أعلنت وزارة الدفاع التركية، السبت 12 أكتوبر/تشرين الأول 2019، السيطرة على مدينة "رأس العين" الاستراتيجية السورية شرق نهر الفرات، في إطار عملية "نبع السلام". وقالت الوزارة إنه "تمت السيطرة على المدينة نتيجة العمليات الناجحة المستمرة في إطار عملية نبع السلام".
فما حكاية هذه المدينة، ولماذا تمثل هدفاً استراتيجياً للقوات التركية والفصائل السورية المعارضة التي تقاتل معها ضمن عملية "نبع السلام" ضد الميليشيات الكردية، في الشمال السوري؟
ما هي مدينة رأس العين؟
تعد "رأس العين" مدينة أثرية سورية تقع في شمال محافظة الحسكة على الحدود السورية التركية، والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وهي نقطة عبور نهر الخابور الذي يصل إلى الأراضي السورية.
وأكثر ما يميّز هذه المدينة هو موقعها الاستراتيجي ووفرة ينابيع المياه فيها، حيث تبعد مسافة 85 كم عن مدينة الحسكة، وما يقارب 90 كم عن مدينة القامشلي، وتبلغ مساحتها حوالي 23 ألف كيلومتراً مربعاً، وفيها العديد من الآثار التاريخية العريقة نتيجة الحضارات التي مرّت عليها.
وتتنوع الأعراق التي تكوّن المجتمع السكاني في المدينة، فهي تضمّ العرب، والكرد، واليزيديين، والآشوريين، والسريان، والأرمن، بالإضافة إلى كلٍ من الشيشان والتركمان والماردلية.
وضع المدينة قبل سيطرة قوات "نبع السلام" عليها
بحسب مصادر المعارضة السورية، فقد عانى سكان المدينة من بطش الميليشيات الكردية التي كانت تسيطر على المدينة، فقد طردت "قوات حماية الشعب"، الذراع العسكري لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، العديد من سكان مدينة رأس العين خلال العامين الماضيين، وحولت الميليشيات العديد من منازل المدنيين، إلى نقاط عسكرية بعد أن طردت ساكنيها بقوة السلاح.
وبحسب ناشطين سوريين، طردت التنظيمات الكردية السكان الأصليين للمدينة، في الأحياء الشمالية للمدينة، وتحديداً حيي المحطة والعبرة وجزء من حي الخرابات على طول الحدود التركية، مستخدمة السلاح لإخراج كل من يعارضها، ومنعت الأهالي من حمل أي أمتعة معهم.
وخلال الأشهر الماضية، حاولت الوحدات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د"، حفر الأنفاق بالمنطقة الحدودية مع تركية في منطقة رأس العين شمالي الحسكة، استعداداً للعملية العسكرية التركية ضدها.
وفي يوليو/تموز الماضي، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعبارات مكتوبة على الجدران في قرى وبلدات "رأس العين" تطالب بدخول الجيش الحر. وتضمنت الصور عبارات من قبيل "الجيش الحر قادم"، و"يا أهلنا إننا قادمون لتحريركم.. أسود الجيش الحر"، الأمر الذي أثار قلق الميليشيات الكردية التي تسيطر على المدينة، ودفعها للبحث عن الفاعلين لاعتقالهم.
أهمية المدينة بالنسبة لتركيا
وكانت صحيفة "يني شفق" التركية، كشفت في يناير/كانون الثاني الماضي، عن أن أولوية تركيا في تشكيل المنطقة الآمنة شمالي سوريا تتمحور أولاً حول إعلان مدن رأس العين ومنبج وتل أبيض مناطق آمنة، والتحقق من سكان هذه المدن، وتوفير البنية التحتية الطبية والأمنية في هذه المدن.
وحينها، أشارت الصحيفة التركية أن خطة أنقرة ستبدأ من هذه المدن، ليتم تطهير المنطقة من "الوحدات الكردية" والعمال الكردستاني، والسيطرة عليها وبدء تنفيذ البنية التحتية للخدمات فيها.
مضيفة أنه بمجرد السيطرة على هذه المدن الهامة والاستراتيجية لأنقرة، فإنه سيجري التحقق من هويات السكان القاطنين فيها، واختيار مجالس محلية من السكان، وتحديد متطلبات المنطقة من البنى التحتية الصحية والخدماتية، وأنه سيتم بعدها تدريب الفرق الأمنية، كما ستشكل تركيا فريقاً خاصاً لحماية أمن الحدود مع تركيا.
في السياق، كانت قوات نبع السلام قد سيطرت قبل يومين، على مجموعة من البلدات في ريف مدينة تل أبيض، والتي تشهد تدريجياً توسعاً لسيطرة القوات من محورين الشرق والغرب في محاولة لإطباق الحصار على مركز المدينة.
كما سيطرت قوات نبع السلام على بلدات "الديمو" و"تل ذيبان" و"فرجة" جنوب تل أبيض، قاطعة بذلك الطريق الرئيسي الواصل بين تل أبيض والرقة، ولم يتبق سوى طريقين فرعيين أمام الميليشيات الكردية للانسحاب من المدينتين.
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "صباح" التركية إن عملية "نبع السلام" سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل، بدأت أولاها منذ الأربعاء الماضي. وأشارت الصحيفة إلى أن الأيام العشرة القادمة ستكون نهاية المرحلة الأولى وفقاً لقرارات الرئيس رجب طيب أردوغان، موضحة أن المرحلة الأولى ستتقدم فيها القوات التركية بشكل متسارع حتى عمق 30 كلم.
أما المرحلة الثانية -وفقاً للصحيفة- فتتضمن السيطرة على كافة المناطق في شرق الفرات، بينما ستشمل المرحلة الثالثة اتخاذ خطوات تعزيزية لدعم عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم.