تحوَّلت حرائق الغابات في لبنان إلى أزمة قومية خطيرة، وسط تساؤلات حول سبب اندلاع الحرائق ووصولها إلى هذا الحجم الهائل.
وبينما تُعزى الحرائق إلى موجة الحَر التي تشهدها البلاد، أثارت الظروف المحيطة باندلاع الحرائق ومداها الكبير تساؤلات من قِبل مسؤوليين سياسيين ورجال الدفاع المدني، عن احتمال وجود تعمُّد لإشعال الحرائق.
كما بدا نقص الإمكانيات والظروف المناخية والجغرافية والعسكرية سبباً إضافياً لتوسع الحرائق بشكل يهدد حياة المدنيين وثروة البلاد من الغابات التي تعد نادرة في المشرق العربي.
ويقبع لبنان من شماله إلى جنوبه هذه الأيام تحت تأثير موجة حارة، بدأت الأحد ومازالت مستمرة حتى اليوم، بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات فوق الموسمية، وصلت ظهر الإثنين إلى ما يقارب الـ40 درجة، بحسب ما أورد موقع weather of lebanon، عبر حسابه على موقع "فيسبوك".
الحرارة العالية أدّت إلى اندلاع حرائق في مناطق مختلفة من البلاد، كذلك لعبت الرياح دوراً كبيراً في امتداد النيران والقضاء على مساحات واسعة من الأراضي. وتحت هاشتاغ #لبنان_يحترق انتشرت الفيديوهات التي تُظهر حجم النيران على مواقع التواصل.
ونشبت حرائق، فجر الثلاثاء، في غابات بمختلف المناطق اللبنانية، لتتوسّع رقعتها بعد أن اقتصرت قبل يوم على منطقة "المشرف" الساحلية جنوب العاصمة بيروت.
ووقعت الحرائق في مناطق المشرف والدبية والناعمة والدامور في الشوف (ساحل جبل لبنان الجنوبي)، المدينة الصناعية في ذوق مصبح، وكريت ومزرعة يشوع وقرنة الحمرا في قضاء المتن والمنصورية في قضاء المتن (شمال بيروت)، وعكار في أقصى شمال البلاد.
وتشير المعطيات إلى أن أكبر الحرائق اندلعت في بلدة المشرف بجبل لبنان، وأتت على مساحات هائلة من الغابات.
إسرائيل تستغل الكارثة
نبّه وزير الدفاع إلياس بوصعب عبر الـLBCI إلى أن إسرائيل استغلت الانشغال بالحرائق في لبنان، وبدأت ببناء حائط إسمنتي في منطقة متنازع عليها في الوزاني.
وشدّد بوصعب على أن "هذا عمل خطير واستفزازي"، وقال: "سنتواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، لنقدم شكوى جدية بهذا الموضوع".
لماذا انتشرت الحرائق بهذا الشكل؟ الطقس وضعف الإمكانيات يتآمران على لبنان
"سرعة الرياح تساعد على انتشار الحريق، وفي هذا الوقت من السنة تكون الأشجار والأعشاب يابسة، ما يجعل سرعة انتشار النار قوية"، حسب مسؤول بالإطفاء اللبناني.
وذكر رئيس مصلحة الأرصاد الجوية مارك وهيبة، في تصريحات إعلامية، أن درجات الحرارة وصلت الإثنين إلى 38، لافتاً أنَّ الحرارة المرتفعة تؤدي إلى تأجيج الحرائق في لبنان.
مدير عام الدفاع المدني، العميد ريمون خطار قال في تصريح لموقع "النشرة اللبنانية"، لفت إلى بعض العوائق الناتجة عن الواقعَيْن الجغرافي والجوّي، خصوصاً وجود حقل ألغام في محيط جامعة الحريري.
كما منعت خطوط الكهرباء طوافات الجيش اللبناني من العمل بسهولة.
والأسوأ أنه قد تبيّن أنّ طوافتي الدفاع المدني اللبناني خارج نطاق الخدمة بسبب ارتفاع تكلفة صيانتهما.
وقال وزير الدفاع اللبناني إلياس بوصعب إن "طائرات الهليكوبتر الموجودة لدى الجيش لم تتم صيانتها، وقيادة الجيش قدَّمت لي تقريراً حولها، وهي موديل 58، وصيانتها صعبة وكلفتها عالية".
وأضاف: "يجب أن يكون لدينا مركز لمكافحة الحرائق، وألّا نتّكل فقط على طائرات الجيش اللبناني".
هل هي مفتعلة؟
"منذ عشرات السنين لم نشهد حرائق بهذا الحجم"، حسب رئيس قسم التدريب في الدفاع المدني (إطفاء) نبيل صلحان، مؤكداً أنَّ "الحريق الذي يندلع عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يطرح علامات استفهام"، دون أن يتطرق لتفاصيل أخرى.
مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار لمّح إلى إمكانيّة أن يكون الحريق مفتعلاً، نظراً إلى توقيت اندلاع النيران عند الساعة الواحدة والنصف فجراً، إلا أنه ترك الحسم في هذه المسألة التي التحقيقات التي ستكشف حقيقة ما حصل.
بدوره، أوضح رئيس بلدية المشرف زاهر عون، لموقع "النشرة اللبنانية"، أن الحريق بدأ من خراج بلدة كفرمتى، لافتاً إلى أنه في هذا الوقت من العام تحصل عادة حرائق، لكن منذ نحو 40 عاماً لم تشهد المنطقة حريقاً بهذا الحجم، الأمر الذي تُطرح حوله الكثير من علامات الاستفهام.
وكشف عون أنه تبلغ بالحريق عند الساعة الرابعة فجراً، وبدأ بالاتصالات مباشرة، لكن سيّارات الدفاع المدني لم تصل إلا صباحاً، ثم بدأت التعزيزات من مختلف المراكز بالوصول، في حين أن النيران كانت قد وصلت إلى محيط المنازل.
سنحاسب المتسبب.. ولا بديل عن اللجوء لدول الجوار
وتأكيداً على وجود شكوك بأن الحرائق مفتعلة، توعَّد رئيس الحكومة سعد الحريري أنه إذا "كان الحريق مفتعلاً، فهناك من سيدفع الثمن".
وقال الحريري في مؤتمر صحفي عقب انتهاء اجتماع لجنة إدارة الكوارث بمقر الحكومة في بيروت، مشيراً أنه "لا أضرار جسدية حتى الساعة والأضرار المادية سنعوضها".
وأكد أن "كل الأجهزة تعمل من دون استثناء، ولا بد من فتح تحقيق في ملابسات الحرائق وأسبابها".
وتابع: "اتصلنا بالأوروبيين، ومن المفترض أن تصلنا وسائل للمساعدة خلال 4 ساعات، ونشكر كل الأجهزة على جهودها".
أما وزيرة الداخلية ريا الحسن، فأكدت بعد اجتماع لجنة إدارة الكوارث في مقر الحكومة، أنها وقّعت على "طلب للاستعانة من البلدان المجاورة".
وقالت: "اتصلنا بكل البلدان التي يمكن أن تساعدنا".
وهذه الدول التي بدأت في مساعدة لبنان
وطلب المسؤولون اللبنانيون من قبرص طوافتين للمساعدة على إخماد الحرائق، علماً أنّ لبنان اشترى سابقاً طوافتين لإطفاء الحريق، لكنهما خارج الخدمة حالياً بسبب ارتفاع كلفة صيانتهما.
وأعلن عضو "اللقاء الديمقراطي"، النائب بلال عبدالله في تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن "رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب تيمور جنبلاط نجل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أبلغ بموافقة الدولة التركية على إرسال طوافات للمساعدة في إطفاء حرائق الشوف، موجهاً الشكر والتقدير لأنقرة".
ولبّى الدفاع المدني الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية في لبنان، نداء الأهالي واستغاثاتهم، واندفعت عناصره بكامل عتادهم للالتحاق بالدفاع المدني اللبناني، للمساعدة في عمليات السيطرة على الحرائق وإنقاذ السكان والممتلكات، في أكثر من منطقة لبنانية، منذ مساء أمس الإثنين.
وأعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان لها، أنّ "قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وضعت صهريجَي مياه بتصرّف الجيش، الذي وضعهما بعهدة الدفاع المدني للمساهمة في إطفاء الحرائق، والحدّ من انتشارها في الأماكن المتضرّرة".
وغرد وزير الدفاع إلياس بوصعب على حسابه على تويتر عصر اليوم بالقول: "ستقلع بعد حوالي الساعة من الآن طائرتان من اليونان، متوجهتين إلى بيروت من طراز canadair "ذات الحمولة الكبيرة والفعالة، والمتخصصتان في إخماد الحرائق، إضافة إلى عربتَي إطفاء و30 عنصراً على متن c130".
وذكر موقع "لبنان 24"، أنّ طائرتين أردنيتين مزودتين بطواقٍ من الدفاع المدني الأردني، انطلقتا قبل قليل من إحدى القواعد الجوية الأردنية، لتقديم المساعدة إلى لبنان في عملية إطفاء الحرائق.