة التي تهاجم أردوغان منذ بدء العملية العسكرية.
على مدار السنوات الثلاث الماضية، منذ تولّى ترامب منصب الرئاسة، تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وزاد نفوذ روسيا. يبدو هذا تحوّلاً مذهلاً، ويدفعنا إلى التساؤل عما سيحدث إذا ظل ترامب في البيت الأبيض لخمس سنوات أخرى.