تحارب تركيا في عملية "نبع السلام" العسكرية، التي انطلقت الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، مجموعةً من الميليشيات الكردية المتحالفة، حيث تسعى أنقرة للقضاء على "الممر الإرهابي الذي تُبذل جهود لإنشائه على الحدود الجنوبية لتركيا".
إذ تسيطر تنظيمات "PYD" حزب الاتحاد الديمقراطي، و "SDF" قوات سوريا الديمقراطية، وما يندرج تحتهما من مجموعات مسلحة مختلفة، على مناطق واسعة من الشمال السوري، تشمل معظم أجزاء محافظة الحسكة (شمال شرق) وتمتد إلى الريف الشمالي لمحافظة الرقة، وحتى مدينة منبج بريف حلب (غرب الفرات).
وتعتبر أنقرة أن هذه التنظيمات امتداد طبيعي لمنظمة "بي كي كي" المنصفة كمنظمة إرهابية في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقود حرباً طويلة منذ قرابة 4 عقود ضد تركيا، كما أنها تسبب تهديداً للأمن القومي التركي، إذ تسعى هذه التنظيمات للانفصال أو الحكم بشكل منفرد وذاتي في إقليم خاص بها داخل سوريا على الحدود التركية.
وفي هذا التقرير، سنحاول تسليط الضوء بشكل أكبر على واحد من أبرز وأكبر هذه التنظيمات وأخطرها بالنسبة لأنقرة، وهو تنظيم "PYD"، أو ما يعرف بـ "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي".
ما هو تنظيم "حزب الاتحاد الديمقراطي"؟
بحسب تعريفات معهد كارنيغي للشرق الأوسط، يعد ما يسمى بـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD) فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابياً (PKK). وهو واحد من أهم أحزاب المعارضة الكردية في سوريا، إضافة إلى كونه عضواً في هيئة "التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، و "مجلس شعب غربي كردستان".
ويدعو حزب الاتحاد الديمقراطي إلى "الاعتراف الدستوري بالحقوق الكردية و "الحكم الذاتي الديمقراطي". ومنذ يوليو/تموز 2011، وبعيد اندلاع الثورة السورية، لعب الحزب دوراً محدوداً كعضو مؤسّس لـ "هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، وانضم إلى الهيئة المعارضة لحزب العمال الكردستاني، المعروفة باسم "مجلس شعب غربي كردستان"، التي تأسست في 16 ديسمبر/كانون الأول 2011.
معاداة الثورة والتعاون مع الأسد في ضرب المعارضة والأكراد
اعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي موقفاً معادياً تجاه الثورة السورية منذ بداياتها. فهو يقف موقفاً معادياً للأغلبية الواسعة من المعارضة، ويتّهم "المجلس الوطني السوري" بأنه تابع لتركيا، بينما يعارض أيضاً المجلس الوطني الكردي بسبب توتّرات طويلة الأمد بين مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان في العراق، الذي يعتبر مؤيّداً بارزاً للمجلس الوطني الكردي، وعبدالله أوجلان.
وبحسب المصادر التركية، فإن تنظيم (PYD) لم يتم تشكيله وتنظيمه من قِبل أكراد سوريا. بل تأسّس في "جبل قنديل" شمالي العراق، وهو يعتبر امتداداً عسكرياً لتنظيم (PKK) في سوريا. ويتهم التنظيم بتهجير الأكراد الموالين لرئيس إقليم كردستان العراق "مسعود برزاني". كما قامت عناصر التنظيم باغتيال وأسر العديد من المفكرين ووجهاء الأعيان المقربين من البرزاني أو المناصرين له.
علاوة على ذلك، وبعد الهجمات التي قام بها ضد المتظاهرين الأكراد في أربيل وحلب ودوره في اغتيال مشعل تمّو (زعيم تيار المستقبل الكردي)، اتُّهِمَ حزب الاتحاد الديمقراطي بالتعاون ضمنياً مع النظام السوري لضرب المعارضة، واتهم بأن أعضاءه عملوا كشبيحة مع نظام الأسد، ضد المتظاهرين الأكراد.
لكن، وبعدما بدأ نظام الأسد يضعف تدريجياً، حاول حزب الاتحاد الديمقراطي التفاوض مع المعارضين الأكراد. ففي 11 يونيو/حزيران 2012، وقّع "مجلس شعب غربي كردستان" اتفاقاً للتعاون مع المجلس الوطني الكردي، وشكّلا "المجلس الأعلى الكردي" المشترك. وألزم اتفاق تكميلي تم توقيعه بالأحرف الأولى في 1 يوليو/تموز كلا الجانبين بإنشاء "لجان أمنية وقوات دفاع مدنية غير مسلحة لحماية المناطق الكردية". ورغم هذه الاتفاقات، اتهم المجلس الوطني الكردي حزب الاتحاد الديمقراطي بمهاجمة المتظاهرين الأكراد، واختطاف أعضاء في أحزاب معارضة كردية أخرى، وإقامة نقاط تفتيش مسلحة على طول الحدود مع تركيا.
بالنسبة لأنقرة، فإن هذا التنظيم يعتبر الأخطر، وطالما هددت أنقرة بأنها لن تسمح بتأسيس كيان "إرهابي" على حدودها. وترى أنقرة أيضاً أن الأراضي التي سيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي تنازل عنها نظام الأسد متعمداً للحزب بعد اندلاع الثورة في عام 2011.
أبرز وجوه التنظيم
يعد صالح مسلم، الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في التنظيم حالياً، أبرزَ وجوه الحزب، وأول المطلوبين لأنقرة.
وُلد مسلم عام 1951 في قرية شيران في كوباني (عين العرب)، لعائلة متوسطة. وتخرج في كلية الهندسة الكيميائية في جامعة إسطنبول عام 1977، بعد ذلك سافر إلى لندن ودرس اللغة الإنجليزية لمدة عام.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، انخرط مسلم بأنشطة حزب العمال الكردستاني وصار مقرباً منهم. وشارك في تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي عام 2003، وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية للحزب. وفي عام 2012 انتُخب إلى جانب آسيا عبدالله رئيساً مشتركاً لحزب الاتحاد الديمقراطي، واستمر في رئاسة الحزب حتى عام 2017. وبعدها انتُخب كل من شاهوز حسن وعائشة حسو للقيادة المشتركة للحزب.
الجناح المسلّح للتنظيم الكردي
تُعتبر "وحدات حماية الشعب" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، ومنذ عام 2013 أدى انسحاب نظام الأسد الطوعي من مناطق شمال وشمال شرقي سوريا إلى سيطرة ميليشيات "وحدات حماية الشعب" عليها.
أنشئت الوحدات في سنة 2014 بوصفها الجناح المسلح للحزب، واتسع نطاقها بسرعة خلال الأزمة السورية، وكانت لها الغلبة على الجماعات الكردية المسلحة الأخرى.
في مطلع عام 2015، قامت الميليشيا بدفاع ملحوظ في مواجهة تنظيم الدولة "داعش"، أثناء حصاره لمدينة عين العرب (كوباني)، حيث بدأت المجموعة بتلقي الدعم الجوي والبري من الولايات المتحدة، وغيرها من دول التحالف (الذي أسس عام 2014 لمواجهة التنظيم)، ومنذ ذلك الحين حاربت الجماعة في المقام الأول ضد تنظيم الدولة، وتمددت على مساحة الجغرافيا الشمالية لسوريا.
وتتضارب المعلومات بشأن تعداد مقاتلي الميليشيا الكردية، لكن بعض الأرقام تتحدث عن 100 ألف مقاتل، مزوّدين بأسلحة أمريكية متقدمة وعربات وأسلحة خفيفة ومتوسطة، ومقسمة إلى كتائب عسكرية وقوى أمنية، قائدها الحالي العام هو سيبان حمو، ومن أبرز قادتها جوان إبراهيم.
وفي أواخر عام 2015، أسست المجموعة ما عُرف باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشار إليها اختصاراً بـ "قسد"، بناء على طلب من الولايات المتحدة؛ لدمج العرب والأقليات الأخرى مع بقاء القوة الضاربة للجماعات الكردية. وفي إطار ذلك أطلقت "قسد" عملية السيطرة على الرقة في الأشهر الأخيرة من عام 2016، من أجل السيطرة على المدينة التي كان يتخذها التنظيم عاصمة فعلية له.
جرائم "الاتحاد الديمقراطي" في سوريا
طالبت المعارضة السورية المشاركة في اجتماعات أستانا عام 2017، بإدراج حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) ضمن قوائم "التنظيمات الإرهابية"، وذلك ضمن ملف سلمته للمبعوث الأممي الخاص يتضمن خروقات التنظيم وممارساته.
وتعتبر المعارضة السورية أن "المجازر" التي يرتكبها "الاتحاد الديمقراطي" في المناطق التي يسيطر عليها، تندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية للسكان، والتي نصت عليها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وتتحدث المعارضة السورية عن صدور أكثر من 482 تقرير إدانة بحق ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، من قبل منظمات دولية كمنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمات حقوقية سورية ودولية، وحتى منظمات كردية وآشورية.
ووثقت بيانات المعارضة السورية ممارسات وانتهاكات "PYD"، من اعتقال تعسفي وتشريد وقتل ونهب وسرقة وهدم للبيوت، فضلاً عن خروج عشرات المظاهرات من الأكراد ضد ممارسات التنظيم المسلح.
الجدير بالذكر أن العلاقات التركية الأمريكية منذ عام 2017 قد شهدت تأزماً عميقاً، إثر قيام واشنطن بتسليح الميليشيات الكردية في شمالي سوريا، باعتبارها الحليف الأكثر قدرة على مواجهة "تنظيم الدولة الإسلامية" هناك، وذلك على الرغم من الاحتجاجات التركية لارتباط تلك الميليشيات بجماعة انفصالية كردية تصنفها تركيا منظمة إرهابية.
أخيراً، تسعى الحكومة التركية في عمليتها "نبع السلام" إلى إنشاء منطقة آمنة شرق الفرات، شمالي سوريا، من أجل القضاء على التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تطول المدن التركية القريبة من الحدود، وتوفير البيئة الملائمة لعودة السوريين إلى ديارهم، وتشكيل فرصة جديدة لإحلال وحدة الأراضي السورية على طول 422 كيلومتراً من حدود تركيا مع سوريا، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً.